السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جمهوريات القوقاز.. وخطر الهيمنة السوفييتية!

14 سبتمبر 2014 01:27
عزيز مشواط كاتب مغربي الشيوعية سقطت، عفواً، لم تسقط، ذلك هو الانطباع الذي تخرج به بعد عشرة أيام من العيش رفقة مواطنين ينتمون لجمهوريات الاتحاد السوفييتي المنهار. نعم، سقطت الشيوعية في أعين الأجيال الجديدة التي تنسمت هواء الحرية بعيداً عن الاستبداد الستاليني، لكنها بالمقابل، لا تزال ترزح تحت إرث سوفييتي لا يُستهان به في السياسة والاقتصاد واللغة والثقافة، إذ لايزال الشبح الستاليني جاثماً بقوة على صدور القوقازيين، خاصة أمام المحاولات «البوتينية» لاستعادة مجد الإمبراطورية المنهارة تحت مسميات جديدة. أينما وليت وجهك في القوقاز، ثمة نزاع طرفاه موالون للروس ومواطنون يبغون للحرية سبيلاً، ولا تجد روسيا «البوتينية» حرجاً في تغذية النزاع حيث ترفع شعار علي وعلى أعدائي، وكل من يحاول الاستقلال بقراره، مصيره مزيد من القلاقل والفوضى، ولم لا الحروب المباشرة كما حدث مع جورجيا في عام 2008، يقول «مكاييل» من أوكرانيا. من حرب أوسيتيا الجنوبية، إلى نزاع ناجورنوكارباخ، وصولاً إلى القرم والقضية الأوكرانية، ثمة إحساس لدى مواطني القوقاز أن روسيا ماضية في تدمير محاولات انعتاقهم وتحررهم. وهكذا يتذكر الجورجيون بألم كبير فقدانهم لأوسيتيا الجنوبية، لكنهم بالمقابل مصرون على اجتراح نموذج تنموي خاص، رداً على مرارة فقدان الأرض وجراح العديد من اللاجئين، حسب معلومات غير دقيقة يُقدر عددهم بمئتي ألف (الذين اضطرهم فقدان أوسيتا إلى الانتشار على مساحات واسعة خارج تبليسي فيما يشبه مخيمات. أما مواطنو أذريبجان وأرمينيا فيكيلون الاتهام المباشر لروسيا في بعث شرارة نزاع يدمر الطرفين في إقليم ناجورنوكارباخ. ومع ذلك يبقى القوقاز مليئاً بإمكانات التحرر والانعتاق. فتبليسي مدينة الحياة بامتياز، الحياة الليلية الصاخبة في شوارعها النظيفة توحي بأن ثمة شيئاً ما حدث أو يحدث بعيداً عن السنوات العجاف من الحكم السوفييتي. صحيح أن جورجيا بلد ناشئ لكنها تسطر ملحمة من الحرية النموذجية أساسها اقتصاد يتحرر باستمرار ويحاول جاهداً الابتعاد عن قيود الحمائية المفقرة. يقول «جينداري جيا» نائب مدير مؤسسة الجامعة الاقتصادية الجديدة «قبل عشر سنوات كانت تبليسي مدينة الإجرام بامتياز، وكان الفقر بادياً جداً، لكن اختيارات اقتصادية حرة قلبت الأمر ونحتل الآن المرتبة الثامنة والثلاثين عالمياً في الحرية الاقتصادية». أما «باتا» مدير المؤسسة فيصف الأمر في إحدى محاضراته «إنها معجزة السوق التي تخلق الثروة وتربي على الإبداع والإنتاج». وحينما استفسرت عن دعاية «النهضة السوفييتية العظيمة» التي كانت تروجها البروباجاندا السوفييتية تهكم الصديق جورج معلقاً: كان الفقر السمة البارزة لهذه النهضة العظيمة ففي عام 2001 كانت نسبة 54? من السكان تعيش تحت خط الفقر الوطني، وفقاً لتقارير عام 2001، ولكن بحلول عام 2006 انخفض مستوى الفقر إلى 34?. في عام 2005 وصل متوسط الدخل الشهري للأسرة 347 لاري جورجي (نحو 200 دولار). لوحظ منذ أوائل سنوات التخلص من الهيمنة السوفييتية، تطورات إيجابية واضحة في اقتصاد جورجيا. في عام 2007، بلغ معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الجورجي الحقيقي 12%، مما جعل من جورجيا واحدة من أسرع اقتصادات شرق أوروبا نمواً. يصنف البنك الدولي جورجيا على أنها «الرقم واحد في الإصلاح الاقتصادي في العالم». ذلك لأنه في سنة واحدة قفز ترتيبها من رتبة 112 إلى المركز 18 من حيث سهولة ممارسة الأعمال، والفضل في ذلك يعود إلى مناخ الحرية الاقتصادية والانفتاح الذي دشنته جورجيا رغم القلاقل التي مرت منها. وإذا كان مواطنو بلغاريا يبدون أكثر تفاؤلا بمستقبل بلدانهم بعد عشرين سنة من سقوط جدار برلين، فإن مواطني أوكرانيا وبيلاروسيا وأذريبجان وكازاخستان، لا تزال تجاهد من أجل الانفلات من ربقة سيطرة يصفها العديدون منهم بأنها «ذات طابع سوفييتي في ثوب جديد ألبسه إياها بوتين ويقاتل بقوة من أجل استعادة زمام المبادرة». الخوف الشديد لمواطني هؤلاء البلدان تعززه «تجارب الإحباط الذي عانينا منه بعد أن تخلت عنا أوروبا في العديد من المحطات، خاصة في 2003 حينما انتفض الشعب ضد حكومته المدعومة من روسيا.. هذا ما قاله «كازاخ» من أذريبجان. أما المواطنة الليتوانية «جيردا»، فتقول بأسف شديد: «ماذا أفادنا الانخراط في الاتحاد الأوروبي، نحن دولة صغيرة تكتفي بتلقي إملاءات الإخوة الكبار». لكن ما يزعج فعلاً حسب «غايا» الأرمينية هو القوة الإغرائية للاشتراكية والقائمة على دغدغتها العواطف تقول: «أبي والجيل الذي عايش الاتحاد السوفييتي يأبى نسيان هذه الأوهام..هي أوهام عاش عليها جيل بأكمله رغم الكوارث التي سببتها للعمال الذين كانوا يجبرون على العمل حتى الموت لكن كل ذلك كان مغلفا بأيديولوجيا الخير للوطن والجميع في حين أن الربح كان مخصوصا بفئة الحكم البيروقراطية». اللافت أيضاً أن اللغة الروسية توحد مواطني القوقاز، فكلما تعثر التواصل بينهم، لجؤوا إلى لغة المحتل السابق. وتعلق «غايا» على الأمر قائلة: «لا تزال اللغة الروسية رغم تراجع دورها سلاحاً رمزياً قوياً، ولا يزال مفعولها مؤثراً في السوق الجيوبوليتيكي القوقازي». صحيح، لكن هناك من يرى أن اللغة الروسية لم تعد تحظى بنفس الاعتبار، لكنها تبقى لغة آبائنا حيث تحاول روسيا ضخ المال الوفير من أجل إنجاح الشركات واستقطاب العمالة من جل البلدان مع امتيازات لا نظير لها. خطوات هائلة إذن خطتها هذه الشعوب نحو مزيد من التحرر السياسي والاقتصادي والأيديولوجي، لكن الخطر الداهم يترصد العثرات للتسلل مجدداً تحت مسميات جديدة وبأقنعة قد تترك الاشتراكية جانباً ولو إلى حين وترتدي قناع الوطنية أو القومية أو محاربة الهيمنة الخارجية...لكن المضمون واحد عودة عهود الاستبداد السوفييتي المقيت! ينشر بترتيب مع خدمة «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©