الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«الربيع العربي»... وأسئلة التغيير الصعبة

25 أغسطس 2012
إن كثرة الحديث عما بات يسمى "الربيع العربي" بمناسبة أو بدونها سيفضي إلى ابتذاله، مثلما حصل لجملة من الشعارات والمفردات التي عرفها العرب في فترات وعهود وعصور سابقة كعصر النهضة، والزمن الناصري، وحقبة القومية… فكل فكرة ترفعُ كشعار دون تطبيق عملي تفقد مصداقيتها. نقول هذا على رغم أهمية الحراك العربي، ولكن أخشى ما نخشاه هو أن يتحول إلى شعار فضفاض "يقول كل شيء عن لا شيء أو لا شيء عن كل شيء" على حد تعبير السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو. ولعل جولة سريعة على امتداد دول الحراك العربي تُنبِئك بأن رياح هذا الربيع قد هبت على المغرب، بينما بقيت جارته الجزائر في دكة الاحتياط العربي للتغيير. أما ثلاثي تونس وليبيا ومصر، فما يزال يصارع الزمن لتجاوز المرحلة الانتقالية ومخاضها العسير، والتأسيس لشرعية جديدة تقطع مع ماضي الأنظمة السابقة. في حين يظل السودان منشغلاً بالحرب مع جنوب السودان الذي كان حتى الأمس القريب جزءاً منه، في إعادة لسيناريو اليمن مع فارق في الأسباب طيلة عقود. أما في المشرق العربي، فلا شيء يوحي بأن الربيع العربي قد مر من هناك، فالصراع على أشده بين المتنافسين. وقد بدأ اليمن يستعيد بعض الاستقرار الهش. هدوء واستقرار لم يعرفا إلى سوريا سبيلا جراء ممارسات نظام الأسد. بينما بقي العراق ولبنان ساحتين لتصريف معارك خارجية وصراعات بالنيابة عن لاعبين آخرين في المنطقة. إن ضبابية الأفق التي تكتنف المشهد العربي أفرزت حزمة من المتغيرات، لم ينفصل بعضها عن الآخر بالقدر الذي يسمح بالتقاط صورة أوضح من تلك التي تبدو للعيان منذ أول وهلة. ولاشك أن قليلاً من التدقيق قد يقود إلى الإمساك بخيوط تساعد على فهم جزء غير يسير من السيناريو الدائر على خشبة المسرح العربي. خيوط يشكل الإعلام قطب الرحى فيها، وخاصة بعد تقدمه التاريخي في مباراته أمام الفكر. نتيجة جعلت الفكر يتوارى أمام تقدم الإعلام في التعاطي مع هذه الأحداث، فمن العبث الادعاء بأن حركة الفكر تواكب سرعة وتيرة المستجدات في العالم العربي. إذ يهب المرء الوقت الكثير لموضوع واحد من الفكر، حتى يتمكن من إنتاج أفكار راسخة تنأى به عن استخلاص استنتاجات سطحية. وعليه فإن البحث عن منهج (أو مناهج) يمكن أن يعتمده الباحث بغية تحليل الأوضاع الجارية بالعالم العربي، قد يجعله يصطدم بحقيقة الهوة بين هذه الأحداث وإمكانيات العلم في الفهم والاستيعاب. هوة شاسعة أذكت حدة المنافسة بين الطرفين. فسمحت ببروز وسيطرة الإعلام في مقابل ضمور وتواري أهل الفكر. وهي سيطرة بقدر ما ساعدت على تقريب الأحداث والوقائع إلى الأفهام، بقدر ما ساهمت في تشكيل وعي جمعي لدى النخبة والعوام يوجه دفة الحراك بشكل متحيز -في بعض الأحيان- بطرح مقاربات جزئية وأحادية قد تصل في بعض الحالات درجة الإقصاء بعيداً عن المهنية والحياد والموضوعية. ومن حقائق التاريخ أن كل تحرر وانعتاق سياسي يسبقه ويعقبه ويسير إلى جانبه تحرر فكري وتنوير عقلي باعتبارهما صنوان لا يفترقان. وهذه حقيقة تكاد تكون مغيبة في إعلام الثورات في ظل هيمنة لخطاب "التحرر السياسي" على باقي الأنواع مع استحضار مقاربة انتقائية في التعاطي مع موضوع الحرية. إن حدث التحول واسع في دول الحراك العربي ولكنه لم يمنح على الرغم من كبر حجمه أي وعود بالخلاص -على الأقل حتى الآن- لمجتمعات لم تقرر الخلاص بعد، ما دامت قانعة بالنظر إلى وجه العملة (الحرية السياسية) دون الظهر (باقي الحريات). لابد أن يستتبع التغيير على المستوى السياسي نظير له على الصعيد الفكري من خلال إعادة النظر في مخلفات ورواسب عصور من الانحطاط والجمود الفكري. فالإنسان عندما يعيش في حالة من التراجع الحضاري يلجأ إلى أشكال من التدين والتاريخ، فالتاريخ محصن بالماضوية في حين أن التدين محصن بالقداسة. وفي ظل عدم وجود اتجاه نقدي حقيقي لقراءة النص الديني والتاريخي في العالم العربي من أجل غربلته في عملية "استيعاب وتجاوز" ـ على حد تعبير المفكر محمد أبو القاسم حاج حمدـ تمكن من إرساء دعائم دولة قائمة على أساس المواطنة يحكمها القانون والمؤسسات، يبقى منطق "التحرر السياسي" جراء هذا الحراك قابلاً لأن يتكشف عن أشكال جديدة من الاستبداد ربما تحت مسميات أخرى. لقد صار الحراك العربي -كما يبدو في خطاب البعض- كما لو كان غاية في حد ذاته، بدل أن يكون مجرد فصل من فصول سنة تنتظر من العرب أن يتموا فصولها خاصة الصيف، الذي يستوجب إرخاء الحراك المجتمعي بظلاله على باقي مناحي الحياة والثقافة. نقول هذا ونحن نعلم أن نشوة الثورة حالة استثنائية، بل هي لحظة قد يتصرف فيها الناس باندفاع تحت دعاوى ومطالب الحرية والكرامة. لكن ما نعيشه من أحداث ومؤشرات يجعلنا نقدم الشك على اليقين في انتظار أن تطمئن قلوبنا مرددين سؤالا… وماذا بعد بالثورة؟ محمد طيفوري باحث مغربي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©