الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لا تسرع !

24 أغسطس 2012
لم يكن يعلم أن اليوم سيكون آخر أيام حياته.. لم يكن يعلم أن هذا اليوم سيكون أتعس الأيام في حياة أمه وأبيه وأهله.. لم يكن يعلم أنه وبطيشه وعدم اكتراثه وسرعته الجنونية، التي لا يتقبلها عاقل، ولا يستوعبها عقل، ولا تتحملها العجلات “الكوشوكيه” المصنعة من المطاط والمملوءة بالهواء، والتي تحمل معها جسدين أحدها من حديد وهو هيكل السيارة، والآخر من لحمٍ ودمٍ وهو جسد هذا الإنسان، الذي يقود هذا الهيكل الحديدي المحمول على الهواء والمحشور ضمن عجلات الكاوتشوك المطاطية، التي تفوح منها رائحة الاحتراق والاحتكاك الناتج من تسارعها على الأسفلت، والتي تكاد لا تلمس هذا الأخير من سرعة دورانها ومن عزم انطلاقها. ها هو يستيقظ في ذلك اليوم متأخراً عن عمله.. استيقظ في ذلك اليوم ولم يعلم أنه لن يستيقظ مجدداً.. استيقظ والغضب يتملك جسده والشرار يتطاير من عينيه، على والدته التي لم يسعفها كبرها ولم يحمها عجزها ووهنها، من أمواج العبارات الجافة والقاسية التي أطلقها لسانه كالسيل الجارف والموج العالي في وجه أمه العجوز التي تمايل جسدها النحيل من وقع هدير كلمات ابنها، ومن شدة معانيها واختلاف معانيها. لبس ثيابه بسرعةٍ ما بعدها سرعة، ولم يقبل يد أمه ولم ينل رضاها، خوفاً على تأخره دقائق معدودة عن عمله ومواعيده واجتماعاته... استقل سيارته سائراً بها بأقصى سرعة، ليحاول الوصول إلى مراده دون تأخير، وهو لا يدري أنه لن يصل أبداً لذلك المراد، وهو لا يدري أنه لن يتمكن من الوصول إلى عمله والانضمام إلى الاجتماع الضروري الذي تأخر عنه دقائق قليلة، دقائق كانت كفيلة بأن يتأخر عن باقي اجتماعاته للأبد وأن لا يجتمع في الأساس لا مع موظفيه ولا مع أقربائه وأصدقائه... مرة أخرى. انتهت حياته ببساطة شديدة، وكأنها حياة “مخلوق” ضعيف لا نراه ولا نحس بوجوده ولا نحس باختفائه، انتهت حياته وهو الذي كان يرغب في أن يحقق العشرات من الأمنيات والأماني، انتهت هذه الحياة دون أن يحقق أبسط ما كان يتمناه، انتهت حياته بسرعة مثل سرعته الجنونية التي قاد بها سيارته، انتهت حياته بعدما خرج من منزله، ودموع والدته تسيل على خديها من شدة وقع كلماته، وقسوة ما تفوه به عليها، لأنها غفلت ونسيت وهي الطاعنة في السن أن توقظه ليقوم إلى عمله، حيث تأخرت في ذلك لدقائق تعد على أصابع اليد الواحدة. لم يكن يعلم هذا الشخص “المسرع” و”المتسرع” أن “سرعته” هذه ستكون سبب وفاته، ولم يكن يتوقع ولو للحظة أن جسده الآدمي المكون من لحمٍ ودم، سيختلط مع هيكل السيارة المكون من الحديد والألمنيوم والمواد الأخرى... وربما لو علم هذا الإنسان مدى الألم الذي سببه لأمه وأبيه وعائلته وأصدقائه... لما أسرع بسيارته، ولما فكر في يومٍ من الأيام أن يقود هذا الهيكل الحديدي الطائر على العجلات المملوءة بالهواء بهذا الاستهتار. نصيحة مجانية نقدمها اليوم وفي كل يوم، لا تسرع ولا تقود بتهور، وتذكر من رحل عنك نتيجة هذه السرعة، وتذكر أيضاً أن القيادة بسرعة وطيش، تسرع بنهاية حياتك وحياة من معك ومن حولك. المحرر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©