خلافاً للجنود القدامى الذين يتقاعدون بعد سن معينة، فإن عمالقة الاقتصاد الهندي نادراً ما يتوارون عن الأنظار، فهم يرفضون ترك الساحة حتى بعد تسليم شركاتهم ومؤسساتهم إلى جيل الأبناء أو الأحفاد· وكما كان إن·أر· نارايانا موروثي فريداً في عمله، فقد كان أيضا فريدا بل ومبتكرا وهو ينسحب من الساحة، فقد أعلن في أغسطس الماضي وخلال احتفاله بعيد ميلاده الستين، تنحيه عن منصب الرئيس التنفيذي لشركة ''انفوسيز''، وهي نجم صناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية منذ تأسيسها عام ·1981 وجاء قرار اعتزال موروثي خلال احتفالات الشركة بعيدها الفضي والتي حضرها نجوم صناعة الكمبيوتر والمال والأعمال مثل بوب جريفيلد رئيس بورصة ناسداك، ومن المتوقع الآن ألا يظهر موروثي في مكاتب الشركة إلا مرة واحدة شهريا·
وتشير مجلة ''الايكونوميست''، إلى أن قرار موروثي ترك الساحة التنفيذية في مثل هذه السن الصغيرة نسبيا، هو في حد ذاته ابتكار جديد في عالم الأعمال الهندي، والأكثر إثارة للدهشة أنه ترك منصبه لزميل أصغر سناً وليس لأحد أفراد عائلته، وهو ما يظهر أن الشركة لا تريد مسايرة التقاليد الهندية بل أفضل الممارسات العالمية، ويعمل بالشركة أكثر من 70 ألف شخص متوسط أعمارهم 26 عاماً فقط·
واستقالة موروثي لا تعني أنه سيختفي تماماً من الساحة، لكنه سيكتفى بتدور الموجه والمرشد لكبار المديرين في شركته، إضافة إلى مناصبه الأخرى العديدة والتي يكفي كل واحد منها لكي يثير في نفس صاحبها مشاعر الفخر، ومنها رئاسة الهيئة الحكومية المشرفة على المعهد الدولي لتكنولوجيا المعلومات في بنجالور ومعهد الإدارة الهندي في أحمد آباد، وعضوية مجلس إدارة ''بنك دي بي اس'' السنغافوري و''اللجنة المركزية'' للبنك المركزي الهندي وعضو مجلس رئيس الوزراء الهندي للتجارة والصناعة، إضافة إلى مجالس الأوصياء لعدد من أشهر الجامعات الدولية·
ولد موروثي يوم 20 أغسطس 1946 وتخرج كمهندس كهربائي من جامعة ميسوري عام 1967 ونال درجة الماجستير عام ·1969 وبدأ عمله مع شركة بانتي لأنظمة الكمبيوتر ثم اشترك مع ستة من محترفي البرمجة لتأسيس شركة ''انفوسيز'' عام ·1981 وكان الاجتماع الحاسم هو الذي عقده السبعة في غرفة نوم شقته في مومباي، ويؤمن موروثي بفكرة أن طريق النجاح هو: ''قرر أولاً الشيء الصائب ثم أفعله جيداً وعندها ستكون الأمور على ما يرام·''
ونجحت الاستراتيجية وتحولت انفوسيز خلال 23 عاماً، إلى ثالث أكبر مؤسسة للبرمجيات في الهند بقيمة سوقية تزيد على مليار دولار، وفي السنة المالية التي انتهت في مارس الماضي تجاوزت إيرادات الشركة حاجز الملياري دولار، وجمعت أرباحاً قبل خصم الضرائب بقيمة 555 مليون دولار·
وكانت ''انفوسيز'' أول شركة هندية يتم إدراجها على مؤشر بورصة ناسداك، وهو ما تقول ''الايكونوميست'': ''إنه كان قفزة هائلة لانفوسيز وصناعة البرمجيات الهندية بصفة عامة· ومن بين أكبر ثلاث شركات لتكنولوجيا المعلومات في الهند فإن ''انفوسيز'' هي الوحيدة التي انطلقت من الصفر إلى عنان السماء، أما الشركتان الأخريان وهما ''تاتا للخدمات الاستشارية'' فهي تابعة لأكبر مؤسسة في الهند في حين أن ثاني أكبر شركة وهي ''ويبرو'' فقد انتقلت من صناعة الأجزاء الصلبة للكمبيوتر إلى البرامج''·
ويعتقد كثير من المحللين أن التوسع الكبير في صناعة البرمجيات وتدفق الشركات العالمية على الهند سيقلص بشدة من هامش أرباح ''انفوسيز'' لكن موروثي لا يرى في ذلك تهديداً كبيراً، مشيراً إلى ان شركته تجذب 1,4 مليون طلب توظيف سنويا وأن الاجور تمثل فقط 14 % من النفقات ولذا فلو زادت المرتبات بنسبة 15 % فلن يؤدي هذا إلا لخفض بنسبة 2,1 نقطة مئوية من الأرباح· وهاجسه الأكبر الذي يشترك فيه مع باقي صناعة البرمجيات الهندية هو سوء حالة البنية الأساسية بداية من الطرق إلى المطارات·
ونال موروثي عدة جوائز قيمة خلال مسيرته المهنية بما في ذلك الدكتوراة الفخرية من عدة جامعات هندية ودولية مرموقة، ففي عام 2000 كرمته الحكومة الهندية، وكان أول من حصل على ميدالية المنتدى الفرنسي الهندي عام 2003 لدوره الرائد في تعزيز العلاقات بين الهند وفرنسا، وأعطته مؤسسة ''ارنست اند يونج'' لقب أفضل مبتكر في العالم عام ·2003 وفي العام نفسه وصفته مجلة فورتشين بأنه أفضل رجل أعمال في آسيا، وفي عام 2001 وصفته مجلة التايم وشبكة ''سي ان ان'' بأنه واحد من أكثر 25 شخصية تأثيرا في العالم· ووصفته مجلة بيزنيس ويك عام 1999 بانه من أفضل تسعة مبتكرين في العالم وكان ضمن قائمة نجوم رجال الاعمال الاسيويين أعوام 1998 و1999 و2000 في استفتاء المجلة نفسها· وفي ديسمبر الماضي نال موروثي المركز الثامن في قائمة أكثر الرؤساء التنفيذيين اثارة للاعجاب على مستوى العالم في دراسة عالمية شاركت فيها وحدة معلومات الايكونوميست· وفي مايو الماضي، نال موروثي وللعام الخامس على التوالي لقب أكثر زعماء الاقتصاد إثارة للإعجاب في الهند· ومن الأقوال الطريفة المأثورة عن موروثي وصفه لنفسه بأنه ''النعجة السوداء'' في أسرته لانه لم يسر على خطى أسرته ولم يدخل سلك التدريس·
عدد اليوم
