الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أستراليا والتنافس الأميركي- الصيني

7 سبتمبر 2013 23:19
يبدو أن القضية العالمية الوحيدة التي تتحكم في الحملة الانتخابية في أستراليا هي الأزمة السورية. وهي التي يحاول رئيس الوزراء كيفن رود استغلالها للتفوق على خصمه توني أبوت الذي يستند إلى خبرة لا تُجارى في العلاقات الدولية. وهذا من سوء حظ «رود» لأن الاختيار الأساسي الذي ينشغل به الأستراليون في انتخابات 7 سبتمبر ليس بين «رود» و«أبوت»، بل بين الولايات المتحدة والصين. وقد لا تكون هناك قضية يمكنها أن تشغل بال الأستراليين وأن تحدد مستقبلهم على المدى البعيد أكثر من مسألة تحقيق التوازن الدبلوماسي المعقد بين هاتين القوتين العظميين. و«أبوت» الذي كانت تجمع كل استطلاعات الرأي على فوزه، فإن أسلوبه في التوفيق بين التعاون مع الدولة الحليفة الأقوى بالنسبة لأستراليا (الولايات المتحدة) من جهة، وشريكتها التجارية الكبرى (الصين)، هو الذي سيحكم على مدى نجاح حكومته وسياسة بلاده بشكل عام. ويبدو كأن هذه القضية باتت تمثل تحدياً من نوع جديد بالنسبة لكانبيرا. وعلى مدى عقود طويلة، ظل الأستراليون يعتمدون على الولايات المتحدة للحفاظ على الاستقرار في آسيا والأمن المستدام في وطنهم. ومن أجل تحقيق ذلك، قدموا لواشنطن الدعم الكامل وغير المشروط في المنطقة وما يقع وراءها. وبدا وكأن هذه الاستراتيجية كانت تعمل على النحو المطلوب ما دام الترحيب بقيادة الولايات المتحدة للمنطقة قائماً عبر دول آسيا بما فيها الزبون الأكبر استهلاكاً للبضائع والمصادر الطبيعية الأسترالية وهو الصين. إلا أن هذه المعادلة تتعرّض الآن للتغيير. ولأول مرة منذ بضعة قرون، ستستأثر الصين مرة أخرى بمرتبة أضخم اقتصاد في العالم. ومن المعروف أن الثروة هي رديف القوة، بما يعني أن الصين أصبحت تشكل الآن التحدي الأكبر للقوى الغربية في آسيا منذ استوطن الأوروبيون أستراليا. وفي نفس الوقت، أصبحت الصين هي المنشّط الأساسي للاقتصاد الأسترالي. وخلال الربع الثاني من العام الجاري، اشترت الصين من أستراليا أكثر من 35 في المئة من إجمالي صادراتها. وهي نسبة تعادل ضعف ما كانت عليه قبل خمس سنوات. والآن، تتجه كميات أكبر من منتوجنا من الفحم والحديد ومعظم صادراتنا الأخرى إلى الصين بأكثر من أي بلد آخر. وأشارت صحيفة Australian Financial Review في عدد صدر قبل بضعة أسابيع إلى قضية مهمة عندما قالت: «منذ طفرة إنتاج الصوف التي بلغت أوجها عام 1950، لم تكن أستراليا معتمدة على علاقة تجارية مع بلد منفرد آخر مثلما هي الآن». وبقيت كافة دواعي التوتر بين الولايات المتحدة والصين كامنة حتى حلول الأزمة المالية العالمية عندما بدأت الصين تتحدى نفوذ الولايات المتحدة في آسيا جهاراً، وكانت تندفع باتجاه امتلاك دفة القيادة في مجال الشراكة التجارية والسياسية مع دول المنطقة. ومنذ ذلك الوقت، بدأ التنافس بين الدولتين في التزايد الحاد. واستجابت الولايات المتحدة للتهديد الصيني بإعلان أوباما تقوية التركيز الاستراتيجي على آسيا. وهكذا أصبحت أستراليا عالقة بين الدولتين المتنافستين. فمن ناحية أولى، عمدت الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في مستوى دعمها لأستراليا. وقبل 18 شهراً، أعرب أوباما خلال خطاب ألقاه في كانبيرا عن سعيه لتوطيد العلاقة مع أستراليا، وأعلن أن قوات المارينز سيتم نشرها في مقاطعة داروين. وهذه هي المرة الأولى التي تنزل فيها قوات عسكرية أميركية على أرض أستراليا منذ الحرب العالمية الثانية. وبعد أن عبرت الصين عن غضبها من هذه التحركات المشبوهة من وجهة نظرها، التزمت كانبيرا أسلوباً جديداً في معالجة الموضوع. فقد ألغت كافة اتفاقيات التواجد العسكري للولايات المتحدة فوق أراضيها. ورغبة منها في مكافأة أستراليا على هذا الموقف الجديد، أطلقت الصين عليها اسم «الشريك الاستراتيجي». ويرفض القادة الأستراليون هذا النوع من التجاذب والشدّ السياسي. وكانوا يؤكدون دائماً على أن «أستراليا لا تمتلك ترف الاختيار بين أميركا والصين». كما أنها لا تستطيع أصلاً أن تقوم بهذا الاختيار. وهي ترى أن مستقبلها الواعد رهين بقدرتها على الاحتفاظ بالصداقة مع حليفتيها، وبصيانة علاقاتها التجارية معهما بقدر المستطاع. ولكن الخيارات المتاحة أمام أستراليا قد لا تعتمد في الواقع على ما تريده كانبيرا نفسها بل على ما تقرره كل من الولايات المتحدة والصين. وأي اشتباك بينهما، سيخلق ضغوطاً على أستراليا من الجهتين حيث ستطالبها الولايات المتحدة بالاشتراك معها في الصراع ضد الصين، فيما ستطالبها الصين بالبقاء على الحياد. وستحل بأستراليا الكارثة الكبرى إن هي اعتمدت أياً من هذين الخيارين. ويعتمد الأمل المتبقي القائم في أستراليا لتجنب هذه الكارثة وضمان السلم والمستقبل الآمن في أن تنجح الولايات المتحدة والصين في وأد خلافاتهما وإرساء أسس علاقة جديدة ومستقرة بينهما. ويعني الاعتراف الصعب بحقيقة القوة الجديدة التي تستند إليها الصين أن تعبر الولايات المتحدة عن رغبتها في احترام بعض الطموحات الصينية للعب دور إقليمي أكبر. وهذا لا يعني بالضرورة التنازل للصين عن بعض النفوذ في آسيا بل يعني أن على الولايات المتحدة أن تشعر بالرغبة في تقاسم قيادة المنطقة مع الصين بشرط أن تكون بكين راغبة في ذلك. وهذا يعني أيضاً أن على أستراليا أن تلحّ على الولايات المتحدة لعقد هذه الصفقة مع الصين. وقد لا تحظى هذه الفكرة برضى واستحسان أي أسترالي، إلا أنها تبقى أفضل من الانحياز التام للولايات المتحدة والتحول إلى منافس خطير للصين، وخاصة أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تربح معركتها مع الصين في نهاية الأمر. وهذا هو الخيار الذي سيتحدى «أبوت» إذا فاز في الانتخابات. وباعتباره من المحافظين، فهو ميّال إلى دعم الولايات المتحدة بكافة الوسائل الممكنة. إلا أنه ذو توجهات براجماتية مثلما ظهر من خلال موقفه الحذر من الأزمة السورية. وربما يفاجئ الجميع بمن فيهم شخصه ذاته، لو تمكن من التصدي للتجاذبات التي تتعرض لها أستراليا في هذا العصر الآسيوي. وإذا قرر أن يفعل ذلك، فإن عليه قبل أن يفعل أي شيء آخر أن يبدأ التحدث بصدق إلى واشنطن حول الموقف الذي يجب أن تتخذه أستراليا فيما يتعلق بالدور الأميركي في آسيا. هيوج وايت أستاذ الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الوطنية الأسترالية ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©