السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البحث عن نجمة إسرائيل المحترقة

البحث عن نجمة إسرائيل المحترقة
28 أغسطس 2013 20:11
يظن نير بالدي أن الوقت قد حان كي يروي لنا شيئاً عن “وطنه”. ولأن الكثير من ظلال الشك والسواد يحيطان بحكايته، يجد بالدي أن أفضل الأشكال المسرحية لتقديم “موضوعه” الحافل بالمتناقضات المثقلة بالارتباك والحزن، هو المسرح الغنائي النقدي التهكمي، المصطلح على تسميته بـ”مسرح الكباريه السياسي”. وبدعم من “مجلس الفنون” و”المجلس البريطاني” في لندن، وجهات أخرى معنية بالفنون خارج بريطانيا، يطور بالدي قصة شخصية ـ عائلية، في مسرحية يختار لها اسم “أغنية راقصة عن النجمة المحترقة” Ballad of the Burning Star، ويشارك بها في الاحتفالية الموازية في الدورة الجديدة لمهرجان “إدنبرة” الدولي لعام 2013، الذي بدأ فعالياته، في عاصمة إسكتلندا، منذ التاسع من أغسطس، ويختتمها في الأول من سبتمبر المقبل. نير بالدي كاتب وممثل ومخرج، من مؤسسي فرقة “آد ـ إنفينيتوم” Ad-Infinitum المسرحية (مسرح بلا نهاية) التي تتخذ من لندن العاصمة البريطانية، و”تورينتو” الكندية مقراً لها.وقد وضعت عبارة “وطنه” بين أقواس ليس لأنه ولد في مستعمرة شيدتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1977، في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة فحسب، بل أيضاً لأن “الوطن” كان، ولا يزال، محل شك لدى بالدي. في ربيع العام الماضي وقع بعض المثقفين والفنانين البريطانيين رسالة، نشرتها صحيفة “الجارديان” تدعو إلى مقاطعة فرقة “هابيما الإسرائيلية عندما علموا بأنها ستشارك بمسرحية “تاجر البندقية” في الاحتفال العالمي بشكسبير الذي أقيم على هامش “أوليمبياد” لندن الصيف الماضي. جاءت الدعوة إلى المقاطعة بسبب تقديم تلك الفرقة لعروضها في مستوطنات يهودية غير شرعية أقيمت في أراضٍ محتلة. وفي تعليقه على دعوة المقاطعة قدم بالدي نفسه باعتباره “إسرائيلياً يعتز بأنه يقيم ويعمل في لندن، وعنده إحساس مرتبك جداً فيما يتعلق بجنسيته الإسرائيلية”، يتفق مع الموقعين على رسالة المقاطعة “حول رغبتهم وضع نهاية للاحتلال البغيض”، مؤكداً أنه “ليس ضد المقاطعة كـ “مفهوم أو فكرة” لكنه يرى أن الرقابة على الفن “بهذه الطريقة فعل من أفعال الكراهية”، وأن الكراهية “هي آخر ما نحتاجه في الشرق الأوسط”. يعتقد بالدي أن الداعين إلى المقاطعة “لا يختلفون عن الحكومة الإسرائيلية التي أجبرت الفرقة المسرحية، نفسها، على العرض في الأراضي المحتلة، واستخدمتها كرقعة شطرنج في لعبتها السياسية”. وهنا يطل السؤال: وماذا عن دولة الاحتلال البغيض وتاريخه الأسود؟. على إيقاع “كامب ديفيد” قبل لحظات من رفع الستار، داخل إحدى قاعات مبنى “بيليزانس” العريق بقبته الشهيرة، وسط مدينة “إدنبرة” القديم، جاء الصوت واضحاً محذراً من احتمال وجود إرهابي داخل القاعة، يحمل قنبلة يدوية. سرعان ما يدرك الحضور أن التحذير ليس سوى بداية لها دلالة للمسرحية، عندما يأتي الصوت مجدداً، هادئاً، هذه المرة، ومعرباً عن ظنه أن الوقت قد حان لكي يحكي شيئاً عن “إسرائيل”. مع دقات متسارعة على الطبول، تحيلك إلى إيقاعات تقديم عروض “السيرك” البهلوانية، وتنتهي بطرقة نحاسية حاسمة، ينفرج معها الستار قليلاً عن فتاة ترتدي السواد كاشفة، كالعابثات، عن كتفها الأيمن. فور أن تفتح فمها وتسمع صوتها الأجش تكتشف أنها رجل في زي و”ماكياج” امرأة. يؤدي بالدي هذه الشخصية “بينما يطلق على عازف الطبول، الموسيقي البريطاني آدم بليث، اسم “كامب ديفيد”. يعد الرجل/ المرأة من 1 إلى 4، فتقتحم مجموعة من 5 فتيات المسرح ويبدآن العرض برقصات استعراضية على موسيقى وإيقاعات “كامب ديفيد” تبدو وكأنها “مارشات عسكرية لأغنية من كلمتين متكررتين “الشمس تشرق”، تنتهي بصرخة وتعبيرات من الوجوه جامدة تتراوح ما بين الدهشة والخوف. يعود الرجل/ المرأة إلى العد مجدداً لتبدأ رقصة أخرى بلا كلمات تنتهي بصرخة يعقبها بكاء وكورس ينشد وكأنه يستغيث بصوت جماعي شبه مكتوم: “المنزل يسقط في الظلام.. المنزل يسقط”. تتوالى مشاهد الأغنية الراقصة (1)، للنجمة المحترقة أو الملتهبة، ينضم ولد صغير، يسمى “إسرائيل”، إلى الجوقة الراقصة “النجيمات الخمس” في زيهن العسكري النسائي الفاضح، بلونيه الأسود والذهبي، وهن يدافعن عن العائلة والأصدقاء، لكنهن كثيراً ما يطاردن “الصبي” ويعترضن طريقه، في مختلف مراحل حياته المضطربة. يتبين، منذ البداية أن “المرأة”، صاحبة الصوت الرجولي الأجش مقدمة العرض، هي “النجمة” التي يتزايد استبدادها وضغطها على الجميع. وعلى مدار ما يقرب من 70 دقيقة، هي زمن العرض، تتوالى اللوحات في مشاهد معنونة مثل: أغنية الاضطهاد، صراع داخلي، و”صفعة الدعاية”. تاريخ مختزل ومألوف يبدو أن نير بالدي المسرحي الإسرائيلي المقيم في لندن قد أصبح ساخطاً على “الأوضاع” فقرر أن يرتدي زياً للسهرة، وحذاء بكعب عالٍ وخرج باحثاً عن أمل، مسلحاً بالموسيقى وقوة من المغنيات الراقصات، وقصة يقدمها في لوحات هزلية متهكمة، عن الاضطهاد والضحية والعدوان والحب. تبدو فكرة العمل مستندة إلى سيرة ذاتية، عائلية، تتأمل الحروب الإسرائيلية ـ العربية والعنف وتسعى لاكتشاف هوية. سبق للمسرحية أن قدمت، وبشكل مسرحي مختلف، قبل أكثر من عام على مسرح “إيزلنجتون” بشمال العاصمة البريطانية، وقد اعتبر هذا العرض بمثابة تجربة راح بالدي بعدها يبحث عن شكل آخر، أكثر إبهاراً. وللتخفيف من ثقل موضوعها استقدم جوقة الفتيات الراقصات المغنيات الممثلات من أكثر من بلد، ولجأ إلى أنماط “الكباريه” السياسي لكي يعرض، وكما يقول، “رحلة مأساوية متفجرة إلى الأراضي المقدسة”. بقيت الفكرة مستندة إلى السيرة الذاتية أو تجربته الشخصية، لكنه استعان بروايات جنود، من جيش الاحتلال الاسرائيلي، أدلوا بشهاداتهم إلى منظمة تطلق على نفسها اسم “منظمة كسر الصمت” (2). لا شك في أن العمل توافرت له إمكانات معتبرة، ويكشف عن مهارات لافتة في الأداء وتصميم الرقصات والقدرات التعبيرية والصوتية والجسدية والأزياء واستخدام تقنيات المسرح، وغير ذلك من عناصر فنية، لكن كل هذا الإبهار جعل التركيز ينصب على النمط والأسلوب، بدلاً من الجوهر. لا شك أيضاً في أن استقبال مثل هذه الأعمال “الدرامية” يختلف باختلاف طبيعة المستقبِل أو المشاهد المتلقي، وتوجهاته ومواقفه. وبعيداً عن “التوجهات الشخصية”، من المؤكد أنه لا يمكن تقديم الصراع الإسرائيلي ـ العربي، بشكل مسرحي دقيق وكلي، فالموضوع، وبإعمال أقصى درجات الاعتدال، مفعم بالتاريخ وبالتعقيدات، التي لا يمكن حلها أو سبر أغوارها، في عرض مسرحي مدته 70 دقيقة، وإن كان بالإمكان القول إن العمل نجح في تجسيد نقد لاذع تهكمي مهاجم لبعض “التابوهات” أو “المحرمات” الإسرائيلية عند الاقتراب من بعض الأسئلة المحورية حول الاحتلال الإسرائيلي و”العنف” الفلسطيني، متبنياً، في الوقت ذاته الدعوة إلى قليل من التعاطف، باعتباره يوفر الكثير، وفكرة أن الخوف الموروث بين الجانبين هو سبب استمرار الصراع والحرب، وهو الخوف الذي يمثل أمام المشاهد مع بدء المسرحية والصوت الذي يحذر من احتمال أن يتمكن أحدهم من الدخول إلى المسرح حاملاً قنبلة يدوية، ويستمر الخوف ماثلاً عند الاقتراب من “المحرمات” والأسئلة عن الاحتلال والعنف، ويتصاعد مع تزايد استبداد “النجمة” ومطاردات “النجيمات” التي لا تسلم من مضايقات “النجمة” وإذلالها لهن برغم ما يمارسنه، بأنفسهن، من تمييز واضطهاد، ولصالحها. انتقاد ساخر مغاير عرفت “دولة الاحتلال الإسرائيلي” المسرح الانتقادي الساخر في أعقاب حرب الأيام الستة في يونيو عام 1967، عندما ظن قادتها أن قادة العرب سيأتون إليها، فور صمت المدافع، طلباً للسلام. وعندما طال الانتظار، بعض الشيء، بدأ الإحساس يغمر بعض كتاب المسرح بأن دائرة الحروب لن تغلق ولن تأتي أبداً بالأمن والأمان إلى دولتهم البالغة من العمر وقتها 19 عاماً، والتي ما كانت لتقوم لولا “تمكين بريطاني” استمر لسنوات طوال، هي سنوات “الانتداب” في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ودعم عالمي قديم لفكرة صهيونية غربية الأصل والتبني، وحديث للدولة بعد التأسيس. كان القالب الغنائي الاستعراضي دائماً هو النمط المسرحي الأمثل للتعبير عن هذا النقد الساخر، وقد ترسخ هذا النمط في أعقاب حرب عام 1973، مع وطأة الهزيمة وانهيار “المتوقع”، ألا وهو الحفاظ على ما حققته حرب الأيام الستة عام 1967، من احتلال لأراضي الغير بالقوة. انتماء “أغنية راقصة للنجمة المحترقة” إلى هذا النمط المسرحي هو انتماء من ناحية الشكل فقط، وليس المضمون أو الفكر. حيث يعبر نير بالدي عن فكر مغاير وإن كان قد خاض كثيراً في “الاضطهاد” المألوف في التاريخ اليهودي القديم، خاصة في أوروبا الشرقية وبعض مناطق الغرب الأوروبي، حيث تعود “النجمة” و”النجيمات”، عند تجسيده في لوحات، إلى القرن الثاني عشر الميلادي. همسة خارج العرض نجح بالدي في تضفير تجربة شخصية في عمل جريء جوهره البحث عن هوية تبدو مرتبكة بفعل تحول “الضحية” والمضطهد تاريخياً، إلى محتل غاصب جائر قامع في الزمن المعاصر وإلى الآن. خارج العرض تستمع إلى بعض تعليقات لافتة. هناك من يعيب عليه تقديم مسائل الاضطهاد التاريخي والصراع الداخلي في أغنيات راقصة “لعوبة” ركزت على الإبهار و”ليس على الحقائق المجردة” لقضايا معقدة للغاية. هناك أيضاً من اعتبر أن الفكر المغاير في العمل الذي كتبه وأخرجه يضعه تحت عنوان “المسرحيون الجدد”، على غرار “المؤرخون الجدد” في إسرائيل، وفي إشارة بالاسم إلى “إيلان بابيه” Illan Pappe، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر المقيم حالياً في بريطانيا، ويعمل في جامعاتها بعد هجمة اضطهاد شرسة لاحقته في “أرض الميعاد” بسبب نشره دراسة تستند إلى الوثائق وروايات شهود العيان القادة والجنود الذين شاركوا ونفذوا حملة التطهير العرقي لفلسطين (3)، والتي أطلق عليها اسم “الخطة دالت”، وكان أول من أشار إليها هو المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي، لكن “بابييه”، وباعتباره من المؤرخين الجدد المؤمنين بضرورة الاعتراف بالتاريخ الحقيقي وكشفه، عمل على التوثيق التفصيلي لهذه الخطة التي وضعت لمساتها الأخيرة في العاشر من مارس عام 1948، وشاركت فيها الوحدات العسكرية اليهودية المعروفة باسم “الهاغاناه”، مع قوات منظمة “إرغون” وعصابة “شتيرن”. كان هدف الخطة “دالت” هو القتل والترهيب والطرد المنهجي للفلسطينيين من مناطق واسعة في فلسطين. وتضمنت أوامر التنفيذ وصفاً مفصلاً للأساليب الممكن استخدامها لطرد الناس بالقوة من: إثارة رعب واسع النطاق، محاصرة وقصف قرى ومراكز سكانية، حرق منازل وأملاك وبضائع، هدم، وزرع ألغام وسط الأنقاض لمنع السكان المطرودين من العودة إلى منازلهم. لا تصح المقارنة بين جهد بحثي أكاديمي قام “إيلان بابيه”، وأسفر عن عمل وثائقي جاد وكاشف، وما قدمه نير بالدي من عمل مسرحي مغاير للسائد إسرائيلياً. الأول يعري ويفضح المسكوت عنه، الخاضع للطمس والتزييف، والثاني يريد اكتشاف أزمة الهوية التي تواجهه لأنه تربى كيهودي إسرائيلي على عقدة الاضطهاد واعتقاد أن كل من هو غير يهودي هو ضد اليهود وأن محرقة أخرى “هولوكوست” على وشك أن تحدث. “هوية الضحية حاضرة في كل مكان تتجه إليه وما نتحدث عنه نادراً هو أن إسرائيل دولة احتلال وأننا نمارس الاضطهاد، وهذا يجعل الإسرائيلي يشعر بتناقض عميق ومتجذر حالك الظلام” (4). وهذا هو الموضوع الذي اقتربت منه “النجمة المحترقة” بشكل هزلي يوظف عناصر مسرح الكاباريه السياسي و”النكتة” المتفائلة والأداء الإسقاطي زاعق الألوان لإيجاد تضاد يخفف من العناصر المأساوية عن واقع غاية في التعقيد، ومن وجهة نظر محددة. هوامش: (1) Ballad تعني أيضاً الأغنية الشعبية، و”قصيدة قصصية”. واخترنا أغنية راقصة نظراً لمحتوى وطبيعة العرض المسرحي. (2) من حديث لنير بالدي عن العمل على الموقع الإلكتروني للفرقة المسرحية. (3) الدراسة نشرت في كتاب بعنوان “التطهير العرقي في فلسطين”The ETHNIC CLEANSING of PALESTINE ، (4) من حديث لبالدي ـ مصدر سابق. مهرجان إدنبرة في سطور يعتبر مهرجان إدنبرة الدولي من أشهر المهرجانات وأقدمها، حيث نظمت دورته الأولى في أغسطس عام 1947، بهدف إنعاش الحالة الفنية والثقافية في إسكتلندا وبريطانيا، وأيضاً أوروبا الغربية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ويعنى المهرجان بالفنون المسرحية والموسيقية والتشكيلية والتعبيرية. ? تشرف على المهرجان وتديره مؤسسة خيرية غير ربحية، ولها مجلس إدارة، يضم نخبة من مديري مجالس الفنون وأساتذة الجامعات والمعاهد المعنية المتخصصة في إسكتلندا وبريطانيا. وتتشكل ميزانيته من مبيعات التذاكر والتبرعات ودعم القطاع العام ورعاية بعض المؤسسات والشركات. ? تتضمن فعاليات البرنامج الرسمي لدورة هذا العام: عرض 3 حفلات للأوبرا، كان من بينها أوبرا “فيديليو”، وهي الأوبرا الوحيدة التي ألفها “بيتهوفن”، و8 حفلات للموسيقى الكلاسيكية والمعاصرة، منها 3 حفلات لمختارات من أعمال تشيكوفسكي لإوركسترا راديو “بافاريا” السيمفوني وعروض للباليه، ثمانية عروض مسرحية، من بينها “قصة حب” قدمت في شكل يجمع في عرض واحد تقنيات وأدوات المسرح والسينما والتصوير الفوتوغرافي والموسيقى، و8 معارض فنية للرسم والتصوير والفنون التشكيلية، مع اهتمام بارز بأعمال ليوناردو دا فينشي، إضافة إلى ورش عمل ولقاءات بحث ونقاش حول مختلف الفنون وقضايا التطوير والتقنيات الحديثة. ? للمهرجان احتفالية موازية بعنوان A Fring بمعنى “على هامش المهرجان”. وتكتسب هذه الاحتفالية أهمية تتزايد عاماً بعد عام، حيث تفتح المجال أمام مشاركة أعمال من خارج المملكة المتحدة وأوربا الغربية، وتخلق فرص التعارف، وما يتبع ذلك من تعاون، ما بين الشركات المنتجة والأفراد، خاصة من أوروبا الشرقية ودول أفريقيا وآسيا. بعض الصحف البريطانية أشارت إلى أن الاحتفالية الموازية هذا العام عانت من ركود، بسبب إجراءات الحصول على تأشيرات الدخول إلى بريطانيا التي حالت دون وجود أو مشاركة العديد من الفنانين والفرق وشركات الإنتاج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©