الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

طهران تتحدّى.. وتل أبيب تتوعّد.. وواشنطن تتخلّى..

26 نوفمبر 2006 01:51
د· رسول محمد رسول: إزاء التحدي الفلسطيني الذي أرَّق وما زال يؤرِّق تل أبيب منذ اندلاع انتفاضة الأقصى حتى الآن في أقل تقدير، يبدو التحدي الإيراني والعراقي باعثاً على قلق مضاعف يقض مضجع إسرائيل بلا هوادة· إلا أن صعود المقاومة الإسلامية (حماس) إلى دفة السلطة في فلسطين كان متغيراً لافتاً جعل من إسرائيل في زاوية ضيقة، الأمر الذي أدى بها إلى اتخاذ جملة من الضغوط السياسية والممارسة العسكرية من أجل نسف المشهد الديمقراطي الذي دفع برموز (حماس) إلى رئاسة الوزراء في السلطة الفلسطينية، ومحاولة شق الصف الفلسطيني، وبالتالي التخلُّص من (إسماعيل هنية) كرئيس للوزراء، والعودة إلى فريق حكومي فلسطيني أقل راديكالية من هنية يحكم السلطة الفلسطينية لتسهيل تعامل حكومة إيهود أولمرت مع الفلسطينيين تحت سقف ما تبقّى من اتفاقات السلام التي أمست فاقدة لبريقها الذي كانت عليه قبل انتفاضة الأقصى· المُفاقمة الإيرانية في هذه الأجواء كانت إيران قد فاقمت من عدائها للكيان الإسرائيلي في فلسطين، لقد بدا التحرُّك الإيراني أكثر تصادماً منذ أن صعد محمود أحمدي نجاد إلى دفة السلطة الرئاسية في إيران، والإعلان عن شعاره الثوري القاضي بمسح إسرائيل من خارطة العالم المعاصر، وهو الأمر الذي أحدث تحولاً خطيراً في الرؤية الإسرائيلية إلى إيران التي كان الإسرائيليون يعتقدون أنها خرجت من الحرب مع جارتها العراق ضعيفة باهتة القدرات في حين حمل تهديد أحمدي نجاد قرينة ما كانت تل أبيب ترغب بسماع أخبارها من أي عربي، فكيف والحال أنها جاءت هذه المرة من إيران الدولة الثيوقراطية، والقرينة هي امتلاك إيران للأسلحة النووية العابرة التي تصل، بحسب الإيرانيين، إلى عمق الأراضي الإسرائيلية المحتلة· كان المرأى الإيراني مخيفاً لإسرائيل، ولذلك كانت هذه الأخيرة بحاجة إلى استعراض قوة من النوع الدراماتيكي، فوجدت في الجنوب اللبناني فضاء قريباً من أجل تنفيذ سيناريو استعرض القوة العسكرية، ووجدت في (حزب الله) همزة الوصل للنيل من تصريحات نجاد الإستراتيجية بالنسبة لها، فشنَّت حرباً شعواء على لبنان، وتحديداً على الجنوب اللبناني ذي الأغلبية الشيعية المناصرة للحزب في لبنان بدعوى أن حسن نصرُ الله وأتباعه هم الجناح الشيعي الراديكالي المعادي لإسرائيل ووجودهم في الشريط الحدودي الشمالي لإسرائيل يمثل تهديداً استراتيجياً لأمن إسرائيل، لكن حكومة إيهود أولمرت خرجت من تلك الحرب الطاحنة بفشل ذريع؛ فلم تتخلَّص كلياً من مجاهدي (حزب الله)، ولا من (حسن نصرُ الله) ذاته، ولا من أتباعه، كما أنها لم تنل من إيران أي بشيء، بل صارت إيران تمتلك إلى جانب الأسلحة النووية التي أعلنتها مبرراً أمام العالم لتكشف عن عدوانية إسرائيل تجاه العرب والمسلمين رغم تشدق تل أبيب بالسلام وما أشبه من تلك المشروعات المرحلية التخديرية· لقد فشلت إسرائيل في لبنان، وخرجت من تلك الحرب الدراماتيكية باحثة عن مستوى آخر من الدعم لمواجهة احتمالات ما يمكن أن ينتج من مشروع إيران النووي في ظل تأكيدات أحمدي نجاد المتجدِّدة التكرار على ضرب إسرائيل عن بُعد بأسلحة نووية عابرة للجغرافيا، ولم يعد أمامها سوى أن تلجأ إلى واشنطن لعرض ما تنوي به وتتعرَّف إلى ما تنوي إدارة الرئيس بوش عمله إزاء إيران قدر تعلق الأمر بتهديد إسرائيل في وقت كانت فيه واشنطن ترغب في إجراء حوار مباشر مع حكومة نجاد عبر وسيط كان عراقياً في بداية الأمر ومن ثم تحوَّل إلى وسيط أميركي هو على الأغلب سفير واشنطن في بغداد زلماي خليل زاد· غادر أولمرت إلى الولايات المتحدة، لكنه استبق القول في شأن إيران الكثير، ففي حديث مع المراسلين المرافقين له على متن طائرته المتوجِّه إلى الولايات المتحدة قال أولمرت: إن إيران لن تتخلّى عن التسلُّح بالسلاح النووي، إلا إذا هدَّدتها الأسرة الدولية بوسائل خطيرة· والأهم من ذلك إنه سُئل من قبل أحد الصحافيين فيما إذا كان لدي إسرائيل خيار اللجوء إلى عمل عسكري لتدمير المنشآت النووية الإيرانية أم لا ؟ فأجاب: لإسرائيل خيارات مختلفة، لكني لستُ مستعداً للبحث فيها· وهذا يعني أن هذه الأفكار وغيرها كانت تعتمل في نفش أولمرت، وكان يفكِّر فيها على أمل طرحها أمام الرئيس بوش في أثناء لقائهما· وكان أولمرت قد قال لتلفزيون (ان بي سي) قبيل اجتماعه ببوش: إن إسرائيل لن تسمح بامتلاك إيران أسلحة نوويـة، مؤكداً أنه لا يستبعد الخيار العسكري· وتابع القول: إنه لا يسعى للحصول على الحماية من واشنطن في مواجهة إيران، وقال: أنا لا أزور الولايات المتحدة للطلب من أميركا إنقاذ إسرائيل، مضيفا: أن بلاده تعلَّمت الدروس من (المحرقة النازية) ومن (الحرب العالمية الثانية)· وأضاف قائلاً: في القرن العشرين قال احدهم: سأقوم بتصفية شعب، وقد سمعه العالم من حوله يقول ذلك، وربما فهم ذلك إلا أنه لم يفعل شيئاً لمنعه· والآن لدينا رئيس إيراني يقول في كل منبر دولي: إن هدفه شطب دولة إسرائيل من الخارطة· الحوار·· والعتبة التكنولوجية!! إن هذه الأفكار كانت مدار ما يفكِّر فيه أولمرت، ولعل السؤال الأهم هو: هل ستضرب إسرائيل إيران بعمل عسكري إجهاضي ؟ وهل ذهب أولمرت إلى واشنطن من أجل إخبار الأميركيين بأن تل أبيب تبيِّت ضربة عسكرية لإيران ؟ لقد تمَّ اللقاء بين أولمرت وبوش، ولم يتحدَّث الطرفان عن تكريس ضربة عسكرية محتملة ضد إيران لكنهما نجحا في تغيير دفة الرؤية الأميركية إلى الموضوع الإيراني· لقد نجح أولمرت في تفتيت الرغبة الأميركية المتردِّدة للحوار مع طهران· كانت واشنطن، ومنذ عام تقريباً، تسعى للحوار عبر وسيط مع إيران من أجل العراق، وفي الوقت نفسه كانت تعمل على دعوة إيران إلى التخلي عن مشروعها النووي، لكن إدارة الرئيس بوش هي اليوم أقل شجاعة عمَّا كانت عليه في السابق، إن لم نقل أكثر تحسساً لمأزقها في العراق، بل وفي منطقة الشرق الأوسط برمتها· ولذلك وجد الرئيس بوش في مطالب أولمرت متنفساً ليتخلَّص من عبء فرضية الحوار مع إيران، وأكد في هذا المجال بعد الانتهاء من لقائه مع أولمرت أن بلاده لن تجري محادثات مباشرة مع إيران إذا لم تتخلّ طهران عن عملياتها النووية الحساسة التي يمكن أن تقود إلى امتلاكها أسلحة نووية· وقال بوش للصحافيين إذا أراد الإيرانيون التحاور معنا، فقد كشفنا لهم الطريق لذلك وهو أن يوقفوا أنشطتهم لتخصيب اليورانيوم على نحو يمكن التحقَّق منه· وحذر من أن امتلاك إيران أسلحة نووية سيجعل منها قوة تزعزع الاستقرار بشكل هائل، وأنه إذا واصلت طهران التقدُّم في برنامجها، فستكون لذلك عواقب كثيرة· أما أولمرت فقد قال في المكان نفسه: إن موقفنا هو أن علينا أن نفعل كل ما بوسعنا للتأكد من أن الإيرانيين لن يتخطّوا (العتبة التكنولوجية) التي تسمح لهم بتطوير أسلحة نووية· وقال: إنه أجرى محادثات معمَّقة مع بوش، وأن الزعيمين على تفاهم تام حول أهدافهما المتعلقة بإيران· مهما تصاعدت وتيرة التهديدات بين الأميركيين والإسرائيليين ضد الإيرانيين أو العكس، ورغم تخلي الأميركيين عن حوارهم مع الإيرانيين، فإن ساحة السجال ما زالت مفتوحة أمام هذه الأطراف، وعلى الأغلب أنها ستتخذ مزيداً من التناور السياسي والإعلامي، لأن إسرائيل ما زالت تجد نفسها ضعيفة أمام إيصال مقاتلاتها إلى مواقع تخصيب اليورانيوم الإيرانية، كما أن إيران، وبسبب ما يجري في العراق، لا تستطيع أن تتخذ قراراً بضرب إسرائيل لإزالتها من على الأرض· أما زيارة أولمرت إلى الولايات المتحدة فهي لا تعدو أن تكون زيارة استطلاعية تسعى تل أبيب من ورائها إلى التنفيس عن حجم الضغوط التي تتعرَّض لها بعد فشلها في الحرب على لبنان، وفشلها في تقسيم العراق إلى أقاليم تعتقد تل أبيب أنها ستكون قادرة على اختراقها للوصول إلى قلب النووي الإيراني لضربه في عقر داره·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©