السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

استقلال اسكتلندا وتقاطع الخيارات

استقلال اسكتلندا وتقاطع الخيارات
15 سبتمبر 2014 23:17
ميجان ماكارديل محللة سياسية أميركية قبل نحو أسبوع، سألت أصدقائي الذين يشاركونني أفكاري على موقع فيسبوك حول ما إذا كان هناك أي احتمال لانفصال اسكتلندا عن بريطانيا. وفي ذلك الوقت، لاحظت أن المصوتين بالإيجاب الذين استطلعت رأيهم كانوا قِلّة متواضعة العدد حتى بدا لي أن الاستفتاء المصيري المقبل لن يختلف عن ذلك الذي أجري في إقليم كيبيك ذي الميول الثقافية الفرنسية للمطالبة بالاستقلال عن كندا، وفي بعض البلدان الأخرى. ومهما بلغت العيوب والنقائص التي تنتاب الجسم السياسي والإداري والاقتصادي للاتحاد البريطاني، فمن الواضح أن اسكتلندا ليست «جنوب السودان». وأتوقع أن يتمعّن المصوتون الاسكتلنديون في التعقيدات والتداعيات السلبية للانفصال، وأنا على ثقة بأنهم سوف يتوصلوا من ذلك إلى القرار بالبقاء ضمن النظام الاتحادي. ورغم هذه الاعتبارات، فقد فاجأتني نتائج بعض استطلاعات الرأي (ولا شك أنها فاجأت الحكومة البريطانية أيضاً)، عندما أظهرت ميلاً قوياً لشرائح واسعة من الاسكتلنديين نحو الاستقلال، فيما أظهرت استطلاعات أخرى ميلاً معاكساً ورغبة في البقاء. ولقد كتب لهذه النتائج المتناقضة أثناء محاولة استباق التصويت الحقيقي ومعرفة النتائج مبكراً أن تربك الكثير من السياسيين والمحللين. وانتابتني الحيرة حتى تساءلت مع نفسي: هل من الممكن أن نشهد في 18 سبتمبر المقبل ولادة «دولة اسكتلندا المستقلة» بعد اندماجها مع بريطانيا لثلاثة قرون كاملة؟ وفي رأيي الشخصي، فإنه من البدهي أن يحظى الاسكتلنديون بالاستقلال إذا كانوا يريدونه، وليس فقط إذا كانوا ينشدونه لكي يتمكنوا من الحصول على حريتهم الكاملة في اضطهاد الأقليات من السكان وخاصة العمال المهاجرين. ولست أرى في الانفصال بحد ذاته فكرة صائبة، وذلك لأن اسكتلندا لا تمثل من الناحية الاقتصادية أكثر من بلد تصبّ فيه التحويلات المالية الآتية من الحكومة البريطانية من دون مقابل مادي أو عوائد مالية ملموسة. ولهذا السبب يمكن القول بأن الانفصال لن يعني بالنسبة للاسكتلنديين شيئاً أكثر من ضرورة شدّ الأحزمة على البطون. كما أنه من الواضح أن فك الارتباط بين المؤسسات المندمجة البريطانية الاسكتلندية، كالبنوك والمؤسسات التعليمية والدفاعية والقضائية والسياسية وغيرها، ينطوي على الكثير من التعقيد والتشابك. ثم إن هذا الاستطلاع الذي أجريته يظهر صعوبة التركيز على الاعتبارات العملية السلمية لتحقيق الأهداف الإثنية والثقافية. وحتى في عصرنا الذي يطلق عليه بعض المفكرين اسم «عصر المعرفة»، لا يمكن لشعب أن يوافق على وضع مصيره بين أيدي «الأغراب» الذين يخالفون ثقافته وقيمه. ولقد بدا الليبراليون من أصحاب حركة التنوير والذين دأبوا على مناهضة هذه الفكرة، مذهولين. وعقب أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تنامى إلى سمعي أن بعض الأوروبيين يقيمون مقارنة بين نتائج هذا الهجوم الإرهابي وبين المعدل العالي لضحايا حوادث السيارات والقتل العشوائي بالأسلحة النارية في الولايات المتحدة، حتى يبرروا عدم خطورته ومحدودية نتائجه. واطلعت على آراء قِلّة من الناس من الذين يرون أنه ما من أحد يجب أن يهتمّ لما تفعله روسيا في أوكرانيا لأن حكومتها ليست بريئة من الفساد والممارسات المتطرفة أيضاً. وفي غمرة الأحداث التي شهدتها ضاحية «فيرجسون» في ولاية ميسوري بالولايات المتحدة، عندما عمد شرطي أبيض إلى إطلاق النار على رجل أسود فأرداه، أثار هذا الحادث تساؤل عدد من المراقبين عن السبب الذي يمنع الحكومة الأميركية من إطلاق حملة لمكافحة «جرائم السود ضد السود»، والتي يذهب ضحيتها الكثير من الشبان كل عام. وتبدو هذه الأسئلة عامرة بالصدق، إلا أنها ساذجة بشكل لافت أيضاً لأن أسبابها معروفة لا تحتاج إلى الشرح والتفصيل. وإلى أولئك الذين ظلوا في موقف الحيرة والتساؤل عن الدوافع الحقيقية الكامنة وراء هذا القصور، يقدم خبير علم النفس الاجتماعي والأستاذ المحاضر في علم القيادة الأخلاقية بجامعة نيويورك، جوناثان هايدت، تفسيراً مفيداً حيث يقول: الناس ميّالون بطبعهم إلى تشكيل الجماعات. وكان أول وأهم تطور في حياتنا كنوع أحيائي هو تشكيل الجماعات الصغيرة الاجتماعية والمتعاونة. وكان لهذا التطور أثره المهم على حياتنا، إلا أن إحدى أهم الخصائص التي ميزت سلوكيات تلك الجماعات وسهّلت لها عيشها هي حساسيتها المفرطة للفروق القائمة بين مفهومي «نحن» و«هم». وكانت شديدة الارتياب والخوف من الغرباء. وبالعودة إلى اسكتلندا، وإذا أراد الاسكتلنديون الفصل بين هذين المفهومين، فإن عليهم أن يتحملوا المصاعب والتعقيدات الهائلة، ومنها مثلاً تلك التي تتعلق بإعادة تصحيح وضعية حساباتهم في البنوك إذا اختارت دولتهم الجديدة ابتداع عملتها المالية المستقلة. وهناك طريقة سهلة واحدة للتغلب على تلك المصاعب تكمن في التعرض لتهديد خارجي من جماعة خارجية أكثر ضخامة وخطورة. وذلك لأن الاختلافات الصغيرة يسهل تجاوزها عندما تتعرض البلاد لخطر آت من أقوام أجنبية تدق الأبواب. إلا أن العالم الغني يتمتع بهامش واسع من السلم الآن، وبما يكفي لدفع الناس إلى القلق من الضجيج الآتي من «البيت المجاور». وأنا أتساءل عما إذا كان من قبيل الصدف أن يترافق ارتفاع الأصوات المطالبة بالانفصال في أماكن مثل اسكتلندا وبلجيكا، مع نهاية الحرب الباردة. وما زلت أفترض أن اسكتلندا ستختار البقاء ضمن نظام الاتحاد البريطاني. لكن، لو حصل هذا فسوف تبقى في الأذهان الحقيقة التي تفيد بأن ما يقارب أغلبية المصوتين اختاروا لأنفسهم أن يكونوا مواطنين اسكتلنديين بدلاً من كونهم مواطنين بريطانيين. والحقيقة التي نخلص إليها من هذا العرض هي أن الشعور القومي والتمسك بمفهوم الهوية الوطنية لم يمُت، بل إنه في حالة من السُّبات الخفيف ويمكنه أن يبرز ويسود عند الشعور بالخطر. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©