السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ملاعيب الولد النبيه

ملاعيب الولد النبيه
19 سبتمبر 2014 20:00
على زمان الكتاتيب، كان أحد الأساتذة، من غير الناطقين بـ«العربية» في الأساس، يعلم التلاميذ اللغة العربية، عن طريق ترجمة مقاطع من كتاب فقهي، وقد ترجم لهم عبارة: «إذا وقعت الفأرة في السمن، فخرجت حيّة، يبقى السمن حلالاً»، لكن أستاذنا اختلطت عليه اللغة فترجم كلمة (حيّة) إلى (ثعبان) بتلك اللغة. أحد التلاميذ الأذكياء لم يصدق الأمر فقال للمعلم: - ياسيدي. . كيف دخلت فأرة إلى السمن وخرجت ثعباناً؟. فقال الأستاذ: - أسكت أيها الفاسق. . إنها قدرة القادر. أنا أشبه الكاتب الناقد بذلك الولد النبيه، وأشبه قوى الشد العكسي بذلك الأستاذ الضعيف (ولا أنكر أن هنالك في كل مجتمع أساتذة أذكياء في ممارسة الشد العكسي) الذي يحاول تغطية ضعفه بقدرة القادر. هذا الطفل النبيه هو الجد الأول للكاتب الساخر، بعد أن انتقل من مرحلة السؤال والدفاع، إلى مرحلة الهجوم لتحرير مجتمعه من هكذا أساتذة. . . . إنه الناقد لنواقص مجتمعه الذي يتعرض دوماً إلى منظومة من آليات الدفاع والهجوم من قبل مجتمعه، وهذا أمر طبيعي جداً؛ لأن النقد هو تورط كامل في معركة الحياة، وانحياز إلى جانب التغيير نحو الأفضل. ما يسمونه جلداً للذات قد يكون تطهيراً لهذه الذات وتنشيطاً لقواها الداخلية الحية، و(مساجاً) للعضلات الروحية، المرتخية والمتشنجة معاً. دون التشخيص الصحيح سيكون العلاج مجرد تسويف وتغطية، وربما قتلاً بطيئاً، وجريمة منظمة تقترف بطيبة قلب. والتشخيص الصحيح والسليم يعني فيما يعني تفقد أجزاء الجسم كافة بكل دقة، والتأكد من سلامة الأعضاء ومعاينة تلك الأعضاء المريضة والمصابة، وتقديم تقرير كامل بحالة الجسد للطبيب المعالج، وهذا الشخيص بالطبع لا يحتمل المحاملة والتغطية على الدمامل بالمساحيق، بل ينبغي تحديد إحداثياتها بدقة، تمهيداً لفقئها وطرد قيحها ومعالجتها، قبل أن تتحول إلى سرطانات سهلة الانتشار، وقاتلة. أما الكاتب الساخر، فهو مريض على الأغلب بالتمرد الدائم على الواقع «المعيوش»، مريض بالتمرد على البداهات التقليدية، مريض، يتأوه ويتنهد ويتعذب، فتخرج أناته على شكل خليط سحري عجيب وفوضوي. . . من السخرية والمرارة والمقاومة والعبث. . . والعدمية أحياناً. مريض بالبحث عن آليات جديدة ومبتكرة لنقل المعادل الشعوري لمواقف الناس السياسية والاجتماعية والإنسانية. مريض بالسعي الدائم والدائب والقلق من أجل التعبير السليم عن واقع يعيشه مع بقية الناس، واقع لا يرونه ولا يقرؤونه في الجرائد الرسمية ولا في تصريحات وزراء الإعلام. الكاتب الساخر مريض. . أعترف بذلك!! لكنه طبيب أيضاً. . . طبيب لا يعالج ولا يشفي، لكنه يشخص ويوثق لمجتمعه. . . يشخص عيوب السلطات أمام الناس ويفقع بالونات «البروبوغندا»، ويبصق على الهالات المزيفة التي يضعها المستغلون (بكسر الغين) حول أنفسهم. وهو لا يكتفي بذلك، بل يشخص أخطاء الناس أيضاً وممارساتهم التي يصورها بشكل «كريكاتيري» يجعلهم يعون ممارساتهم المغلوطة، لعلهم يفكرون أكثر إذا قرروا ممارستها مرة أخرى. بكل بساطة وبلا رتوش. . . . الكاتب الناقد هو الطفل ذاته الذي رفض ترجمة (حية) إلى ثعبان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©