الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صيف الجزائريين يزداد سخونة بانقطاعات الكهرباء المتكررة

صيف الجزائريين يزداد سخونة بانقطاعات الكهرباء المتكررة
27 أغسطس 2012
حسين محمد (الجزائر) - لم يسبق أن عاشت الجزائر منذ استقلالها في صيف 1962 إلى صيف 2012، وضعاً شبيهاً بالذي تعيشه منذ شهر يونيو الماضي إلى الآن، فقد بدأ التيار الكهربائي ينقطع باستمرار عن البيوت، ليس في الأرياف والمناطق المعزولة فحسب، كما كان يحدث في السنوات الماضية، بل في المدن الكبرى أيضاً، ووصلت الانقطاعات الكهربائية حتى إلى الجزائر العاصمة ومدينة قسنطينة التي تُعرف بـ”عاصمة الشرق الجزائري”، كما غابت عن مدن الجنوب الشرقي للبلد، خاصة ورقلة وبسكرة ووادي سوف لأيام، ولم تكن الوضعية مختلفة في مناطق أخرى عديدة. خسائر فادحة تزامن الانقطاع المستمر مع ارتفاع استثنائي في درجات الحرارة، حيث تراوحت بين 40 و46 درجة في أغلب فترات الصيف، مع بلوغ الرطوبة 85 بالمائة في المناطق الساحلية لاسيما وأن الحرائق لا تزال مشتعلة بغابات 15 ولاية، هذا مقابل درجات حرارة تراوحت بين 32 و40 فقط في صيف 2011، ولم يكن بإمكان الكثير من المواطنين استعمال مكيفاتهم في بيوتهم لتلطيف الأجواء، فضلاً عن عدم قدرتهم على استعمال ثلاجاتهم بانتظام، بعد أن تسببت العودة الفجائية القوية والمتكررة للتيار الكهربائي في تلف الكثير من الأجهزة الكهربائية المنزلية. وأكدت شهادات الكثير من المواطنين في مناطق مختلفة من البلد أنهم أفطروا على ضوء الشموع في أغلب أيام رمضان الماضي، وتناولوا مياها ساخنة لم ترو عطشهم. أما التجار فأكدوا أن الانقطاعات المستمرة سبَّبت لهم خسائرَ فادحة، وصرح الأمين العام لاتحاد التجار، الحاج الطاهر بولنوار، أن “أكثر من 400 ألف تاجر تضرر من انقطاع الكهرباء باستمرار، خاصة باعة اللحوم والأجبان والحليب”، بينما أكد يوسف قلفاط، رئيس اتحادية الخبازين، أن “نحو 4900 مخبز من مجموع 14 ألفاً، أغلقت أبوابَها في هذا الصيف بعد أن تكبد أصحابُها خسائر فادحة جراء الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي”. وأدى هذا الوضع إلى بروز احتجاجات اجتماعية كثيرة في المناطق المتضررة من كثرة الانقطاعات، واستنكر المواطنون ظهور هذه المشكلة في أحد أكبر البلدان المنتجة والمصدرة للغاز في العالم، وهو أمرٌ غير مفهوم مادامت الكهرباء تُنتج من الغاز، وكان بالإمكان تلبية حاجات كل السكان والتجار والمؤسسات وتصدير الفائض من الطاقة الكهربائية أيضاً، وليس بلوغ هذه الدرجة من العجز عن تلبية الطلب الداخلي، واعتبروا ذلك دليلا على “اللامبالاة بانشغالات المواطنين وسوء التسيير”. تزايد الاستهلاك إزاء تفاقم الاحتجاجات الشعبية في مختلف أنحاء البلد، حاولت السلطات تهدئة الوضع، فقال نور الدين بوطرفة، مدير شركة الكهرباء، إن “مشكلة الانقطاعات المستمرة تعود أساساً إلى ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية بشكل غير مسبوق بفعل كثرة اقتناء الجزائريين لمكيفات الهواء وأجهزة كهربائية أخرى في السنوات الأخيرة”. وأوضح أن طاقة إنتاج شركته تبلغ 10 آلاف ميجاواط، وهي كمية كافية لتلبية الطلب في مختلف فترات السنة، والذي لا يزيد عادة على 8 آلاف ميجاواط، إلا أنه ارتفع بداية هذا الصيف إلى أكثر من 9700 ميجاواط، ثم بدأ يزيد مع الاستمرار في اقتناء المواطنين أجهزة التكييف حتى فاق الطلبُ العرض، فبدأت تحدث انقطاعات في التيار، ولم تجد شركة الكهرباء بدّا من قطعها مؤقتا، وتزويد مختلف الأحياء السكنية بها بالتناوب. وأكد بعداش عبد اللي، مسؤول بشركة الكهرباء، أن “الشركة تفضل القطع التناوبي عند تسجيل الذروة في الاستهلاك، حتى لا يقع تلفٌ في خطوط نقل التيار، خاصة الخطوط ذات الضغط العالي، لأن أي تلف يصيبها سيتسبب في تفاقم مشكلة الانقطاعات إزاء عدم وجود احتياطات من الطاقة”. من جهته، أكد وزير الطاقة يوسف يوسفي تعذر إيجاد حلول آنية. وقال إن أول محطة لإنتاج 1200 ميجاواط ستكون جاهزة قبل نهاية سنة 2012، ما يعني تلبية كل الطلبات الحالية، وتفادي تكرار مشكلة الانقطاعات في صيف 2013، وطالب المستهلكين بـ”التحلي بالصبر، وتفهم الوضعية الحالية وظروف العمل الصعبة لشركة الكهرباء”. وزار الوزير العديد من مناطق التوتر، ووعد سكانَها بمضاعفة الجهود لتلبية احتياجاتهم من الكهرباء، وقال يوسفي إن “الحكومة وافقت على مخطط وطني استعجالي جديد للكهرباء يقوم على إنتاج 12 ألف ميجاواط من الطاقة الكهربائية في آفاق عام 2016، بتكلفة 2.7 مليار دولار، وهو ما يسمح بتلبية الطلبات المتزايدة للمواطنين، والتي ستبلغ 20 ألف ميجاواط في الخمس سنوات المقبلة”. غياب رؤية مستقبلية صنع الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي وما أحدثه من أضرار مادية وتوترات اجتماعية الحدث في هذا الصيف بالجزائر، وفتح نقاشاً واسعاً بين مختلف الهيئات والمؤسسات والجمعيات. وانتقد الجميع الوضع، بعد أن تبين أن هناك غياباً لاستراتيجية وطنية للاستثمار المنتظم في الطاقة الكهربائية تحسباً للارتفاع المتواصل للطلب بفعل تزايد عدد السكان والمصانع والشركات والمتاجر من عام إلى آخر. وكشف الخبير الاقتصادي بدّة محجوب عن أن الطلب يتزايد على الطاقة الكهربائية بنسبة 14 بالمائة سنوياً، بينما لا يتعدى استثمار شركة الكهرباء لتلبية هذه الاحتياجات نسبة 3 إلى 5 بالمائة سنوياً. ولم يستعبد محجوب تكرار السيناريو الهندي في الجزائر من خلال انقطاع الكهرباء عن مساحات واسعة بالبلد لمدة قد تصل إلى أسبوع. وطالب بتفعيل الطاقات البديلة لتوليد الكهرباء وتصدير الفائض منها إلى أوروبا وفي مقدمتها الطاقة الشمسية من خلال بعث مشروع “ديزرتك” الطموح مع ألمانيا، والذي كان سيسمح بإنتاج كميات ضخمة من الطاقة الكهربائية انطلاقا من استغلال الثروة الهائلة للطاقة الشمسية في الصحراء الجزائرية، ولكن تمّ تجميدُ المحادثات بشأن المشروع منذ سنتين لأسباب غير معروفة. ويطالب تجار متضررون بتعويضهم عن خسائرهم ولاسيما السلع المتلفة التي اضطروا إلى رميها بعد فسادها، بينما يطالب مواطنون بالتعويض عن أجهزتهم الكهرومنزلية التي أصيبت بدورها بأعطاب، ووضع حد لمشكلة الانقطاعات المتكررة التي نغصت عليهم صيفهم، وحوّلت يومياتهم الحارة إلى جحيم، مبدين استغرابهم من دعوة مدير شركة الكهرباء المستهلكين إلى “الاقتصاد في استعمال الطاقة” والتهديد برفع أسعار الكهرباء لإجبارهم على ذلك، وكأنه يطلب منهم ضمنياً إطفاء المكيفات الهوائية في هذا الصيف الحار، بدل التفكير في حلول استعجالية للوضع. أما رئيس جمعية حماية المستهلِك، مصطفى زبدي، فطالب شركة الكهرباء بـ”إعلام المواطنين مسبقاً برزنامة القطع التناوبي للكهرباء إذا كان الأمرُ حتمياً لا مفرَّ منه”، وهذا لوضع حد لمشكلة الانقطاعات الفجائية التي تسبِّب أضراراً كبيرة للأجهزة الكهربائية، وأكد أن من حق المواطن استعمال الطاقة الكهربائية حسب حاجته، ومن حقه أيضاً التعويض له عن خسائره.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©