الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مباراة.. في القتل

مباراة.. في القتل
18 سبتمبر 2014 21:40
كانت أسوأ لحظة تلك التي يعود فيها وتتكرر كل يوم في الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل وهو مخمور ويهذي بكلمات غير مفهومة كنت قبلها أظل أدعو ألا يعود. أتمنى أن يأتيني الخبر السعيد بموته أو حتى بمقتله لأتخلص من تلك المصيبة التي ابتليت بها منذ عشرين سنة كلها كبيسة. وعندما يطرق بقبضة يده على الباب كأنه يضرب على قلبي باللكمات القوية ولأنني ممنوعة من النوم، ويجب أن أكون على أهبة الاستعداد في كل لحظة كي لا أجد ما لا يرضيني، قد كنت هذه الليلة بالذات أكثر استعداداً لأنني أنتظر الأسوأ فقد خرج الليلة قبل ساعات غاضباً أكثر من ذي قبل بعدما تشاجر مع ابننا الأكبر وطرده. إصرار على الشجار كان قلبي دليلي فعندما طرق الباب وفتحت له كانت عيونه مثل عيون الشيطان حمراء يتطاير منها الشرر رغم أنه لم يستجد جديد ولا تفسير عندي لذلك، وكما أفعل كل مرة تحاشيت إثارته وتجنبت الحديث معه بأي شكل؛ لأن لديه قدرة عجيبة على تحويل مجرى الحديث نحو الغم والنكد، لا يعدم حيلة ولا يحتاج إلى سبب لذلك، فهو أستاذ في «العكننة» مع مرتبة الشرف، تنحيت جانباً لعله يدخل إلى غرفة نومه بلا كلام، لكنه دفعني بقوة وهو يلقيني بوابل من الشتائم والسباب والنقائص ولأنني أعرف النتيجة لو رددت عليه بكلمة فسوف يرد بمائة فقد لذت بالصمت عساه أن يرتدع، وتمر اللحظة الفارقة فاستطاع أن يختلق من ذلك سببا ليصفعني فجأة على وجهي جعل الشرر يتطاير من عيني، وإن لم تكن هذه المرة الأولى ولا المائة ولا حتى الألف التي تمتد فيها يده إلي إلا أنني آثرت السكوت، واكتفيت بالبكاء والدموع التي سالت غزيرة ولم أستطع التحكم فيها. وكما تحملت كثيراً من أجل الصغار فلا مانع أن أتحمل هذه المرة، ولكنه لم يرد أن تمر الأمور بسلام، فهو لا يعرف ذلك ولا تحلو له الحياة إلا مع المشاكل ولا يروق له النوم إلا بعد مشاجرة معي. وليته اكتفى بذلك فقد اعتدته ولم أعد أشكو منه، حملني مسؤولية خيبة أبنائنا بالطبع ليس خيبتهم في التعليم وفشلهم في الدراسة وإنما في الحصول على عمل كي ينفق على نفسه وملذاته وسهراته، فقد اتخذ قرارات مبكرة بعدم تعليم أبنائنا الأربعة فهو يؤمن أن الدراسة مشروع فاشل ولا يستحق إنفاق أي مال عليه، والأفضل أن يعتمد الأبناء على أنفسهم منذ نعومة أظفارهم ومن ناحية أخرى يدبرون له ما يريد وما كانت مشاجرته بالأمس مع ابننا إلا لأنه تغيب يوما عن العمل في ورشة إصلاح السيارات لأنه كان مجهداً. مبررات الشجار لم تكن مشاجرته معي الليلة عن ذلك ببعيد، فهو يريد أن يحصل على ما معي من نقود قليلة أنفق منها على الطعام والشراب، فهو لا يكتفي فقط بأنه لا ينفق علينا، بل يريدنا أن نتحمل تكلفة ملذاته من سجائر وخمور ومخدرات، ولأنه كان ممتلئاً غيظاً لم يكن بحاجة إلى مبررات للشجار الذي جعله يتخذ وسيلة أخرى، وأخرج مطواته التي يحتفظ بها دائماً في جيبه أشهرها في وجهي يحاول أن يتحين الفرصة ليطعنني طعنة قاتلة ينظر إلي وهو يحاول أن يصوب طعنته نحو القلب فالأمر ليس مجرد تهويش أو محاولة تهديد وإنما قتل مع سبق الإصرار لم يعطله إلا أنه غير قادر على تحديد مكاني بالضبط رغم أنني أقف أمامه على بعد متر واحد أو أقل قليلاً، إذ إن السكر جعل بصره زائغا ويرى الأشياء على غير حقيقتها، وتأكدت من ذلك لأنه عندما حاول أن يطعنني خابت ضربته بعيدا حتى كاد يسقط على الأرض وهو يترنح، حاول أن يتماسك مرة أخرى ويستعيد قواه، ويحد النظر نحوي فقررت أن أفر من أمامه لينتهي هذا المشهد فحاول أن يلاحقني إلى باب الغرفة حاولت أن أغلق الباب لكنه دفعه بقوة وسقط على الأرض. استيقظ الصغار على أصوات تلك المطاردة الصامتة، فأنا لا أريد أن امحنه فرصة للمزيد من السباب، وقفت صامتة وسكت هو لأنه لم يعد قادراً على الكلام، وجدها فرصة سانحة ليمسك بالصغير وهو يهدد بذبحه إن لم أسلم نفسي له ليذبحني اعتقدت أنه مجرد تهديد لإجباري على ما يريد ولم يمنحني مهلة بل كاد أن ينفذ ويمر بالمطواة على رقبة الطفل الذي أصابه الفزع وهو يرى الموت ولا يصدق أن أباه يمكن أن يرتكب هذه الحماقة، فصرخ صرخة خلعت قلبي من مكانه جعلتني لا أخاف من الموت وما قيمة الحياة بعد فلذة كبدي لو فعلها وأنهى حياته لا بد أن أضحي بنفسي وليس أمامي خيار آخر، بلا تفكير انطلقت نحوه أدفعه بعيداً وكي لا تصل المطواة إلى جسد طفلي النحيل ونجحت في ذلك وقبل أن أتنفس الصعداء عاد ليكرر فعلته ويتجه نحوي ليقتلني. هرولة نحو الشر في هذه اللحظة فقدت كل تفكير إلا في حياتي معه وتصرفاته معي فشخص مثله لا يستحق الحياة ثم إن حياته ليست أغلى من حياتي، وهو الذي يهرول نحو الشر والدم، وفشلت في إيقافه أو إثنائه عن إجرامه فدفعته دفعة صغيرة أوقعته على قفاه ولم أكن أعتقد أنه ضعيف إلى هذا الحد وأنني قوية، سقطت المطواة من يده أمسكتها وطعنته في القلب تدفق الدم منه، ولم أتوقف واصلت الضربات بلا وعي أو بدافع الانتقام أريد أن أشفي غليلي زادني لون الدم الأحمر عنفاً ورغبة في المزيد من الضربات، غريب ذاك الإحساس الذي انتابني فقد كنت أشعر براحة نفسية أو متعة غير مسبوقة فلم أتوقف حتى بعد أن تأكدت أنه أصبح جثة هامدة، تحول إلى قتيل وتحولت إلى قاتلة لم يوقفني إلا صراخ وبكاء أبنائي رغم الدماء التي تلطخت بها ملابسي إلا أنني احتضنتهم وحاولت أن أهدئ من روعهم. جلست قليلاً أفكر كنت مثل مصارع انتهى لتوه من مباراة صعبة وانتهت بالفوز، التقط أنفاسي التي كانت متسارعة ودقات قلبي عالية تكاد تسمع بشكل جيد دقائق معدودة، وقمت لأحضر ملابس نظيفة لي وللأولاد وبعد الاستحمام بدلنا ملابسنا، واصطحبتهم إلى أختي كان وقت أذان الفجر قد اقترب تركتهم عندها، وقد أصابها الفزع لمجرد رؤيتها لنا فحضورنا في هذا التوقيت أكبر دليل على أن هناك مصيبة ولا يحتاج الموقف إلى كلام أو شرح، دفعت الأولاد إلى داخل شقتها وتركتهم ورحلت وبالطبع سوف يخبرونها بالتفاصيل المؤلمة. الاعتراف بالجريمة كان الشارع خالياً من المارة إلا قليلاً أو سيارة مسرعة أعتقد أن الأشخاص الذين شاهدوني وأنا أسير ببطء في الشارع تساءلوا جميعاً ما الذي يدفع امرأة أن تسير وحيدة في هذا الوقت من الليل. وهم لا يعرفون مصيبتي لم أكن أضرب بغير هدى بل أعرف طريقي جيداً كنت أسير نحو قسم الشرطة لأبلغ بنفسي عما حدث دخلت على الضابط الذي كان يضع ساقاً فوق الأخرى وهو مسترخ يدخن سيجارة وأمامه كوب من الشاي لم ينته منه، لم يهتم بحضوري فقد أعد لي جواباً قبل أن يعرف سبب تواجدي وبادر قائلاً تعالي في الصباح إذا كنت تريدين محضراً فنحن الآن لا نحرر إلا محاضر الحالات الطارئة. بهدوء شديد وبلا استئذان جلست على المقعد الشاغر بجواره فاستغرب من تصرفي وصوب نحوي نظرة استغراب وجعله تصرفي هذا يعتدل في جلسته، وقبل أن ينطق بكلمة قلت له إنني قتلت زوجي وحضرت للإبلاغ أليس هذا أمراً طارئاً يستحق الاهتمام، فانتفض مثل الذي لدغه عقرب وهب واقفاً كأنه لأول مرة في حياته يسمع عن جريمة قتل مع أنه يتعامل معها ربما كل يوم، إلا أن هدوئي جعله يشك في قواي العقلية فلم يعتد أن يجد أمامه قاتلاً يعترف بهذه الطريقة، ووجه لي عدة أسئلة فهمت منها أنه يريد أن يتأكد من أنني لست مجنونة، وأنني جادة فيما قلت وأخيراً اقتنع لكنه مازال عند استغرابه. فتح الرجل محضراً رسمياً ولم تغادره الدهشة استمع لأقوالي بكل تفاصيلها وعلى غير المألوف أمر الشرطي الذي كان يقف قريباً منا أن يأتيني بكوب من العصير أو الشاي، بعدما استشعر أنني ضحية قبل أن أكون مجرمة خاصة بعدما سألني عن سبب الجريمة وقلت له إنني واحدة من خمس شقيقات لأب فقير لم يسأل عن أي واحد ممن جاؤوا ليطلبوا يد أي واحدة منا، وعندما جاء هذا الرجل ليطلب يدي لم نكن نعرف عنه شيئاً وقد تخلى عن كل مسؤولياته من الأيام الأولى وحتى عن أبنائنا اضطررت للعمل خادمة وفي أعمال شاقة لا تناسب طبيعة المرأة من أجل توفير لقمة الخبز، بينما هو بلا شعور أو إحساس وفي النهاية كان يريد أن يقتلني. الحقيقة أن شخصاً مثله لا يستحق الحياة والإعدام أفضل من الحياة معه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©