الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التحولات العربية وشرط الثورة الثقافية

3 سبتمبر 2011 22:29
لا حاجة للتذكير بأن الحرية تفتح طريق العمل للإنسان الواعي والمدرك لما يريد لبناء حياته بالأسلوب الذي يراه. وكذلك الحال بالنسبة للحرية الاجتماعية التي تفتح الطريق للمجتمع الواعي لبناء مؤسساته على أسس واقعية صلبة توفر العيش الكريم للجميع. والحرية لا قيمة لها إن لم تكن مقرونة بالوعي الاجتماعي للمسؤولية. ومنذ فتحنا عيوننا ودخلنا المدارس ونحن ننشد للحرية التي لم نعرف عنها شيئاً في الواقع، سوى حرية النظم في اختيار ما تريد. أما المجتمع فإنه يعشق الأدلجة التي أدركت النظم سِرها لكونها من ذات المجتمع ولذا تم تخصيص أجهزة الإعلام والكتب الدراسية لتُشبع الشعب الموعظة الحسنة والمبادئ (أي المبادئ الإيديولوجية للسلطة) التي لا يُعلى عليها وليس هناك أقل من التضحية في سبيلها. لقد كانت مجتمعاتنا مؤدلجة تتغلف بمبادئ سامية وأهداف شاعرية وضمن فورة التحولات يظهر البطل المنقذ الذي لم يأتِ من فراغ بل لقد أفرزه المجتمع ذاته. ومع التطبيق العملي نجد أن البطل المنقذ لم يتم استيراده من مجرات أخرى بل هو من الموروث الاجتماعي. وقد يُلام البطل المنقذ على تصرفاته وتُقام ثورة ضده من أجل الجياع والمحرومين ليتسلق السلطة بطل مُنقذ آخر يكرر حكاية البطولة ويأخذ الثمن من مجتمعه. أين الخلل؟ هل السلطة مَفسدة أم أن المجتمع ذاته جعلها هكذا؟ أم أن مفهوم الدولة المعاصرة أكبر من أن تستوعبه هذه المجتمعات التي طحنها الزمن لقرون بعيداً عن الثقافة والتكوين الطبيعيين؟ إن المجتمعات العربية والإسلامية على اختلافها تعاني منذ قرون مديدة من ظاهرة الصراع الدموي بين المجتمع والسلطة. علماً بأن كلاً منهما من ذات البيئة الاجتماعية. لقد عاش العرب ثورات وتقلبات مختلفة منذ صدر الإسلام. وكل ما كان يحدث هو تبديل لحكم أو سلطة ويبقى النمط الفكري السائد هو ذاته من دون تغيير، وتبقى الأخطاء من دون حلول. ولذا لم تتمكن هذه المجتمعات من إيجاد إصلاح فكري يطور منظومة الحكم. وهكذا استمر الركود الفكري والاجتماعي حتى يومنا هذا. لقد قادت الثورة الفرنسية على رغم دمويتها ليس إلى إسقاط النظام فحسب بل إلى محاكمة فكر ساد وكان هو السبب في كثير من الكوارث وهكذا قادت الثورة وبمراحل تجريبية مختلفة إلى حركات فكرية وتنويرية في أوروبا. أما الثورة لذاتها فلا تعني شيئاً أبداً. وفي المقابل فإن التحديث الفكري ودعواته في مجتمعات الشرق الأوسط العربية والإسلامية لا جذور اجتماعية له ومرفوض من الأغلبية الاجتماعية. إنه ليس أكثر من ترف فكري للنخبة المثقفة. ومن أبرز ما يدعى بتجارب التحديث التي عرفتها المجتمعات الإسلامية في الشرق الأوسط التي يقود التحديث فيها المسلمون تجربة إيران وتركيا. فقد حاول شاه إيران بناء دولة عصرية حسب تَصوره ولكن بناءه كان سطحيّاً لم يصل إلى جذور المجتمعات الإيرانية ولذا كانت إزالته سهلة. وكذلك الحال مع أتاتورك الذي حاول بناء دولة عصرية بحماية العسكر ولكن هو الآخر كان بناؤه سطحيّاً وقد لا تحتاج سوى عدة كيلومترات خارج أي مدينة تركية كبيرة أو تدخل الأزقة المظلمة لتجد الدولة العثمانية ما تزال متربعة في أفكار وحياة المجتمع التركي. إن ما كان من تقلبات اجتماعية خطرة عاشتها هذه المجتمعات لا يقع فيما يدعى علميّاً بالتجريب المعتمد في الدراسات العلمية. لأنه ليست هناك أية استفادة من التجارب السابقة، والسبب أن كل الثورات تأتي مندفعة متعالية على ما سبق وليست دَارسة ونَاقدة ومُحللة لفترة مضت. إن البناء السطحي أو قشرة المعاصرة التي تتغلف بها المجتمعات العربية الإسلامية لا تعكس أبداً الواقع الحقيقي للمجتمع. وعمق التراجع الحضاري لا يمكن إزالته بالمكياج المعاصر، ولابد أن يتهاوى ليظهر الواقع المرير. ومنذ عام 2003 بعد سقوط النظام في بغداد أخذت بعض الأنظمة العربية في التساقط واحداً تلو الآخر. حيث سقط صدام وبن علي ومبارك والقذافي. إن من سقط ليس إلا رمزاً من رموز الفكر البالي الذي توسل بالتحديث ليصطبغ به. لقد سقطت مرحلة صغيرة من مراحل التخلف حاولت التحديث السطحي. وسقطت جوانب تعارضت مع المعاصرة ولكن لم يسقط الفكر المتراجع بعد. وهذه هي المُشكلة الكبرى. إن من وقفوا ويقفون في أقفاص الاتهام ليسوا فقط بأشخاص بل هم أيضاً نماذج. نماذج خلقها المجتمع ذاته وضمن تقاليده ومفاهيمه. لقد فعل أولئك القادة ما فعلوه دون أن تكون هناك ردة فعل جماعية أو نقد أو رفض جماعي وقتها. ولذا فإن من وقف ويقف في قفص الاتهام هو نماذج للتخلف العربي الإسلامي الذي استمر قروناً. نماذج لموروث اجتماعي عصي على التحديث. ولكن هل سيتمكن المُجتمع المُنتفض من أن يُدرك أنه لا يُحارب إلا فِكرهُ وتقاليدهُ؟ إن المأزق هو في الواقع مأزق مجتمعات لا تستطيع أن تطور الفكر الاجتماعي من خلال ثوراتها المتتابعة ولا يمكنها أن تتطور وستبقى تعيش ثورات ناقصة ومشاكل من دون حل. إن الموروث الاجتماعي المتراجع والمتجذر أكثر عمقاً من التحولات السطحية. ومن دون تحولات فكرية اجتماعية وليست نخبوية لن تنجح أية ثورة. محمد عزالدين الصندوق كاتب عراقي ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©