الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طلاق سياسي

طلاق سياسي
5 سبتمبر 2013 20:14
نورا محمد (القاهرة) - كان أول خلاف بيني وبين زوجي في فترة الخطوبة، وتحديداً بعد إعلانها بنحو أربعة أشهر، عندما جاء لزيارتنا بعد موعد محدد مسبقا لتناول الغداء عندنا، وكنا في انتظاره أنا وأبي وإخوتي، واعدت أمي ما لذ وطاب من الطعام وربما بالغت في الكرم، وجاء سعيدا ولكن وقع ما لم يكن في الحسبان فقد انقلب مزاجه بمجرد دخول البيت، وكان يحمل معه بعض الفواكه والحلوى، غير أنه بعد دقائق معدودة اعتذر وهمّ بالانصراف لارتباطه بموعد آخر مهم تم بشكل مفاجئ، مدعيا أن شخصا من أقاربه مريض وسيذهب ليحضر له الدواء، ومع أن الحجة واهية والحقيقة واضحة أنه يكذب أو في أحسن الأحوال يختلق هذا الموقف ليغادرنا، ولم يكن أحدنا يستطيع أن يعرف سببا لهذا ولم نجد له مبررا على الإطلاق، وقد أصابنا الذهول من تصرفه الغريب وجعلنا نقف أمام أنفسنا محاولين أن نجد تفسيرا فلم نتمكن. لم نعرف ذلك عنه خلال تلك الفترة، وهو غريب عنا ولم نعرفه من قبل، ضربنا أخماسا في أسداس وفشلنا في الوصول إلى أي مبرر، أفراد أسرتي حاولوا أن يهونوا الأمر حتى لا يتفاقم ويتحول إلى مشكلة، خاصة عندما يتحدثون أمامي ومعي ولكنني متأكدة من أنهم يرفضون ما حدث جملة وتفصيلا بل ويبدون تخوفهم من خلل في شخصيته، انتحيت جانبا ثم دخلت غرفتي وأغلقت الباب وجلست أمام المرآة استرجع كل ما حدث منذ اليوم الأول الذي دخل فيه بيتنا، وحتـى اللحظات الأخيرة التي وقع فيها هذا الحدث المستغرب بكل المقاييس، لم أجد خلالها شــيئا غير عادي لكن ما حدث اليوم هو غير العادي، سالت دموعي غزيرة، بكيت كما لم أبك في حياتي كلها. لم استطع التحكم في أعصابي فمشاعري نحوه عادية لم ارتبط به بعد بأحاسيس حب وإنما فقط ارتضيته زوجا، لذا لن أتأثر كثيرا إذا لم تتم هذه الزيجة، ولن تكون لها توابع إلا أنها ستحسب تجربة فاشلة في حياتي وستذكر لمن يتقدم لي بعدها وستكون نقيصة لا ذنب لي فيها ولا يد، ومع أنني قررت أن أقاطعه حتى يقدم تفسيرا مقنعا لما حدث لكنني لم أطق على ذلك صبرا وكنت بين حالتين من الصراع النفسي بين أن أصمـت وأصبر وانتظر وأن أسارع وأهاتفه كي اعرف الحقيقة واستريح وأتقبلها مهما كانت وإذا عرف السبب بطل العجب، ومرت الليلة وقد كانت طويلة ثقيلة بلا نوم، ومر اليوم التالي وبعده لم استطع الانتظار اكثر من ذلك ولابد من حسم الأمر وتوضيحه ولا داعي لاستمرار حالة الارتباك والانتظار. اتصلت به كي أضع كلمة النهاية على المشهد المؤلم، رد بشكل يبدو منه عدم الاهتمام، وأن هناك شيئا في نفسه، وسألته مباشرة عن سبب تصرفه هذا، فوجدته يحاول التهرب والمراوغة وعدم الإجابة والادعاء بأن ما تذرع به من مرض قريبه وراء ما حدث لكنني أكدت له أن كل الدلائل تؤكد أنه لا يقول الحقيقة أو على الأقل أنني لست مطمئنة لجوابه، فتكلم أخيراً وقال إن السبب الحقيقي وبكل صراحة أنه شعر بالغيرة عليّ عندما وجد ابن عمتي عندنا في هذا اليوم وهــو شــاب في مثل عمري، وبقدر ما سعدت من غيرته وشـعرت بأنه يحبــني بقدر ما غضبت من تفكيره، فابــن عمتي كان موجودا في حضور كل أفراد أسرتي، ولو كان يريدني لتقـدم لخـطبتي، ولو كنت أريده ما وافقت على هــذه الخــطبة، وفوق هذا وذاك فهو مثل أخي لأننا تربينا ونشأنا معا. أعربت له عن غضبي الشديد من تصرفه وأنني لن استطيع أن أسامحه بسهولة وما كان ينبغي له أن يسلك هذا المسلك وأن يترك لتفكيره العنان ويضع سيناريوهات من بنات أفكاره، والتي تعكر الصفو، وقد تكون سببا في تكوين حاجز نفسي بيننا قبل أن تبدأ حياتنا الزوجية، ولا يجوز له أن يضعني في هذا الموقف المحرج، ولم أكن قاسية عليه في عتابي لأنني لا أريد أن أغلق باب المصالحة وتركت له منفذا للهروب أو ليجد مخرجا من الحصار الذي وضع نفسه فيه، وكما قلت إنني شعرت ببعض السعادة لغيرته واعتبرتها حبا يجذب الفتاة ويجعلها تشـعر بنفســها ويرضي غرورها، وأخيرا أبدى اعتــذاره وتظاهرـت بأنني لن اقبله إلا إذا حضر وأبدى الاعتذار للأسرة كلها، ووافق على مطلبي وجاء بعد يومين وابدي أسفه عن الموقف لكن لم يذكر تفاصيل ما دار بيننا ولم يعرفه أحد غيرنا أنا وهو وهذا يكفيني. بعد عام من الخطبة تم الزواج، وسارت بنا الحياة الجديدة على كلينا نحاول أن نتفاهم ونعيش في هدوء تعمنا المودة والرحمة، وكما تربيت في بيت أبي وكما تعلمت من ديني أن الرجال قوامون على النساء ومن قبيل محاولة إسعاده، كنت استجيب لكل مطالبه ورغباته وانصاع لأوامره، لم ارد أن أسمح للمشكلات أن تتسلل إلى بيتنا وأسرتنا الصغيرة، وقدمت سلسلة من التنازلات عن كل ما احب وارغب ولم يكن يوما يلين ويراعي مشاعري ووجودي، لا أبالغ إذا قلت إنه يتعامل معي مثل أي قطعة أثاث في البيت، يعطي نفسه الحقوق كلفة ويعفي نفسه ويتنصل من كل الواجبات، وما تحملت ذلك إلا من أجل ما جعلني أتنازل من قبل عن حماقاته، ولا أريد أن أدخل في دوامة المشكلات وعاهدت نفسي على أن أتخطى ما يمكنني أن اصعد فوقه من خلافات. ولعلي اذكر واحدا من الخلافات الأولى التي حدثت منذ أن بدأنا حياتنا وهو الخلاف على «الريموت كنترول» الخاص بجهاز التلفاز، فقد سيطر عليه ولا يتركه من يده لحظة واحدة يقلب القنوات كما يريد ويشاهد ما يهوى، ويرفض أن أشاهد شيئا مما احب، أنا أعرف أنه مولع بالرياضة، خاصة كرة القدم والمصارعة، لذا عندما تكون هناك مباراة ولو تافهة أو خارج الحدود ولا تهمه أو حتى بين فريقين درجة ثانية اترك له المشاهدة ولا اعكر صفوه بل اعد له الشاي والحلويات لأهيئ له الأجواء المناسبة، وعلى العكس يتصرف معي فأنا احب مشاهدة المسلسلات العربية، خاصة الرومانسية والتاريخية، وقد أبديت له رغباتي تلك وعبرت عنها بطريقة بسيطة كي يقدر الموقف من تلقاء نفسه، لكنه أدار ظهره لذك ولم يعره اهتماما وتجاهل وجودي كلية، لا يريدني بجانبه إلا ليلقي إليّ الأوامر، مع أنني مثله موظفة ونخرج في السابعة صباحا نعود بعد الرابعة عصرا. زوجي ليس له أصدقاء وليس من رواد المقاهي ويقضي معظم وقته في البيت وإذا كان لهذا ميزته، وأن كثيرا من الزوجات يشتكين من تغيب أزواجهن عن البيوت، فإنني لا أجد في وجود زوجي بشكل مستمر ميزة لأنه يشغل نفسه بأمور فرعية لا علاقة له بها، ومن هذه الأمور غسل الملابس ونظافة البيت والثياب وترتيب الأثاث والمفروشات وحتى إعداد الطعام، فهو يتدخل في أعمال المطبخ ليس لمساعدتي ولكن –كما يقول- ليصحح أخطائي، فهذه كلها أشياء من اختصاصي ولم اقصر فيها لحظة، لذا لا أجد معنى لتدخلاته السافرة فيما لا يعنيه، وتحاملت وتحملت هذا كله وأخذته على محمل حسن النية، وأيضا من ناحية عدم إثارة المشكلات تلك الفزاعة التي كانت الهاجس الذي يزعجني. أعرف أنه لا يخلو بيت من المشكلات والخلافات لكنها تختلف من مكان لآخر، وتتفاوت وتتنوع لذا تقبلت هذا كله، على مدى عام كامل من زواجنا وهو اقرب إلى شخصية «سي السيد» القاسية، وصبرت أملا في إصلاحه وأنا أحاول أن أثنيه عن الطريق الذي يسير فيه وأجعله يفهم أن الحــياة الزوجية تتكون من طرفين متفاهمين، لكــل واحد طبيعته ومهامه، يكمل كل منهـما الآخر وليسـا في صراع أو تنافس وقبل أن يطالب أحدنا بحقوقه يجب أن يقوم بواجباته، فكــان يسمع ويتجاهل ويفعل ما يريد، مما أصابني بالإحباط، ومع ذلك لست قادرة على الشكوى حتى لا تخرج مشكلاتنا خارج جدران بيتنا، والحقيقة أن أمي هي التي علمتني هذا كله، وكلما حاولت أن ألمح لها بشيء مما يحدث معي قدمت لي نصائحها ودفعتني إلى الكتمان والتحمل لأن ما بين الرجل وزوجه يجب ألا يعرفه احد غيرهما وإذا تدخل طرف ثالث بينهما أيا كان فسدت العلاقة. وفي ظل الخلاف السياسي الذي دخل كل البيوت وطال كل الأطراف، تحول زوجي إلى منظّر وهو يتابع الفضائيات، يقوم ويتخبط في مكانه وهو يتابع من يخالف رأيه، حتى انه ذات مرة ضرب التلفاز بيده بقوة وأصيب بكدمات وألم شديد، أصبحت لديه أفكار جديدة لم اعهدها فيه من قبل، متعصب لفئة دون الأخرى بلا فهم أو وعي أو أسس، وبسبب ذلك كان محرما علينا أن نشاهد شيئا غير نشرات الأخبار وبرامج التوك شو، ثم إعادتها، ولا حديث له يعلو فوق هذه الأحاديث، مثل ملايين العرب في كل مكان، من جانبي أصبحت عصبية متوترة طوال الوقت، استيقظ من نومي مفزوعة، وأنام في كوابيس، وهذه لا ذنب لنا فيها، ونحن أفراد يخصنا بالعموم ما يحدث وليس على وجه الخصوص، لكن زوجي يتعامل معها على أنها قضايا شخصية، وهذا ما كان يؤرقني، فهو لا يضع الأشياء في مواضعها الصحيحة. وتحملت هذا وذاك كله من قبل ومن بعد، إلى أن أراد أن يفرض رأيه عليّ ويجعلني برغم انفي أسير وراءه مثل القطيع، يريدني أن أكون مع قناعاته وأنا أراها خاطئة، كل أفكاره مشوهة، ويرى نفسه على صواب، يريدني مسخا لا افكر ولا أناقش واسمع وأطيع، إلى هنا لابد أن تكون لي وقفة مع النفس رفضت بشدة، فلا استطيع أن أكون تابعة أكثر من ذلك، واجهته ورفضت أفكاره، حدث الشقاق والخلاف، ولا يريد أن يعترف بالخطأ، ولا يسمع الرأي الآخر، غضبت وعدت إلى بيت أبي، وفشلت محاولات الصلح، طلبت الطلاق فكان جوابه على شاكلة فكره، رفض أيضاً، فتقدمت بدعوى في المحكمة لخلعه، وخلال أسابيع معدودة نلت حريتي، وتخلصت من هذه القيود. على الرغم من أنني لم أكن أريد أن تكون هذه النهاية، لكن لست نادمة على ما فعلت، فهو يستحق ذلك، ولا يستحق أن أعيش معه أو أضحي من أجله.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©