الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

على خط النار 3-3

16 نوفمبر 2006 00:29
وصفت مجلة (تايم) الرئيس الباكستاني برويز مشرّف بأنه يتولى (المهمة الأكثر خطورة في التاريخ)، وهو الذي اقترب مرتين ولمسافة بضع بوصات فقط من قبره، ونجا بأعجوبة من محاولتين لاغتياله· ومن كثرة ما تعرّض للموت خلال حياته، آثر أن يطلق على نفسه لقب (القط ذو الأرواح التسعة)· وما زال حتى الآن هدفاً لنشطاء تنظيم ''القاعدة'' الارهابي بمن فيهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري· ثم إن دولة الباكستان ذاتها اقتربت في عهده مرتين من شفير حرب نووية لا تبقي ولا تذر مع جارتها اللدود الهند منذ فجرت قنبلتها الذرية الأولى عام ·1998 ويبدو من الأمور غير المسبوقة بالنسبة لرئيس دولة لا يزال على رأس منصبه، أن يؤلف مذكراته بمثل التفصيل الذي أدرجه مشرف على صفحات كتابه (على خط النار)· وهنا، وللمرة الأولى يكون في وسع قراء هذا الكتاب ذي الغلاف الأنيق، أن يطلعوا عن كثب على بعض الحقائق المتعلقة بما يسمى (الحرب على الإرهاب)، وأن يقوموا بجولة خاصة إلى مسرحها الرئيسي· ويتحدث الرئيس مشرَف في مذكراته بكل إطالة وإسهاب عن خطط ملاحقة بن لادن والظواهري والكثير من كبار أعوانهم، عارضاً بوصف مشوّق لخفايا لعبة القط والفأر التي تكررت عبر حملات عسكرية مركزة، وشارحاً ما رافقها من أحداث ومفارقات واشتباكات كان أبطالها الرئيسيون الدم ودوي الانفجارات وحطام البيوت والأكواخ · ولا يكتفي مشرّف في كتابه بالتحدث عن محاولات اغتياله الشخصية فحسب، بل وأيضاً عن المرات المكرورة التي نجا فيها من الموت لكثرة ما عرّض نفسه للأخطار خلال حياته الخاصة· وفي كتاب (على خط النار) أيضاً شرح مسهب للعمليات العسكرية الشعواء التي طالت مساحات هائلة من المناطق الجبلية التي تنتشر على طول الحدود المعقدة التي تفصل باكستان عن أفغانستان، والتي تتداخل وفق تركيب عجيب مرّة في هذا البلد وأخرى في ذاك· ثم يخوض في الحقائق العسكرية القائمة في منطقة وزيرستان التي ما زالت حتى الآن تعد المعقل الرئيسي لعمليات تنظيم ''القاعدة''· وعلى الرغم من كل هذا، فإن (الحرب على الإرهاب) ليست إلا أحد العناوين البارزة في كتاب (على خط النار)، فهو يضم أيضاً شرحاً مسهباً لمسلسل الأحداث التي أتت بمشرّف إلى السلطة عام ،1999 وهو يتعرّض إلى تفاصيل جديدة حول الصراع مع الهند بشأن كشمير والاقتراحات العملية التي تقدم بها لوضع حدّ لحالة الاقتتال الدموي المزمنة التي تسودها· كما أن بين أهم القضايا التي تناولها مشرف في كتابه، رؤيته الشخصية للعالم الإسلامي في القرن الحادي والعشرين بالإضافة الى تحليل مفصل عن نظرته نحو إسرائيل وقضايا تحرير المرأة المسلمة· وسوف يتم استعراض ملخّص وافٍ لهذه الشروح· كتاب (على خط النار) عامر بأطرف القصص والحكايا حول نشأة وطموحات مشرّف منذ طفولته وحتى الآن؛ وهو يعكس الكثير من الصور الواقعية منذ أصبحت باكستان دولة مستقلة عندما كان صبياً صغيراً لم يتجاوز سنته الرابعة· والكتاب سيتم عرضه عبر ثلاث حلقات· خيارات باكستان في الحرب على الإرهاب تأليف: برويز مشرّف ترجمة وعرض : عدنان عضيمة يعالج مشرّف في الفصول الأخيرة من كتابه الأوضاع التي آلت إليها باكستان بعد أن تسلم مقاليد الحكم عقب عزل نواز شريف· ويتساءل في الفصل السادس عشر الذي جعله تحت عنوان ''الباكستان أولاً'': (هل سبق لأحد أن قذف بك في الجانب العميق من بركة ماء؟)· ثم يجيب عن ذلك بقوله: ( لقد درج الناس على الاعتقاد بأن هذه هي الطريقة المفضّلة لتعلّم السباحة· وهذا بالضبط ما شعرت به عندما وصلت إلى القيادة العسكرية في راولندي يوم 13 أكتوبر من عام ·1999 لقد شعرت أن القدر قذف بي في لجّة بحر عميق؛ إلا أنني كنت واثقاً من شيء واحد وهو أنني لا أعتزم الغرق؛ وكنت أشعر أنني سأعمل كل ما أستطيعه في خدمة الأمة)· وكان (الانقلاب المضادّ) الذي أوصل مشرّف إلى سدة الحكم قد أثار موجة من الانتقادات على أساس أن هذا العمل يمثل بداية نهاية الإرث الديموقراطي لدولة باكستان، إلا أنه سرعان ما تبنى مجموعة قرارات إصلاحية من شأنها إزالة هذا القلق العالمي والمحلي· وفي معرض شرحه لظروف هذه الفترة العصيبة يشير إلى أنه شعر بأن من أهم أولوياته أن تبقى باكستان دولة دستورية بالرغم مما بدا من خلال الأحداث السابقة من أن النظام الدستوري والديموقراطي كان يحتاج أصلاً إلى الحماية· ويتحدث عن مفهومه للديموقراطية فيقول: (أنا اعتقد اعتقاداً جازماً بأنه ما من بلد في العالم يمكنه أن يحقق التقدم إذا تخلى عن الديموقراطية، إلا أن الديموقراطية يجب أن تبنى وفقاً للبيئة الاجتماعية والظروف الخاصة لكل دولة· وبهذا فقط يمكنها أن تكون فعّالة، وتقوي من عضد الشعب، وتدفع الحكومة إلى العمل على تحقيق تطلعات الناس)· ثم يشير بعد ذلك إلى اعتقاده من أن باكستان لم تتذوّق الطعم الحقيقي للديموقراطية منذ نالت استقلالها في 14 أغسطس من عام ·1947 وهو يضع لذلك تفسيراً حين يقول: (تكمن المشكلة الحقيقية في أنه ما من أحد على الإطلاق كان يفهم أن كلمة ديموقراطية democracy اليونانية مشتقة من كلمتين لا من كلمة واحدة؛ الكلمة الأولى هي demos التي تعني الشعب، hkratein وتعني حكم· ولهذا يمكن ترجمتها على أنها تعني بدقة حكم الشعب· ويمكن القول إن الشيء الذي بنته باكستان خلال تاريخها لم يكن الديموقراطية، بل هو حكم فئات النخبة الصغيرة التي ابتعدت كل البعد عن المفهوم الحقيقي لهذه الكلمة)· وتأتي صعوبة حكم باكستان من أن معظم فئات الشعب ما زالت تعمل بالعقلية القبلية، والنجاح في الانتخابات هناك لا يدل إلا على التفوق العددي لقبيلة على أخرى، وسبق أن أدت هذه الحقيقة المرّة إلى انفصال باكستان الشرقية عن البلد الأم ونشأت بذلك دولة بنجلاديش المستقلة· هناك أيضاً مشكلة الجغرافيا التي تخللها الجبال والهضاب الشاهقة والمتداخلة التي تمثل الحدود المشتركة مع دولة أفغانستان المجاورة· وتحكم هذه المناطق قبائل تتداخل أصولها بين البلدين حتى يكاد المفهوم المتفق عليه للحدود السياسية السياسية الدولية يختفي تماماً· وبالطبع، كان لهذا الوضع أثره الكبير على الطبيعة الاستراتيجية للحرب على الإرهاب· اليوم القدري بالرغم من المسافة الشاسعة التي تفصل باكستان عن الولايات المتحدة، إلا أن حادث تفجير برجي المركز التجاري العالمي في نيويورك في 11 سبتمبر من عام ،2001 مثّل بالنسبة لهذا البلد، زلزالاً سياسياً له تأثير صاعق ودائم· وبين عشيّة وضحاها، وفي لحظة قدريّة لم يكن مشرّف يضع لها حساباً على الإطلاق، وجدت الحكومة الباكستانية نفسها وقد أصبحت بين سندان الثورة الأصولية التي تقودها القوى المتطرفة تحت قيادة تنظيم القاعدة وحركة الطالبان من جهة، ومطرقة الحملة الانتقامية الأميركية من الجهة الأخرى· يقول مشرّف إنه سبق له أن نجا من العديد من حوادث الطائرات دون أن تترك في نفسه الأثر الكبير؛ إلا أن أحداث طائرات 11 سبتمبر المخطوفة في أميركا، غيّرت طريقته في حكم البلاد وأسلوب تعامله مع الحياة ذاتها· وهو يتذكر أنه كان في تلك اللحظة يراقب أعمال التنظيف في الحديقة التي دفن فيها مؤسس الدولة محمد علي جناح حين جاء مساعده العسكري وهمس في أذنه بخبر هذا الحادث الكبير· ولقد ذكره ذلك بحادث طائرة الإيرباص التي كان يستقلها قبل عامين حين همس بأذنه مساعده ليخبره بأن قائد الطائرة تلقى أمراً بإبعادها إلى خارج المجال الجوي الباكستاني في محاولة من نواز شريف لعزله من منصبه كقائد للجيش· ظنّ مشرّف من أول وهلة أن الأمر لا يعدو أن يكون حادثاً عادياً لارتطام طائرة تدريب صغيرة بمبنى· وعندما أسرع لمشاهدة تفاصيل الحدث على (قناة سي إن إن)، لم يصدق عينيه؛ إذ سرعان ما شعر بضخامة المأساة وراح يفكر بما سيتبعها من أخطار كبرى· لقد أصيبت أقوى دولة في العالم في أعماقها واهتزت رموزها بضربة إرهابية واحدة، فهم مشرف منذ أول وهلة أن الولايات المتحدة سوف تعمد على التوّ إلى إطلاق حملة انتقامية مركزة، وبضربات تشبه خبطات أرجل الدبّ· وإذا ما ثبت من أن تنظيم القاعدة هو الذي يقف وراء هذا الهجوم، فسوف تكون أفغانستان وباكستان هدفاً لانتقام أميركي وشيك وأعمى· لقد غيّرت هذه الضربة الإرهابية العالم أجمع، والباكستان بوجه خاص· خيارات مرّة يتحدث مشرّف فيما بعد عن السرعة العجيبة لتعاقب الأحداث بعد ذلك· ففي اليوم التالي تلقى مكتبه اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأميركي كولن باول قال له فيه بلغة حاسمة واضحة تبطن الكثير من معاني التهديد والوعيد : (إما أن تكون معنا أو ضدنا)· وردّ مشرف على تهديد ''باول'' بتذكيره بأن باكستان كانت حليفاً دائماً للولايات المتحدة ضد الإرهابيين وأنها هي ذاتها تعاني من شرورهم· وفي اليوم التالي، تلقى اتصالاً هاتفياً من قائد الاستخبارات الباكستانية الذي تصادف وجوده في واشنطن، حدّثه فيه عن مقابلة أجراها مع ''ريتشارد أرميتاج'' نائب وزير الخارجية الأميركي مؤكداً له أن أرميتاج خرج تماماً عن الأصول الدبلوماسية حين أضاف إلى تساؤلات باول السابقة حول ما إذا كانت باكستان مع أميركا أو مع الإرهاب، تهديداً جديداً من أنه إذا اختارت باكستان الانحياز إلى صف الإرهابيين فسوف يتولى الجيش الأميركي قصفها حتى يعيدها إلى العصر الحجري· مع هذا الوضع الحسّاس، عمد مشرّف إلى البدء بدراسة تحليلية معمقة للأوضاع، وراح يقلّب في الخيارات المطروحة أمامه آخذا كل شاردة وواردة بعين الاعتبار، وشعر أن أهم ما يتحتم عليه معالجته ودراسته بجدّ هو هذا التهديد الأميركي المفاجىء، وخاصة بسبب ما اتضح له من أن الولايات المتحدة عازمة على تنفيذ تهديدها والضرب بقوة· يقول مشرّف إنه عمد بعد ذلك إلى اتخاذ القرار الذي يضمن له الحفاظ على سلامة الشعب والدولة الباكستانية؛ متقيّداً بشعار (الباكستان أولاً) الذي يمثل بالنسبة له برنامج عمل لا يمكنه أن يحيد عنه أبداً، لم يغب عن باله أن يطرح على نفسه التساؤل المهم التالي: ماذا يمكن أن يحدث لو وقفنا في الصف المعادي للولايات المتحدة في هذه الحرب التي أوشكت على خوضها ؟· فكان الجواب واضحاً بالنسبة له: سوف يكون ردّ الفعل الأميركي قوياً وغاضباً· ثم يخلص من ذلك إلى النتيجة التالية: (وكان الخيار الوحيد أمامنا هو الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة)· يطرح مشرّف على نفسه سؤالاً آخر في هذه المعضلة الحسّاسة: وإذا اخترنا رفض التعاون مع الأميركيين؛ فهل يمكننا أن نتحداهم، أو نصمد أمام رد فعلهم ؟· وكان جوابه: كلا، نحن لا نستطيع ذلك لأسباب ثلاثة· يكمن أولها في الضعف العسكري لباكستان بالمقارنة مع القوة العسكرية للولايات المتحدة· وسوف تكون لهذه الحرب نتيجة مؤكدة: الدمار الكامل للقدرات العسكرية الباكستانية· فيما يكمن السبب الثاني في الإمكانيات الاقتصادية الضعيفة للباكستان· فهي لا تمتلك الاحتياطي النفطي الكافي لخوض الحروب، كما لا يمكن لاقتصادها أن يتحمل عواقب خوض حرب طويلة مع الولايات المتحدة· أما السبب الثالث وهو الأسوأ من كل ذلك، هو الحالة الاجتماعية للشعب الباكستاني· ويقول مشرّف في هذا الشأن: (نحن نفتقد ميزة التجانس الاجتماعي الضروري لتعبئة الأمة لخوض صراع فعّال طويل الأمد، ولهذا فإننا غير قادرين على إدارة مثل هذا الصراع العسكري مع الولايات المتحدة وفقاً لأي مبرّر من المبررات)· ولم يكن هذا الطرح الذي راود الرئيس مشرّف في تلك الأيام العصيبة إلا جزءاً من تحليل أعمق وأكثر شمولاً للموقف العام من النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية، فلقد عمد بعد ذلك إلى النظر إلى ما هو أبعد من مناقشة الوضع الداخلي للباكستان· وكانت قضية مستقبل الصراع مع الهند أول ما قفز إلى ذهنه في هذه الخلوة السياسية الحساسة التي عقدها مع نفسه· وهو لا ينسى أبداً كيف حاولت الهند مراراً وتكراراً استمالة الولايات المتحدة وخطب ودّها بمنحها حق إنشاء القواعد العسكرية على أراضيها· وإذا ما قررت الباكستان الانضمام إلى الصف المعادي للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب، فسوف تقبل بالعروض الهندية السخيّة· ثم يتساءل: ما الذي سيحدث بعد ذلك ؟· ويجيب: سوف تكون الهند قد استفادت من فرصة ذهبية في كشمير· ولا شك أن الولايات المتحدة سوف تدعم المساعي الهندية للاحتفاظ بكشمير باستخدام تأثيرها القوي على الأمم المتحدة· والنقطة المهمة الثانية في هذا التحليل تكمن في أن الباكستان لا تريد التخلي عن حالة التوازن العسكري مع الهند بعد أن تحولت إلى دولة نووية، ولم يعد سرّاً أن الولايات المتحدة لم يسبق لها أن تعرّضت من قبل لتحدّي دولة إسلامية تمتلك الأسلحة النووية؛ ولا شك أن الأميركيين يتحيّنون مثل هذه الفرصة النادرة لتدمير هذه الأسلحة· ولقد يكون من المؤكد أيضاً أن الهند ستقدّم كل الدعم للولايات المتحدة لو شرعت في تنفيذ هذه المهمة· وتتعلق ثالث هذه النقاط بأن البنى التحتية الاقتصادية لدولة الباكستان والتي استغرق بناؤها أكثر من نصف قرن، سوف تتعرض لدمار شامل ومؤكد· ويضيف مشرّف إلى هذا التحليل قوله إنه وجد نفسه بعد ذلك أمام سؤال مصيري آخر: هل من مصلحة دولة باكستان أن تدمّر نفسها من أجل دعم الطالبان؟· وكان الجواب الذي لا جدال فيه: (كلا)· القرار الأخير يعدّد مشرّف بعد ذلك الميزات والعوائد التي يمكن أن يجنيها من دعمه للولايات المتحدة فيشير إلى أنها كثيرة ومتشعّبة· أولها، أن ذلك سوف يساعد الباكستان على استئصال جذور التطرّف من المجتمع الباكستاني ويخلّص البلاد من شرور الإرهابيين المندسّين في أعماقه، وهذا ما لا يمكن للدولة أن تنجزه بمفردها، لأن الباكستانيين يحتاجون إلى الدعم التقني والمادي من الولايات المتحدة للعثور على الإرهابيين ودحرهم· ولقد كانت باكستان ذاتها ضحية إرهاب جماعات الطالبان والقاعدة خلال السنوات الماضية· وكانت الحكومات الباكستانية المتعاقبة مفرطة في ترددها وتساهلها مع الجماعات الدينية المنظمة التي دأبت على إشاعة التطرّف والعصبية في البلاد· وفيما آثر الرئيس الراحل الجنرال ضياء الحق محاباتهم وتقديم الدعم السياسي لهم، فلقد اختار نواز شريف أن يلعب معهم دور (أمير المؤمنين) أو (الإمام)، فيما اختار مشرّف أن يطلق أول حملة واسعة لمحاربتهم والقضاء عليهم·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©