الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

تستقبل زوار مهرجان الشيخ زايد التراثي.. المجالس والقهوة العربية ضيافة "إماراتية" منذ زمن الأجداد

تستقبل زوار مهرجان الشيخ زايد التراثي.. المجالس والقهوة العربية ضيافة "إماراتية" منذ زمن الأجداد
19 ديسمبر 2018 02:00

أشرف جمعة (أبوظبي)

تحتفظ البيئة الإماراتية بتقاليدها العريقة، فهي جزء أصيل من حياة الآباء والأجداد، وعلى امتداد التاريخ ظل هذا الوهج التراثي يحمل مفردات أصيلة في الحياة، حيث شكل المجلس مظهراً من مظاهر الضيافة الإماراتية، عبر الجلسات التي تجمع الكبار والصغار، وتشكل فضاء رحباً من العلاقات الإنسانية، وتأتي القهوة العربية لتزين هذه المجالس بآدابها وحكاياتها التي تنسجها في هذه الجلسات السامرة.
واحتضن مهرجان الشيخ زايد التراثي الألوان الخصبة من الموروث الشعبي الإماراتي لتتناقلها الأجيال، وتتعرف في الوقت ذاته إلى الحياة القديمة بصورة حية تستحضر الماضي العتيق.

مواصفات المجلس
تندرج المجالس ضمن الحياة الاجتماعية ومظاهر التكافل والتواصل وعادات الضيافة والكرم بين أبناء الإمارات، حيث يتناقشون في أمور حياتهم، ويتناقلون الأخبار والحكايات، ويسمى المجلس وفق هذه المواصفات بـ «البرزة»، ويحق لكل فرد من أفراد المجتمع أن يحضر هذا المنتدى الاجتماعي ويدلي بوجهة نظره، وصاحب المجلس مسؤول عن كل نفقات المضيف من أمواله الخاصة، وفي بعض الأحيان يحدث تعاون من أجل سد هذه النفقات، وتنتشر هذه المجالس في العديد من الدول الخليجية، وتسمى بأسماء مختلفة، ففي الكويت تسمى «الديوانية»، وفي السعودية «المجلس»، بينما يطلق على مجلس البدو اسم «بيت الشعر»، أما في الإمارات، فيطلق عليه اسم «البرزة» أو «المرمس» أو «الميلس» باللهجة الإماراتية.
ولأن المجلس يحظى بكل هذه القيم الاجتماعية، كعنصر مهم من عناصر التراث في الإمارات، فقد تم إدراجه في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في اليونسكو.

خصائص مميزة
حظيت المجالس باهتمام أبناء الإمارات منذ زمن بعيد، لما لها من مكانة في تحقيق التواصل بن أبناء المجتمع، وحرص أصحابها على الاهتمام ببنائها وزخرفتها وتأثيثها، وإعطائها مكاناً مميزاً من المنزل، إذ يبنى المجلس بمدخل مستقل عن بقية أجزاء البيت، وله باب خارجي، حتى يوفر الحرية للنساء أثناء الدخول والخروج من البيت بعيداً عن أنظار الزائرين. وانعكست البيئة الإماراتية بمواردها الطبيعية على بناء المجلس، وتجهيزه بالأثاث، فكان قديماً لا يتعدى عند عامة الناس حصير الخوص، وبعض المساند المطرزة وجرة الماء، وصندوقاً لوضع الدلال والفناجين، أما مجالس الشيوخ والتجار فكان الأثاث فيها أكثر فخامة، حيث عرفت الأرائك والسجاد والستائر الفخمة.
وقد يكون المجلس أو «المضيف» عبارة عن بيت من الشعر يقع في منتصف الحي «الفريج»، أو خيم البدو، وقد يكون في أبسط حالاته عبارة عن حظيرة محاطة من ثلاث جهات بأغصان أشجار السمر، والغاف وغيرها لتقيه من الرياح والرمال، كما قد يكون المجلس في ظل إحدى أشجار الغاف الكبيرة المتميزة بظلها الوارف، والتي يلجأ إليها القوم وقت القائلة أي بعد الظهر، ولذلك علاقة بطبيعة البدوي العاشق للطبيعة والخلاء بمكوناتها: البر، والقمر، والنجوم.

المجالس أنواع
مجالس أهل الساحل: غالباً تبنى من الجص والطين، أو العريش، أو على شكل مظلة يجلس تحتها الرجال، وقد يكون المركب «المحْمل»، عبارة عن مجلس للغواصين بعد أن يفرغوا من عمليات الغوص، وفي هذا النوع من المجالس ينصب الحديث على أنواع السفن، وعمليات الصيد أو الغوص، ومشاقها، وعمليات البيع، وتجارة اللؤلؤ، وغير ذلك من الموضوعات التي تهمهم، أما مجالس أهل البادية، فهي نوعان، مجالس تقام في العراء يسميها البدو «الحظائر»، حيث يجلسون في الهواء الطلق حول شبّة النار ودلال القهوة، ومجالس بيت الشعر، التي تقام في خيمة مصنوعة من الشعر. وهناك مجالس أهل الحير.. ويقصد بالحير الصحراء الجبلية في الوديان والسهول والجبال، فأهل هذه المناطق لهم مجالسهم الخاصة التي تعنى بشؤون حياتهم لاسيما أماكن وجود العسل، وتجمع الظباء، ورعي الأغنام والماعز، وأماكن وجود الضباع والذئاب إضافة لتبادل الأحاديث حول الوديان، ومنابع المياه، والسيول.

حكايات وأشعار
انعكست المهن التي مارسها سكان الإمارات على مجالسهم، وعلى نوعية الأحاديث بها، فكانت هناك مجالس خاصة بتجار اللؤلؤ أي «الطواشين»، ومجالس للصيادين، وأخرى للمهتمين بالقنص، كما ظهرت مجالس خاصة بالعاملين في مجال الفنون الشعبية، ومجالس للشعر، ومجالس التجار التي تتميز بأنها مفتوحة للجميع وبخاصة للعاملين في مهنة الغوص طلباً لتمويل رحلاتهم، وعائلاتهم بالمواد الغذائية الأساسيّة من أرز وطحين، وقهوة، وغير ذلك، كما تميزت بنشاطها الملحوظ في مواسم الغوص بحثاً على اللؤلؤ، خاصة في موسم «القفال» أي نهاية موسم الغوص، وذلك للتفاوض على أسعار اللؤلؤ، وعقد صفقات البيع.
كما كانت تنشط في شهر رمضان، وبعد صلاة الجمعة، حيث يتجمع التجار في منزل أحدهم لتناول وجبة الغداء، وتبادل الأحاديث ذات الصلة بعملهم، خاصة عندما تدب خلافات بن الأطراف المشاركة في عمليات الغوص، أو بينهم وبين التجار، كما كانت تتناول أخبار البحر، والحكايات المتعلقة بالأخطار التي كان يواجهها الغواصون وقواربهم، وكانت هذه الجلسات لا تخلو من السمر، والترفيه، والأشعار، والحكايات، والألغاز، وغير ذلك من الفنون.


ومجالس القضاء تخصصت في القضايا والمسائل الشرعية، وعرف مجتمع الإمارات العديد من هذه المجالس، والتي عرفت بأسماء العديد من القضاة، ولم يقتصر دور هذه المجالس على فض النزاعات والحكم في القضايا المختلفة بل أسهموا في نشر الوعي الديني، وتدريس العلوم الشرعية، وكانت أبواب مجالس القضاة، تفتح من الصباح الباكر حتى موعد صلاة الظهر، ثم تفتح من جديد بن صلاتي العصر والمغرب.
ورسّخت إمارة أبوظبي فكرة المجالس ودورها البنّاء في تعزيز مفهوم الولاء والانتماء للوطن، وتوثيق التلاحم الوطني بين القيادة والشعب، بإنشاء ثلاثين مجلساً، تتوزع في أرجاء متفرقة من الإمارة، وقد تجلّت الجوانب الإيجابية لهذه الخطوة في استقطاب مختلف شرائح أبناء المجتمع، ما أسهم في إيجاد حلول ناجعة وإبداعية للكثير من القضايا والمشكلات الطارئة، وفي تعزيز الدور التشاركي، والتشاوري المباشر بن القيادة والشعب.

القهوة العربية
تعد القهوة العربية في الإمارات، كما في سائر الدول الخليجية، عنواناً للكرم الذي يحرص عليه أبناء الإمارات، حتى أصبحت ضيافتها تقليداً وطنياً أصيلاً، وأحد رموز الشخصية الإماراتية في كل مكان. وليس أدل على أهمية القهوة ورمزيتها الخالدة في التراث الإماراتي والخليجي الأصيل من أنها العنصر الثابت على المائدة في الحل والترحال، وأن رائحتها التي تبعث في النفس الانشراح، والراحة والرضا تجذب القاصي والداني، حتى قيل إن إكرام الضيف يبقى منقوصاً من دونها، ولو قدم له صاحب البيت ذبيحة كاملة، إضافة لحقوقه الأخرى المتعارف عليها في المجتمع، ومنها الاستقبال بحفاوة، وحسن الوفادة، والإكرام المناسب، وقد ذهبت التقاليد والأعراف بعيداً في إعطاء القهوة مكانة اجتماعية مميزة عندما جعلت شرب فنجان القهوة دليلاً على التسامح والتصالح بن المتخاصمين، وإقراراً بتلبية المطالب التي اتفق عليها، ذلك لأن الخروج دون شرب فنجان القهوة دليل على استمرار المشكلة موضوع الخلاف، كما أنه أمر معيب بحق صاحب البيت، وقد تم إدراج عنصر القهوة العربية في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية باليونسكو في ديسمبر 2015.

إعداد القهوة
تبدأ عملية إعداد القهوة في الغالب صباحاً، ويمكن أن تتم في أي وقت آخر، بتجهيز أدواتها اللازمة من دلال، وقدور، وفناجين، ومحماس، وغيرها وهي ما تعرف بـ «السلة أو المعاميل».
وقديماً كان البدو يحفرون حفرة دائرية الشكل غير عميقة، تحيط بها ثلاث حصيات توضع عليها الدلة بعد إشعال الحطب في هذه الحفرة، وذلك للمحافظة على القهوة ساخنة، تقدم للحضور في كل حين، وفيما بعد عرف ما يسمى بـ «الكوار»، الذي يبنى في إحدى زوايا المجلس من الطين، ثم يلبس بالحصى، ويبطن بصفائح من الحجر الأملس ليكون موقداً توقد فيه نار القهوة، وبجانبه مكان مخصص لجلوس الشخص الذي يُعد القهوة، ومستودع صغير لتخزين الحطب يُطلق عليه «بيت الحطب».


ولإعداد القهوة، يتم فرز حبات القهوة، واستبعاد غير المناسب منها، ثم غسلها وتجفيفها، يلي ذلك تحميسها بوضع كمية من البن في «التاوة»، ومن ثم وضعها على النار، وتحريك البن بأداة تسمى «المحماس»، وهي مقبض طويل رأسه على هيئة هلال، حتى تميل حبات البن إلى اللون الأحمر دلالة على أن القهوة وصلت إلى المرحلة النهائية، حيث الطعم المميز الذي يرنو إليه الجميع وبعد ذلك توضع في المنحاز أو الهاون، أو النجر، لطحنها وتنعيمها، وقديماً كان يستخدم لطحن البن «نجر الحجر»، وهو عبارة عن صخرة لها سطح مربع واسع، وقاعدة صغيرة، توضع بجانب «الكوار»، ويصاحب طحن البن في النجر صوت جميل يتماهى مع رائحة خاصة تملأ المكان، ثم يوضع البن بعد دقه أو طحنه في دلة كبيرة، وكانت القهوة توضع قديماً فيما يسمى «الزمزميّة»، وهي إناء من الفخار يحافظ على حرارتها، وطعمها، ولونها، أما الآن فتوضع في سخان أو «دلة» لهذه الغاية. أما الماء الذي يضاف للبن المطحون فيجب أن يكون نظيفاً لذلك يحرص البدو على حفظ ماء القهوة في قربة خاصة. أما الملقاط فهو أداة من الحديد على شكل قضيب يستخدم للإمساك بالجمر وإخراجه خارج الموقد، ولتحريك الجمر داخل الموقد وتوزيعه.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©