الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المعارضة الجمهورية لخطة الانقاذ

المعارضة الجمهورية لخطة الانقاذ
4 مارس 2009 22:54
من المواقف التلقائية التي اعتاد ''الجمهوريون'' في الأشهر الأخيرة على إبدائها رفضهم للخطة الجديدة التي كان الرئيس فرانكلين روزفلت قد أقرها لمواجهة الكساد الاقتصادي الكبير الذي ضرب أميركا في عشرينيات القرن الماضي باعتبارها نموذجاً حياً لفشل ''الديمقراطيين''، بل وصفها أحد المعلقين في محطة ''فوكس نيوز'' التليفزيونية بأنها كانت ''حرباً ضد المقاولة الخاصة''· لكن ما لا يعرفه كثير من ''الجمهوريين'' اليوم أن خطة روزفلت لإنقاذ الاقتصاد قوبلت بتأييد واسع من ''الجمهوريين'' أنفسهم، والحقيقة أن بعضهم انتقد روزفلت لأنه لم ينفق بما فيه الكفاية· ففي 6 مارس 1935 أصدر رئيس الاحتياطي الفيدرالي، ''مارينر إيكليس''، تحذيرًا واضحاً إلى الرئيس روزفلت يطالب فيه بإنفاق المزيد من الأموال على الاقتصاد المتعثر، معتبراً أن كل ما أنفق إلى غاية تلك اللحظة ''لا يرقى إلى المستوى المطلوب'' وأنه بالنظر إلى المخصصات المالية المرصودة فإنه من غير الواقعي ''انتظار تحسن جوهري'' في الحالة العامة للاقتصاد· وفي تصريح ينطوي على قوة تنبؤية واضحة قال ''إيكليس'' الذي كان الابن البار للحزب ''الجمهوري'' وأحد أعضائه المخلصين ''إذا واصلنا الإنفاق كل سنة دون أن يكون ذلك كافياً للتشجيع على الإنفاق الخاص فإنه سينتهي بنا المطاف بمديونية عالية دون الخروج من الكساد''، مشدداً على أن ''السياسة الأكثر أمناً هي تلك الأكثر جرأة''· أستحضر هذه الكلمات في وقت لم يصوت خلال شهر فبراير المنصرم أي من الأعضاء ''الجمهوريين'' في مجلس النواب على حزمة الإنعاش الاقتصادي التي طرحها أوباما على الكونجرس وفقط ثلاثة منهم في مجلس الشيوخ· وبالرجوع إلى ''إيكليس''، نجد أنه عُين أول مرة رئيساً للاحتياطي الفيدرالي من قبل الرئيس روزفلت في العام ،1934 ثم ظل على رأس المؤسسة حتى عندما أعيد تشكيل البنك المركزي الأميركي عام ،1935 حيث اشتهر الرجل الذي كان أحد رجال الأعمال المخضرمين بتصريحاته الاقتصادية ومواقفه التي كشفت التجربة لاحقاً صحتها ووجاهتها مثل دعمه للخطة الجديدة ومطالبته بمواصلة الإنفاق الحكومي حتى يتعافى الاقتصاد· وفي كل مواقفه غير المنسجمة مع تلك التي يتبناها ''الجمهوريون'' اليوم يستمد ''إيكليس'' مادته الفكرية ليس من المنظرين التقدميين كما قد يعتقد البعض، بل يستند إلى أب الرأسمالية وأحد أشد المتحمسين إليها ''آدم سميث''، لا سيما كتابه المرجعي ''ثورة الأمم'' الذي يعتبر فيه أن ثروة الأمة بشكل عام، وليس ثروة الأفراد هي المعيار الذي يُقيم من خلاله النشاط الاقتصادي للدول· وقد لفت ''إيكليس'' انتباه الرأي العام واستقطب إليه الأضواء مطلع عام 1933 عندما أدلى بشهادته أمام اللجنة المالية لمجلس ''الشيوخ'' كمواطن عادي، واعتبر وقتها أنه ''من غير المفهوم'' أن يستمر الأميركيون في المعاناة من الانهيار الاقتصادي الذي يمكن للحكومة الفيدرالية إنهاءه· ولعل ما ساعد ''إيكليس'' على مواجهة زملائه ''الجمهوريين'' الذين رفضوا خطة الإنفاق المواصفات التي يتمتع بها كعضو بارز في المجتمع الرأسمالي الأميركي ورجل أعمال مرموق، وهو ما أعطاه شرعية الحديث والدفاع عن مواقفه ومده بالثقة للمطالبة بالمزيد من التدخل الحكومي لتحفيز الاقتصاد، وللتخفيف من معاناة الأميركيين· ففي عام ،1935 ألقى ''إيكليس'' خطاباً أمام جمعية المصارف الأميركية انتقد فيه ترددهم في منح القروض، مذكراً جمهوره أنهم إذا كانوا يريدون من الحكومة رفع يدها عن الاقتصاد وعدم التدخل، فإنه على البنوك أن تقوم بدورها وتستأنف عمليات الإقراض، هذه المواقف المناقضة لانتمائه ''الجمهوري'' جعلت من الصعب تصنيف ''إيكليس'' ووضعه في خانة معينة ما حدا بمجلة ''فورتن'' للعام 1934 إلى وصفه ''بالمصرفي القادم من ولاية يوتا ويحمل وجهة نظر خاصة''· لكن في النهاية كان شعاره الداعي إلى إعطاء دور أكبر للحكومة بسيطاً عبر عنه قائلا ''إطلاق أكبر قدر من الإنفاق الخاص من خلال الحد الأدنى من الإنفاق العمومي''، علماً أنه كان واعياً بأن الحد الأدنى من الإنفاق الحكومي يعني ضخ أموال كبيرة في شرايين الاقتصاد وربما تكبد نسبة عجز عالية قبل عودة الثقة إلى الفاعلين الخواص واستئناف الأنشطة الاقتصادية· ولم ينتظر ''إيكليس'' طويلا لبلورة أفكاره على أرض الواقع، إذ ما أن حل ضيفاً على واشنطن وعمل في وزارة الخزانة حتى أشرف على صياغة برنامج قد يكون من أكثر الاقتراحات نجاحاً في التاريخ الأميركي متمثلا في القانون الوطني للإسكان· فقد اعتبر ''إيكليس'' أن 30% من الأميركيين الذين فقدوا وظائفهم كانوا يعملون في البناء والتشييد، وأدرك أن تحفيز القطاع العقاري سيمتد أثره إلى قطاعات أخرى ما سينعكس في النهاية بالإيجاب على مجمل الاقتصاد الأميركي، ولم يكن لقطاع البناء أن ينتعش لولا القانون الوطني للإسكان الذي صاغه ''إيكليس'' وأحدث ثورة حقيقية في عملية الإقراض العقاري، ليصبح الأميركيون مع نهاية الثلاثينيات قادرين على شراء بيتوهم برهن عقاري يمتد إلى ثلاثين عاماً وبنسبة فائدة متدنية، فضـــلا عن تسبيق أولي لا يتجاوز 10% من قيمة العقار· ولو قدر لـ ''إيكيلس'' العودة مجدداً إلى عصرنا الحالي وسماع المقولات التي كان يرددها ''الجمهوريون'' لهاله موقفهم الأكثر تشدداً حتى مقارنة بما كان عليه ''الجمهوريون'' في عهد الرئيس روزفلت· مارك نيلسون أستاذ التاريخ بجامعة بيبردين الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©