الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عقوبات الغرب وتأميم الاقتصاد الروسي

21 سبتمبر 2014 00:15
فُرضت الإقامة الجبرية يوم الثلاثاء الماضي على فلاديمير إيفتوشينكوف، وهو أحد أكبر أثرياء روسيا وتقدر ثروته بنحو سبعة مليارات دولار، ضمن محاولة تأميم نشاطه الاقتصادي النفطي. والخطوة تظهر مدى الاستفادة التي تحصل عليها حلقة الأصدقاء المقربين لبوتين من العزلة التي فرضتها الاستراتيجية الغربية على روسيا رداً على عدوانها الخارجي. فأفراد هذه الحلقة يشعرون بأنهم يستطيعون الاستيلاء على أي شيء داخل روسيا دون حرج من سمعتهم. وعندما يقبل العالم الغربي نظاماً سلطوياً ويشيد بإنجازاته، كما يفعل مع الصين، تصبح قصص النجاح شبيهة بقصة نجاح المستثمر الصيني «جاك ما»، صاحب مجموعة شركات «علي بابا». هذا ناهيك عن أن الطرح الأولي لأسهم شركته العملاقة، ما كان ليحدث لولا أن السلطات الصينية ساعدت «جاك ما» على تنمية نشاطه، وهي تستطيع تحطيمه في أي وقت. وعندما يحل غضب السياسيين الغربيين على حكومة ديكتاتورية، بسبب غزو بلد مجاور مثلا أو رفض تقييد برنامج نووي، يصبح أصدقاء الديكتاتور هم الأكثر استفادة. وهذا ما حدث في إيران التي عانت من أشمل عقوبات تعرض لها بلد حتى الآن (باستثناء عراق صدام حسين). وهذا قد يكون حال روسيا على الأرجح. الجدير بالذكر أن إيفتوشينكوف دخل مجال الأعمال الكبيرة بمساعدة رئيس بلدية مدينة موسكو السابق، يوري لوجكوف، وهو سياسي يتمتع بالحيوية لكنه قاسي القلب، وقد أصبحت زوجته أكبر مستثمر عقاري في العاصمة الروسية أثناء فترة ولايته. ورأس إيفتوشينكوف لجنة إدارة المدينة للعلم والتكنولوجيا، وسعى بسرعة لخصخصة شبكة الخطوط الهاتفية الأرضية في موسكو، وأنشأ ما أصبح الآن واحدة من ثلاث شركات قومية للهاتف المحمول في روسيا وهي شركة «إم. تي. إس»، ونمت إمبراطوريته الاقتصادية التي سرعان ما عرفت باسم «سيستيما». ومد إيفتوشينكوف نشاطه إلى صناعة الإلكترونيات والعقارات ثم طرح أسهم شركته في السوق. وكانت روسيا في ذاك الوقت ديكتاتورية أليفة نسبياً، لذا لم يكن المستثمرون قلقين من جمع إيفتوشينكوف للثروة. وكان الطرح الأولي لأسهم لشركة «سيستيما» في لندن عام 2005 هو الأكبر من نوعه لشركة روسية في ذالك الوقت. ثم انتقل ايفتوشينكوف إلى مجال الطاقة واشترى «باشنفت»، وهي شركة متوسطة الحجم لإنتاج النفط من أسرة «مرتضى رحيموف»، زعيم منطقة بشكيريا في جبال الأورال لفترة طويلة. ومازالت الطريقة التي وصلت بها الشركة إلى يد «أورال»، ابن «مرتضى رحيموف»، تمثل قصة غامضة وصفتها غرفة المحاسبة، وهي جهة الرقابة على الميزانية في روسيا، بأنها «حالة غير مسبوقة من سرقة الممتلكات الاتحادية». إيفتوشينكوف لم يكن جزءاً من هذا على أي حال، بل أراد أن يستولي على أكبر أصول إنتاجية كبيرة متاحة في صناعة النفط الروسية المربحة. وأقدم على خطوته هذه عام 2009، مع إدراكه التام بالمخاطر. وصرّح لـ«فوربس روسيا» عام 2010 قائلا إن «المباريات مع الدول خاسرة كلياً على الدوام. . فأضعف الدول أقوى دوماً من أقوى رجال الأعمال». وفي روسيا، لا يستطيع أحد أن يجادل في هذا بعد اعتقال مخائيل خودوركوفسكي عام 2003، وكان أغنى رجال البلاد وأكبر مستفيد من عملاق النفط «يوكوس». واتعظ بعض أفراد الأقلية الثرية صاحبة المصالح من مصير خودوركوفسكي، النشط سياسياً، وتوخوا الحذر تجاه الكرملين وتشاوروا مع فريق بوتين قبل إبرام الصفقات الكبيرة. ونتيجة لهذا ظل أصحاب المليارات في أمان إلى حد كبير وتركهم بوتين يمتلكون الثروات التي جمعوها في الغالب بطرق غير مشروعة، بل وقدم لهم دعم الدولة أثناء الأزمة المالية عام 2008. لكن الهدنة انتهت الآن. ويعتقد خودوركوفسكي، الذي خرج من السجن بعد عشر سنوات ويعيش في سويسرا حالياً، أن اعتقال إيفتوشينكوف بتهمة «غسل الأموال»، لمساعدته «أورال رحيموف» في التخلص من الثروة المسروقة. . أن هذا برمته من صنع إيجور سيشين، الصديق المقرب لبوتين الذي يدير عملاق النفط المملوك للدولة «روزنفت». وكانت «روزنفت» هي التي استحوذت على «يوكوس» بعد أن أفلست بسبب متأخرات الضرائب. وذكر خودوركوفسكي أن سيشين «لم يصبح أذكى في السنوات الإحدى عشرة الماضية لكنه ربما أصبح أكثر جشعاً». ويشير ديمتري جولولوبوف، المحامي السابق في «يوكوس»، أن شركة «روزنفت» أبدت اهتمامها منذ شهور بالاستحواذ على «باشنفت»، وإن الهجوم على إيفتوشينكوف يشبه إلى حد كبير الهجوم على النشاط الاقتصادي لخودوركوفسكي. ويعتقد جولولوبوف أن إيفتوشينكوف لديه خيار بالغ الخطورة وهو المعارضة، أو خيار أكثر تعقلا وهو تسليم باشنفت إلى رجال بوتين. وكتب جولولوبوف في موقع على الإنترنت، أن «مغامرة خودوركوفسكي كلفت موظفيه 200 عام إجمالا من السجن. . عسى أن يكون إيفتوشينكوف أكثر تعقلا». وانهارت اسهم كل من «سيستيما» و«إم. تي. إس» منذ نشر أخبار فرض الإقامة الجبرية على إيفتوشينكوف في منزله بالقرب من موسكو وارتداء سوار لمراقبته. ونقلت وكالة انترفاكس الروسية للأنباء عن ديمتري بيسكوف قوله إن الكرملين لا يهمه هذا وهو يعلم أن بعض الاضطرابات المزاجية غير المهمة قد تحدث في السوق لكن «هذا ليس سبباً يمنع وكالات إنفاذ القانون من إجراء التحقيقات الضرورية». وسيشين وشركته «روزنفت» المفروضة عليها عقوبات في الولايات المتحدة وأوروبا، لم يعد مضطرا للبس مسوح الحمل والتظاهر بأنه يلعب وفق قواعد متحضرة. وشركات الأعمال الخاصة الروسية الكبيرة والصغيرة تتعرض الآن لتهديد أكبر مما كانت تتعرض له قبل «الحرب الباردة» الجديدة، فلم يعد بوتين وحاشيته الذين يركبون موجة الوطنية بحاجة إلى إخفاء التأميم الفعلي لاقتصاد روسيا حتى تستطيع عصابتهم الطامعة في جني الأرباح إدارته. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©