السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المعارض تنقذ صناعة الفخار الجزائرية من الاندثار

المعارض تنقذ صناعة الفخار الجزائرية من الاندثار
8 سبتمبر 2013 21:23
شهدت صناعة الفخار التقليدي بالجزائر تراجعا مستمرا في العقود الثلاثة الماضية، وقلّ الاهتمامُ الشعبي بها إلى درجة أنها أصبحت مهدّدة بالاندثار أمام «الغزو المكثف» للأواني البلاستيكية والزجاجية لكل البيوت الجزائرية، إنْ في المدن أو الأرياف. وأمام خطورة تضييع أحد رموز الهوية والتراث الجزائري العريق، تدخلت وزارتا الثقافة والسياحة ووضعتا برنامجاً يهدف إلى إعادة الاعتبار لهذه الصناعة التقليدية وبعثها من جديد ولفت انتباه الأجيال الصاعدة إليها حتى تحمل المشعل وتواصل مهمّة صنعها والحفاظ عليها كموروث ثقافي أصيل، فبدأت تكثّف برمجة المعارض للتعريف بها، سواء كانت معارضَ خاصة بالفخار وحده، أو بالصناعات التقليدية الجزائرية عامّة، وهو ما بدأ يؤتي أكُله في السنوات الأخيرة. أسباب التراجع اشتدّت أزمة صناعة الفخار التقليدية الجزائرية حينما افتتح الطريق السياّر شرق- غرب، من الحدود التونسية إلى الحدود المغربية على مسافة 1266 كلم، إذ وجّه هذا الطريقُ ضربة موجعة لهذه الصناعة بعد أن أصبحت ملايين السيارات تمرّ بالطريق السيار، بدل الطريق القديمة التي كانت تعجّ بمئات الباعة الأمازيغ الذين يعرضون تشكيلات مختلفة من الأواني الفخارية بألوان زاهية على قارعتي الطريق، وكانت تثير انتباه الكثير من عابري السبيل الذين كانوا يتوقفون لاقتناء ما تيسّر لها من أواني فخارية، لكن فتح الطريق السيار أصاب هذه الصناعة في مقتل، يقول لخضر بلوار، بائعٌ شاب بمنطقة «إيغرام» الأمازيغية، 160 كلم شرق الجزائر، إن تجارته انحسرت بشكل كبير منذ فتح الطريق السيار في يوليو 2010 «لقد أصبح مرور السيارات من هذه الطريق القديمة نادراً، السائقون يريدون اختصار الطريق بساعات وهذا من حقهم، لكن تجارتنا للفخار لم تعد كما كانت منذ سنوات قليلة»، ويضيف بمرارة «كان لدينا زبائن من كل الولايات الجزائرية، وحتى من جزائريي المهجر الذين يريدون نقل تذكارات فخارية إلى فرنسا ليتذكروا البلد دوماً، الآن لم يعد الأمرُ مغرياً بالاستمرار». وكان الشابان بلوار وشريكه أحسن علواش قد فتحا «محلا» من القصب على الطريق القديمة في 2010، ليبيعا فيه الأواني الفخارية الأمازيغية وكذا أواني مستورَدة من تونس وبدرجة أقل من المغرب، وسارت الأمور على مايرام في البداية مع كثرة السيارات التي كانت تقطع يوميا الطريق من 14 ولاية بشرق البلد إلى الجزائر العاصمة، أو في الاتجاه المعاكس، قبل أن تتراجع بشكل حاد بعد ذلك، يقول علواش «نفكّر جديا بتغيير المهنة إذا لم نجد محلا آخر من القصب على حافة الطريق السيار قريباً». حملات تسويق إزاء الانحسار الحاد لصناعة الفخار وتسويقها ورواجها، وزحف مظاهر المدَنية والعصرنة على الأرياف والمناطق النائية التي بدأت تستعمل كل ما هو عصري على حساب الموروث التقليدي، وخوفاً من اندثار مهنة صناعة الفخار الجزائرية التقليدية العريقة التي طالما كانت أحد مظاهر التمسّك بالتراث، بدأت وزارتا الثقافة والسياحة في السنوات الأخيرة تعتمدان خطة لبعث هذه الحرفة الأصيلة وإعادة الاعتبار لها ودفع الأجيال الصاعدة إلى التمسك بها وعدم نبذها وهجرها، فأقامتا الكثير من المعارض للصناعات التقليدية وخصّصتا أجنحة كبيرة لصناعة الفخار وخصوصياته بكل منطقة بالجزائر. وأبدت العديد من النساء والفتيات اللواتي احترفن صناعة الفخار، ارتياحهن لهذه المعارض التي تُعقد بانتظام بين الفينة والأخرى بمختلف مناطق البلد، فهو من شأنه بعث هذه الصناعة وإحيائها ودفع الأجيال إلى التمسك بها، تقول زهرة باشا، التي تمارس الحرفة منذ 25 سنة «مرت هذه الصناعة بسنين لم تكن أغلبية الناس تهتمّ بها، الآن أعادت لها السلطات الاعتبار، ومن جهتنا، بدأنا نطوّرها من ناحية الشكل والألوان والمظهر لتصبح أكثر جاذبية مما كانت عليه، ينبغي تجديد هذه الحرفة دون التخلي عن روحها». وتوضّح «صناعة الفخار بأشكاله القديمة لم يعد جذاباً للأجيال الجديدة، ينبغي تطوير الحِرفة شكلاً ومضموناً، والاستفادة من صناعة الخزف أيضاً لمنح المهنة دفعاً جديداً». أما كاهنة عصماني، من منطقة «القبائل» الأمازيغية، فتبدي امتنانها لوزارة الثقافة على تنظيم معارض متتابعة للتعريف بصناعة الفخار، ما انقذها من الانقراض «كان إنتاجُنا مكدسا من قبل، ولا أحد يعرفنا، الآن بدأت الأمور تزدهر، وقد تلقيت دعوة للمشاركة في معرض آخر وعرض منتجاتي الفخارية التي طورتها من خلال صنع أواني للديكور والتزيين أيضاً وليس فقط للاستعمال اليومي». تفاؤل بالانتعاش جَمْعة بلحاج جاءت من منطقة «تمنطيط» بولاية أدرار، على حدود مالي والنيجر، لتعرض تشكيلة من الأواني الفخارية التزيينية الشهيرة بهذه المنطقة التي تبعد عن الجزائر العاصمة بنحو 2300 كلم. وتُصنع هذه الأواني بالطين ثم تطلى بقلم الرصاص وتُملّس، وتؤكد جَمْعة أن أواني المنطقة موجّهة للديكور بالدرجة الأولى مع التفكير بالاتجاه إلى الأواني ذات الاستعمال المنزلي قريباً. أما السيدة يامنة زرقاوي من تيبازا، 120 كلم غرب الجزائر، فهي مرتاحة لانتعـــاش هذه الصناعة، وبداية اهتمام الجيل الجديد بها «بناتي الثلاث بدأن يُظهرن اهتمـــامهن بتعلّم هذه المهنة مني، أنا مرتاحـة وفخورة جدا بذلك، لأن ذلك سيسمح بتوارث هذه الحرفة التراثية العريقة ونقلها من جيل إلى جيل». وتبدي المشاركات في مختلف المعارض للصناعات التقليدية المحلية تفاؤلهن بإمكانية انتعاش الحِرفة أكثر مع العودة القوية للجزائريين في السنوات الأخيرة إلى استهلاك «المطلوع» وهو خبزٌ محلي يُحضّر على «طاجين» من الفخار في البيوت، لكن زهرة باشا تؤكد أن ذلك غير كاف «يجب أن يقتنع الناسُ بأن الأواني الفخارية هي الأنسب لاستعمالاتهم اليومية حتى يُردّ الاعتبار لها وتزدهر مجدداً، ينبغي أن ينتبه الجميع إلى أن الأواني البلاستيكية مُضرّة بالصحة والمواد الكيماوية التي صُنّعت منها تتحلل تدريجياً وتختلط بمرور الوقت بمختلف المأكولات وتتسرب إلى الجسم عند الاستهلاك وتُلحق أضراراً صحية بالمستهلكين، أما الأواني الطينية فلا خطر منها». أثر بعد عين كانت صناعة الفخار الجزائرية، من قدور وأواني وصحون وأقداح وغيرها رائجة جدا في الستينيات والسبعينيات، وخاصة في الأرياف والمدن الصغيرة، حيث كانت العائلات تعتمد عليها بشكل مكثف في استعمالاتها اليومية المختلفة، وكانت تجارتُها أيضاً مزدهرة، بل إنها كانت مصدر دخل محترم يحفظ للكثير من الأرامل كرامتهن ويسمح لهن بتربية أطفالهن اليتامى في أجواء من العزة والشموخ. إلا أن الوضع بدأ يتغيّر في السنوات الأخيرة من السبعينيات وبداية الثمانينيات، حيث بدأ الاهتمام بهذه الحرفة التقليدية يتراجع وينحسر تدريجياً بفعل عوامل كثيرة، ومنها أن الأواني الفخارية لم تعد مطلوبة في السوق بنفس القدر من الاهتمام كما كان الأمرُ في السابق بسبب الغزو المكثف للأواني العصرية؛ البلاستيكية والزجاجية، للأسواق بأثمان في متناول الجميع، وأمام خِفتها وتنوّع أشكالها وجمال ألوانها، بدأ الجزائريون يقبلون عليها ويعزفون عن الأواني الفخارية التقليدية، فمرّت بسنوات عجاف.
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©