الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اسكتلندا.. ما بعد رفض الانفصال

20 سبتمبر 2014 00:45
يبدو أن النظام الاتحادي للمملكة المتحدة سيواصل العيش أياماً أخرى، فقد رجحت كفة المصوتين بـ«لا» لاستقلال اسكتلندا على مؤيدي انفصالها عن بريطانيا. ولقد أظهرت استطلاعات الرأي الاستباقية لنتائج استفتاء الخميس 18 سبتمبر حول استقلال اسكتلاند نتائج متقاربة بين الإيجاب والرفض. وبعد أن تراجعت نسبة من قالوا «لا» في استطلاعات الرأي الشهر الماضي، فإن نسبة من قالوا «نعم» للحملة الداعية إلى الاستقلال تجمدت قبل أيام قلائل بعد أن تعرض الجنيه الإسترليني لضغوط قوية خفضت من قيمته أمام العملات الرئيسية الأخرى. وجاءت هذه الهزّة النقدية عقب توارد أنباء عن أن المصوتين بالإيجاب على مبدأ الاستقلال يتفوقون على المصوتين بالرفض. وربما يكون في وسعنا أن نقيّم الحسنات التي تنطوي عليها الحجج السياسية، إلا أن موت الدولة يمثل قضية أكثر خطورة وأبعد مدى مما تعنيه السياسة، بل هو قضية تتعلق بالعدالة والإنصاف وحكم القانون. ولا شك أن اسكتلندا عندما صوتت على ما إذا كانت ستبقى ضمن المملكة المتحدة أم تنفصل، كانت حرة في الانفكاك عن الاتحاد لو أنها شاءت ذلك وارتضته. إلا أن الاعتراف بحقها في اختيار مستقبلها يدفعنا في الوقت نفسه إلى الانتباه للظلم الذي ينطوي عليه افتقاد بقية البريطانيين وخاصة في إيرلندا الشمالية لحقهم الديموقراطي في تحديد مستقبل دولتهم. وهاتان الرؤيتان حول عدالة التصويت وما يمكن أن تسفرا عنه من نتائج قد تؤدي إلى انفراط العقد السياسي للمملكة المتحدة، متناقضتان إلى حد كبير. ونعرض هنا للنتائج المأساوية للتصويت بالإيجاب، وهذا لم يحدث. فإذا كنتَ ممن يفضلون الاستماع إلى الصوت المنادي بحرية اسكتلندا في اختيار مستقبلها، فإن من واجبك أن تستشعر نوازع الغضب والإحساس بالإهمال الذي سيساور كل مواطن بريطاني خارج اسكتلندا والذي سيكون عالقاً بين القبول بحق اسكتلندا في تنظيم الاستفتاء، والانصياع والقبول بعدم امتلاكه حق التصويت والإدلاء برأيه حول مستقبل بلده. وعندما يفقد المواطن صوته الانتخابي، فإنه سيشعر بعدم الإنصاف من النواحي الثقافية. ولا ينطبق ذلك فحسب على الكثيرين من بين 830 ألف مواطن ولدوا في اسكتلندا ولكنهم يعيشون خارج حدودها أي في المملكة المتحدة ذاتها، وهم الذين فقدوا حقهم في التصويت، بل وأيضاً على أعداد كبيرة من المواطنين البريطانيين الذين يشعرون بأن اسكتلندا تنعم لوحدها بأصولها الثقافية المزدوجة. ويمكن القول إن دعاة القومية الاسكتلندية خدعوا بقية المتمتعين بحق المواطنة البريطانية عندما بدأوا يفقدون الشعور بقوميتهم البريطانية التي تمنحهم معنى أوسع لمفهوم الهوية الوطنية. وهو الشعور الذي يتيح للمواطن أن يشعر بأنه بريطاني بقدر ما هو اسكتلندي أو ويلزي أو إيرلندي شمالي أو إنجليزي أيضاً. والشعور بأننا أصبحنا على بعد أيام قلائل عن التنصل من إرثنا الثقافي الممتد عبر القرون، وبعد أن أصبحت ازدواجية الهوية الوطنية جزءاً من «الحمض النووي» لألوف العائلات، يمثل نهاية سيئة بالنسبة لنا نحن الذين لم نعد نمتلك القوة الديموقراطية التي تمكننا من وضع حد للشعور القومي الانفصالي للاسكتلانديين. وعندما يشعر المرء بأنه «بلا صوت»، فإنه يستشعر غياب العدالة السياسية. ونحن الذين نعيش على الحدود الجنوبية لاسكتلندا ونفتخر بأن هويتنا المدنية الأولى هي البريطانية، ونعيش في إنجلترا، لا نريد لهويتنا البريطانية هذه أن تنكمش. ولعل الأهم من كل ذلك هو أن الحديث الذي دار خلال الآونة الأخيرة حول احتمال انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة، سيقوي من احتمال انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. وسيؤدي ذلك إلى شعور المواطنين البريطانيين بأنهم أصبحوا يشكلون مجرد جزء من دولة متفتتة، ولن يكون في وسعهم بعد ذلك أن يتخلوا عن المشاركة في السوق الأوروبية الموحدة التي تضمن التدفق الآمن والمستدام للاستثمارات الأجنبية إلى المملكة المتحدة. وكان القرار الذي يقصر حق التصويت على المواطنين الاسكتلنديين المقيمين بالفعل على أرض الوطن وحرمان من هم خارجه حتى ولو كانوا من مواليد اسكتلندا، يحمل في طياته عدة أوجه من حالات انتهاك الدستور. وعلى سبيل المثال، هذا يعني أيضاً حرمان عدد كبير من الجنود والضباط الاسكتلنديين العاملين في الجيش البريطاني من الحق في التصويت والمشاركة في تحديد مستقبل استكلندا. ويضاف إلى ذلك أن القرار الذي يقضي بالإعلان عن استقلال اسكتلندا في حالة فوز المقترعين بـ«نعم» بنسبة تزيد على 50 بالمئة غير مقبول ويخلو من المنطق الدستوري. ويمكن لخبراء القوانين الدستورية أن يتذرّعوا بعدم وجود تقليد دستوري للتصويت بالأغلبية الساحقة في المملكة المتحدة حتى يبرروا العمل به. وهذا يخالف المبدأ المتبع في العديد من دول العالم الديموقراطية، وحيث يتطلب الأمر في أغلب الأحوال الحصول على غالبية ثلثي الأصوات في أي انتخاب أو اقتراع دستوري. وتكمن النقطة المهمة في هذا القرار في أن التصويت الذي يمكنه أن يدمر الدولة ذاتها لا بد أن يكون مخالفاً للدستور، طالما أنه يهدد مبدأ «السيادة» التي يستمد منها الدستور ذاته سلطته وقوته. ولا شك أن عدم اللجوء إلى مبدأ الأغلبية في استفتاء اسكتلدا سوف يكون أمراً مشيناً لا يحتمل الغفران ولا التسامح. وفي كل الأحوال، ستشعر الغالبية العظمى من المواطنين البريطانيين خارج اسكتلندا بعدم توافر الأسباب القوية التي تبرر الانفصام بعد عدة قرون من التاريخ المشترك. ومن جهة معاكسة. وبعد أن تغلبت أصوات القائلين «لا» للاستقلال بنسبة ليست كبيرة فسوف يعم الشعور بالغضب الفئة الأخرى، وسيعقد ذلك كافة مشاريع التصويت والاستفتاء في اسكتلندا خلال جيل مقبل. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©