السيدة «حرية»

من ميناء نيويورك ركبت عبارة ستحملنا إلى جزيرة بيدولز، حيث سنصعد إلى جوف تمثال الحرية الشهير، كان الجو باردا على سطح المركب، زادته تيارات الهواء برودة ولم أتحمل الصمود كثيرا على سطح المركب، ولذلك دخلت حيث وضعت صفوف من الكراسي اصطف عليها عدد كبير من السواح، جلست استرق النظر إلى مناظر البنايات التي نبتعد عنها، وفي الجهة الأخرى كانت تبدو جزيرة ستاتن وجزية إليس التي كانت تستقبل جموع المهاجرين قبل أكثر من مائة عام، كان المهاجرون يلقون معاملة سيئة إلى أن يجدوا من يستقبلهم في نيويورك، وكثير منهم فقدوا على هذه الجزيرة وكثير منهم غيّروا أسماءهم أو تخلوا عنها ليتمكنوا من الدخول إلى أميركا. بعد حوالي نصف ساعة وصلنا إلى حيث تقف السيدة “حرية” منتصبة بشموخ فوق قاعدة إسمنتية عريضة، الاسم الرسمي لهذا التمثال هو “الحرية تنير العالم”. وهو لسيدة تحررت من قيود الاستبداد التي ألقيت عند قدميها. وهي تمسك في يدها اليمني مشعلا يرمز إلى الحرية، بينما تحمل في يدها اليسرى كتابا نقش عليه بأحرف رومانية جملة “4 يوليو 1776”، وهو تاريخ إعلان الاستقلال الأميركي، أما على رأسها فهي ترتدي تاجا مكونا من 7 أسنة تمثل أشعة ترمز إلى البحار السبع أو القارات السبع الموجودة في العالم. وعمره الآن 120 عاما ومنذ عام 1924 يعتبر َمعْلما وطنيا وأثرا قوميا أميركيا، وأعلنته الأمم المتحدة موقعا من مواقع التراث الإنساني العالمي عام 1984. وقصته تبدأ بالنحات الفرنسي فريدريك أوجست بارتولدي الذي راودته فكرة التمثال، لتجسيد الحرية والحضارة الإنسانية في شكل امرأة تحمل شعلة تنير بها جنبات العالم. وفي عام 1871 عندما فكر الفرنسيون في مشاركة فرنسية متميزة في احتفالات أميركا بذكرى استقلالها المئوي. لكن عبَّارتنا لم ترس على الجزيرة ولم تتوقف بل أكملت دورتها حول التمثال، وعادت أدراجها من حيث أتت، وبقيت أنظر إلى التمثال وهو يبتعد ويختفي في الضباب بعد أن احتل مكانة بارزة في تاريخ أميركا، ورأى فيه كثيرين رمزا للحلم الأميركي وشعار للحرية والعدالة والديمقراطية والرخاء الاقتصادي والصداقة بين الشعوب، تلك القيم التي أغرت المهاجرين من أنحاء الدنيا للهجرة إلى هذه البلاد والإسهام في بناء الحضارة الجديدة وينعموا بخيراتها. وبقي في بالي أطرف وصف ورد في هذا التمثال هو مقولة ساخرة ولاذعة لأديب بريطانيا الأشهر جورج برنارد شو “إن تمثال الحرية موجود في الولايات المتحدة بالذات، ودون أي مكان آخر في العالم؛ لأن البشر عادة لا يقيمون التماثيل إلا للموتى”. rahaluae@gmail.com