الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن رشد.. بلا غموض

ابن رشد.. بلا غموض
14 سبتمبر 2011 22:12
ترجمة: عماد نبيل الناشر: دار الفارابي – بيروت يعرض المترجم عماد نبيل في كتابه “ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية”، مكانة هذا المفكر في العالمين العربي والغربي ليس فقط بسبب شروحاته العديدة لأعمال ارسطوطاليس ورفع قلق العبارة عنها، ولكن أيضاً بسبب مؤلفاته في الحقل الفلسفي واللاهوتي كما تدل على ذلك كتب: تهافت التهافت، وفصل المقال، والكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الملة. بالإضافة الى ذلك، كان ابن رشد قد ألّف العديد من البحوث والرسائل المستقلة، والتي كانت تبحث في مختلف الموضوعات الفلسفية واللاهوتية. هذه البحوث كانت حلولاً للمشكلات التي تم طرحها عليه أو خلال دروسه الفلسفية. ومن خلال تلك البحوث، نجح ابن رشد، والى حد بعيد، في تطوير وجهة النظر الفلسفية الخاصة به في ما يتعلّق بالموضوعات المطروحة للنقاش الفلسفي، وفي الحالات الضرورية جداً كان ابن رشد لا يتورع عن رفض وبقوة الآراء التي يعتقد بعدم صحتها من الناحية الفلسفية. إن كتاب “ابن رشد في جوهر الأجرام السماوية” هو مجموعة من البحوث الفلسفية التي تمتلك موضوعاً واحداً مشتركاً هو دراسة طبيعية وخصائص الأجرام السماوية. والمترجم سعى إلى تزويدنا بنسخة دقيقة ومقرؤة للنص الرشدي المفقود، وكما قرأنا فهو عمل جاهداً في الحفاظ على سلامة اللغة وعلى خصوصيات أسلوب النص الأصلي حيثما كان متاحاً له ضمن حدود الاستخدام الفلسفي للغة العربية. روايات السيرة يعرض المترجم حياة ابن رشد وأعماله طبقاً لروايات كاتبي السيرة عبد الواحد المراكشي المتوفي في عام 1224، ابن أبي أصيبعة المتوفي عام 1270، ابن البار المتوفي في عام 1260، والأنصاري المتوفي في عام 1288. ولقد ولد ابن رشد في مدينة قرطبة في إسبانيا في عام 1126 من أسرة بارزة معظم أفرادها كانوا قضاة ورجال دولة. فأبوه وجده كانا قاضيين. درس ابن رشد الفيلسوف الشاب في بداية حياته الفلسفية الفقه والأدب وعلم الكلام والفلسفة والطب على أيدي عدد من الأساتذة، الذين في بعض الأحيان يذكر كاتبو سيرة حياة ابن رشد أسماءهم. فكان من أساتذة ابن رشد في دراسة الطب: أبو جعفر هارون، وأبو مروان ابن جبرول من فالنسيا، وكان أقرب الأساتذة له هو أبو بكر بن زاهر المتوفي في عام 1162. ولم يذكر أسماء الأساتذة الذين تتلمذ على أيديهم في موضوع الفلسفة، مع هذا يبدو أن ابن رشد قد تأثر الى حد كبير بإبن باجة، الفيلسوف الذي يعتبر المسؤول الأول عن ادخال الفلسفة والتعريف بها الى الأندلس، والذي كان يحظى بتقدير ابن رشد. يعرض الكتاب ايضاً كيف كان ابن رشد صديقاً حميماً لابن طفيل، الفيلسوف الذي عمل كطبيب في بلاط الخليفة أبو يعقوب يوسف، ولعبت صداقة ابن رشد لابن طفيل دوراً أكثر من المهم في تحديد اتجاه النتاج الفلسفي لابن رشد لاحقاً، بما أن ابن طفيل هو الفيلسوف الذي عرف ابن رشد الى الخليفة وأدخله في حضرته في عام 1169 على وجه التحديد، ممتدحاً فطنته الفلسفية وحسه العميق في فهم فنون الفلسفة. ويذكر المترجم في هذا الكتاب عن المؤرخ المراكشي أن الخليفة وجّه سؤاله التالي الى ابن رشد وهو: ماذا يعتقد الفلاسفة في ما يتعلق بطبيعة السموات؟ بعبارة أخرى، هل هي أبدية أم محدثة في الزمان؟ لكن ابن رشد ارتبك وخاف حيث أنكر اشتغاله بدراسة الفلسفة. ومن أجل أن يبدد الخليفة مخاوفه، بدأ يشرح وجهات نظر أفلاطون وأرسطو وفلاسفة آخرين حول تلك المسألة، وبالإضافة الى ذلك عرض أيضاً اعتراضات المتكلمين المسلمين المخالفة لوجهات نظر الفلاسفة في هذا الأمر إجمالاً. ويذكر ابن رشد، بعد استماعه لرأي الخليفة باهتمام شديد، أنه أخبر أحد تلامذته لاحقاً، أنه وجد في الخليفة شخصاً وافر المعرفة وغزيرها حتى أنه لم يتوقع أن يجد تلك المعرفة حتى عند أكثر المتخصصين إمكانية في هذا الحقل المعرفي. ونتيجة لهذا اللقاء المهم بين ابن رشد والخليفة بدأ النشاط الفعلي لمهمته كفيلسوف. فلقد كان الخليفة قارئاً نهماً لأرسطو، وقد اشتكى لابن طفيل من غموض المصطلح وصعوبة اللغة الفلسفية لأرسطو أو لمترجميه، وعبر عن رغبته أن يتصدى ابن طفيل الى مهمة تأويل وتفسير أعمال ارسطو ويرفع عنها قلق وغموض العبارة الذي يسود هذه الأعمال ويقدمها مرة أخرى بلغة مقرؤة. لكن تقدم السن عند الفيلسوف ابن طفيل جعله يعتذر عن أداء المهمة الشاقة، وعليه فقد نصح في أن توكل هذه المهمة الى ابن رشد، الذي كان ابن طفيل يكن لمقدرته ولموهبته الفلسفية عظيم التقدير. ومنذ ذلك الوقت، بدأت مهنة ابن رشد كمعلق أو شارح لأعمال أرسطو، علماً أن بواكير أعماله حول أرسطو مثل، تلاخيص لأجزاء الحيوانات، كون الحيوانات والحس والمحسوس كانت قد كتبت حوالي العام نفسه أي 1169. ضغوط وتهم حينما تولى السلطة أبو يوسف يعقوب، الملقب بالمنصور خلفاً لأبيه في العام 1184، بقي ابن رشد يتمتع بالمكانة نفسها والرعاية الملكية التي كان يتمتع بها في عهد الخليفة الراحل. ولكن في العام 1195، وعلى الأرجح استجابة الى الضغط الشعبي الذي أثاره الفقهاء المالكيون ضد الفلسفة وتدريس العلوم اليونانية والقديمة، عانى ابن رشد باعتباره الممثل الشرعي للفلسفة اليونانية آنذاك محنة كبيرة وفقد تقريباً كل الامتيازات والرعاية الملكية التي منحها له الخليفة. لكن الروايات التاريخية تخبرنا بأسباب مختلفة أدّت الى محنة ابن رشد تلك: يقال إن تهماً متنوعة قد وجهت الى فيلسوفنا. وهنا يذكر ابن ابي أصبيعة أن سبب محنة ابن رشد يعود الى أنه أشار في كتابه “كتاب الحيوان” الى المنصور بلقب ملك البربر للحط من قيمة الأمير مما أثار حفيظة الأمير ضد ابن رشد، لأن كلمة بربر بالعربية تعني القوم الهمج. وفي ذات الصدد يعزو المؤرخ الأنصاري محنة ابن رشد ونفيه الى سبب آخر وهو أن ابن رشد يقول في ما يتعلّق بقوم عاد المذكورين في القرآن الكريم والريح التي هبت عليهم وأهلكتهم: إذاً كان في الواقع وجود قوم عاد هو أمر غير يقيني، إذن فمن أين جاءت الأخبار عن هلاكهم بواسطة ريح؟. أما رواية المراكشي فمختلفة تماماً، فهو يعزو محنة ابن رشد الى إشارته الى الكوكب فينوس على أنه واحد من الآلهة. بالإضافة الى ذلك كان الخليفة في ذلك الوقت مشتبكاً في معارك حامية الوطيس مع المسيحيين في إسبانيا، وعليه قد فقد قرر كسب رد الفقهاء الذين كان لهم وما زال تأثير عارم على العامة بمعاقبة ابن رشد ونفيه الى مدينة صغيرة تسمى اليسانه تقع قرب قرطبة، حيث أعلن تحريم كتبه وأمر بإحراقها، بالإضافة الى تحريم تدريس الفلسفة. تحت وطأة تلك الظروف المجحفة والظالمة، كان ابن رشد بحق ضحية لبراعة الأفكار الخسيسة التي دبرها الفقهاء آنذاك، الذين كانوا يكنون له الكره والحسد. ولكن حين عاد الخليفة من مراكش، ولأسباب ربما غير معروفة، قرر أن يصدر أمراً في عودة ابن رشد الى مدينته والى وضعه السابق. لكن ولسوء الحظ، لم يتمتع ابن رشد بهذه العودة كثيراً فقد وافه الأجل في مراكش في التاسع من صفر عام 595م. من العنوان يقرأ الديوان... ابن رشد صاحب حمية على البحوث الفلسفية وموضوعاتها، مكافح، منافح، ضد غدر الإفتراء. في فلسفته من المعاني الى المفاهيم، لا يبعث الريبة ولا يعبث بالقيم، يدل على الطريق... ومن كان واضحاً يأبى التخفي وراء الغموض...
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©