الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من يدفع الثمن؟

من يدفع الثمن؟
1 ديسمبر 2006 00:33
سعاد جواد: قد لا تكون قصتي ذات عقدة شائكة ولكنها من وجهة نظري تجربه هامه تستحق الانتباه، فالإنسان يتعلم من أخطاء غيره وهو بحاجة للإطلاع على تجارب الآخرين في كل وقت وزمان· أنا شابة في العقد الثالث من العمر· شخصية متزنة، عقلانية· بالطبع هذا هو رأي الآخرين بي وليس رأيي أنا بنفسي، لأنني إنسانة قابلة للمرور فوق الخطوط الحمراء كباقي البشر· أسرتي تعتبرني المثل الأعلى الذي يحتذى به، فهم يضربون بي المثل كأبنة بارة ملتزمة، فهل أنا بارة فعلا ؟ وهل أنا ملتزمة ؟ هذا ما أريد أن أبوح به، وهذه هي تجربتي التي أضعها بين يدي قراء هذا الباب القريب إلى نفسي كثيرا· على فكرة - أنا لم أتزوج لحد الآن على الرغم من الخطاب الكثر الذين طرقوا بابي· قد يكون السبب هو عقدة قديمة بقيت في نفسي· فذاكرتي لا تعي في طفولتي المبكرة سوى المشاكل والمشاجرات التي كانت تشتعل باستمرار بين والديّ· كلما دب الخلاف بينهما تحدث موجات من العنف والشر تجتاح طفولتنا بقوة، ثم تهدأ الثورة قليلا لنكون نحن - أنا وإخوتي - مرسالا للحديث بينهما بعد المقاطعة والجفاء، وبالطبع فإن كل الغيظ الذي يحملانه نحو بعضهما لا يتحرجا من الإفصاح به أمامنا· صحيــــــح أننا لا نعي كل ما نسمعه، ولكن قلوبنا الصغيرة تبقى مثــــــقلة بالهـــــــم والخوف والحزن بشكل يفوق طاقتنا على التحمل· ربما لم يدرك أبويّ يوما مدى تأثير تلك الذكريات المريرة على نفوسنا، فأنا بالذات لم أستطع أن أتخلص من إحساسي بالخوف وعدم الاطمئنان حتى بعد أن كبرت ووعيت أمور الحياة وأبعادها· عقدة الزواج هل أنا معقدة ؟ لا أدري ··· ولكن كلما تقدم لي أحدهم اضطربت وبكيت بيني وبين نفسي ثم تبدأ الأفكار المؤلمة بالهجوم على رأسي، ماذا لو كان عصبيا؟ ماذا لو كان متشددا معي؟ ماذا لو ضربني؟ تساؤلات كثيرة تحتل رأسي وتجعلني في حالة توتر وانفعال حتى يتم انصراف ذلك الخاطب فتعود نفسي لهدوئها وتوازنها· استغرب وأنا أجد صديقاتي وهن سعيدات كلما تقدم أحد لخطبتهن، فتزوجن الواحدة تلو الأخرى، وأنا أتحسر على ما يفعلنه بأنفسهن وعلى ما سيجدنه من معاناة مع أزواجهن· ولكن ذلك لم يحدث، وكانت كل واحدة منهن تؤكد لي مدى سعادتها مع زوجها، فأقول في نفسي: إنها تخفي الحقيقه خوفا من الإحراج· أخاف من الخاطب الغني أن تكون أمواله سببا في تعاستي، ومن الفقير أن يصب همومه علي، ومن صاحب النفوذ والمركز أن يستغل كوني من أسرة عادية فيعاملني بقسوة، وغيرها من الخواطر السلبية التي لا أول لها ولا آخر· أفراد العائلة لي سبع أخوات وأخين من الذكور، وقد تزوجت كل أخواتي ما عداي وأخت واحدة أصغر مني· إخوتي أيضا تزوجوا ولديهم أبناء· علاقتي بإخوتي وأخواتي أكثر من جيدة· فعلى الرغم من المشاكل التي لم تنقطع بين والديّ والتي كانت سببا في نفور أكثرهم من البيت، إلا أن الأمر تغير بعد أن هد المرض والدي فأصبح يعتمد على أمي المسكينة في كل الأمور لتقوم بدور المرأة والرجل معا، وتكافح من أجل تربيتنا ورعايتنا· طفولتي كانت مشحونة بذكريات المعارك الطاحنة والشجار المستمر بين والديّ، وعندما بلغت سن المراهقة كنت أتمنى الانفصال عن هذه الأسرة والهرب من هذا البيت لأنعم بشيء من الهدوء· في الجامعة وجدت ضالتي حيث صرت أقضي في سكن الطالبات معظم أيام الأسبوع، فكان هذا الانسلاخ عن أسرتي وجوها المشحون هو خير ما تمنيت لنفسي· نسيت أن أذكر بأنني كنت طفلة هادئة جدا· أما في مراهقتي فكنت خجولة لأقصى حد، ولكني تغيرت تماما في المرحلة الجامعية وتخلصت من إحساسي بالخجل والخوف والانطواء لأنعم بالمرح والحيوية· تصادقت مع عدد كبير من الزميلات وصارت لي شلة خاصة أنتمي إليها، وبالطبع فإن هذه الشلة كانت متهمة دوما بعدم الاهتمام بالمذاكرة· وقد انصب اهتمامنا في تفريغ الطاقة الكامنة بدواخلنا عن طريق اللهو واللعب· فكانت الحفلات والمقالب والخطط الكثيرة لملئ أوقات الفراغ وغير الفراغ، وكانت تلك المرحلة هي أسعد مراحل حياتي تقريبا· مرت سنين الدراسة سريعا، وحان موعد التخرج· بصراحة··· كنت أتمنى أن لا أتخرج أبدا، ومن الطريف أنني حصلت على درجات متدنية، ورغم ذلك فقد كنت أول من حصل على عمل بمجرد تخرجي، مع أني لم أكن جادة في رغبتي بتحمل مسؤولية العمل· تغير وتبدل كما كانت الصحبة لها دور في حياتي الجامعية وفي ضياع اهتمامي بدراستي، كان لها الدور الكبير في هدايتي وعودتي لوعيي· تعرفت بحكم العمل على زميلة، فتاة مؤدبة متزنة، أعجبت بشخصيتها وصرت أراقب أقوالها، أفعالها، تصرفاتها، فأجدها قدوة في كل شيء، فصرت أقلدها دون وعي فانصلح حالي كثيرا· ساعدتني تلك الصديقة على توسيع آفاقي في الثقافة والتفكير وصارت تشجعني على الإطلاع والقراءة وحضور المحاضرات والمناقشات في مواضيع الدين والحياة بمختلف جوانبها، فقد كنت راغبة بأن أكون مثلها إنسانة واعية ومثقفة تعيش بوعي وإدراك لتفهم الحياة بشكل صحيح· بالطبع فإن كل ذلك انعكس على شخصيتي في البيت· فقد تعلمت الاعتماد على النفس في كل شيء لأكون عضوة فعالة فيه، فصرت في نظر الجميع مصدرا للحكمة والمعرفة والإلمام بجميع التفاصيل· فكان دوري كبير في تحضيرات الزواج لإخوتي وأخواتي ومساعدتهم على تثبيت أركان ذلك الزواج بشكل صحيح وجيد· وحتى هذه اللحظة لم ينتهي دوري حيث أجد أبناء أخوتي وأخواتي وهم يتحلقون حولي ويطلبون مني كل ما يريدون· أجد نفسي في كثير من الأحيان ك''بابا نويل'' ، لا أستطيع الخروج لمشوار إلا وقد تعلق بي أحد الأطفال· لا أنكر بأن هذا الشيء يشبع شعوري بالأمومة التي أتوق إليها وأتمناها· رحيل الوالد من وقت قريب توفي والدي رحمه الله فحدثت صدمة كبيرة بداخلي بعدها اكتشفت مدى حبي له· وعلى الرغم من عصبيته التي أثرت على حياتي كلها، إلا أنه في السنين الأخيرة مرض وضعف وانهارت قوته وذهب جبروته· في كثير من الأحيان، ألوم نفسي· هل قصرت معه؟ هل كنت عاقة؟ كنت أقربهم إليه في أيامه الأخيرة، فهل أعطيته حقه؟ لأول مرة أكتشف بأن وجوده بيننا كان له وزنا كبيرا· فبعد موته اختلت موازين البيت وكأنه هو العمود الذي كان ممسكا به· حتى أمي تغيرت· الحزن على فراقه عصف بها فابتعدت بروحها بعيدا عنا· صرت أبحث عن حنانها فلا أجد له أثرا، وكأنها صارت جسدا بلا روح· أتذكر والدي وهو يصلي ويقرأ القرآن ليلا ونهارا وأتمنى أن يجمعني الله وإياه في فردوسه الأعلى· صرت أعذره في شدته وقسوته وأبحث له عن المبررات، فهو حريص على جعلنا نلتزم بالأخلاق والدين· أنني أفتقده ··· أفتقده كثيرا، وأتمنى لو كان أقل تشددا أثناء طفولتي وأنه منحني حضنه وجعلني أشعر بالأمان طوال عمري· غلطة العاقل اعترف بأنني أخطأت ··· نعم ··· هذه هي الحقيقة· أنا الواعظة، الناصحة، العاقلة، دفعني الإحساس المؤلم بفقدان الوالد، وأنه لم يعد في حياتي رجل اعتمد عليه، على الرغم من وجود إخوتي فلكل منهم واجباته الأسرية· هذا الإحساس دفعني إلى عالم ''التشات''· فمن عجائب الأقدار أني أنا من وقع في هذا الشرك، أنا الإنسانة الناضجة أقع فيه ؟!! فما بالك بالمراهقين وصغار السن؟! بدأت قصتي في ردة الفعل النفسية على بعض المشاكل التي حصلت في الأسرة بعد رحيل الوالد، فكان تأثيرها شديدا عليّ· لجأت الى الإنترنت واصبحت مدمنة على الجلوس طوال اليوم أمام شاشة الكمبيوتر، أدخل المواقع المفيدة وغير المفيدة· حتى دخلت موقعا للزواج، وصرت أتحدث مع بعضهم، وفي الحقيقة لم يكن لدي نية للزواج بهذه الطريقة لأني لا أؤمن بها، لكني كنت أحتاج لمن يسمعني دون أن يعرفني· استمرت أحاديثي هذه لأكثر من أسبوع وكانت محاوراتي كلها محترمة لأبعد الحدود، ثم قررت عدم الاستمرار لأن إحساسي بالمهانة منعني من عرض نفسي للزواج بهذا الشكل· لم يتوقف إدماني على ''التشات'' فصرت أدخل كل يوم لأتحدث مع أناس لا أعرفهم من دول مختلفة، وكلما كانت البلاد أبعد أطمأن قلبي أكثر· اكتشفت عالما غريبا لم أعهده، عالم فيه الكثير من التفاهات والضياع الذي يعانيه شبابنا هذه الأيام· كل هذا وعذاب الضمير كان مرافقا لي طوال الوقت· ففي كل يوم أغلق الجهاز وفي نيتي إلا أعود ''للتشات'' مرة أخرى لأجد نفسي في اليوم التالي أجلس أمامه وأتحدث مع الناس دون توقف· كنت حريصة على أن يكون كلامي محترما، وكنت أتهرب من الحديث مع الأشخاص الذين يستخدمون الألفاظ السوقية، ولكن إحساسي بالذنب صار يكبر يوما بعد يوم، حتى صرت أشعر وكأنني أرتكب جريمة كبرى، لأفيق بعد ما يقارب الشهر على نفسي وأنا ألومها على خيانة الأمانة، وخيانة أهلي الذين يعتبرونني المثل الأعلى في الأخلاق والاستقامة، وخيانة صديقتي المقربة التي علمتني الالتزام بالدين والخوف من الله في كل وقت· كيف أستطيع أن أسامح نفسي على هذه الغلطة؟ قد تكون غلطتي هذه صغيرة من وجهة نظر البعض، لكني أجدها كبيرة وكبيرة جدا في نظري· هاأنذا أعيش مرة أخرى حياتي التي تعودتها دون العودة لتلك التجربة· ولكن بداخلي تساؤل كبير· ترى هل كان لطفولتي التي عشتها وسط أجواء مشحونة بالشجار العائلي أثر على كل ما مررت به في حياتي؟ إذا كان الجواب··· نعم، فإنني أدعو كل أب وأم إلى التفكير ألف مرة قبل أن يجعلوا بيوتهم جحيما تشتعل فيه نيران الخلافات، فالأبناء هم من يدفع الثمن·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©