حظيت بلاد الهند ومنذ عصور بعيدة بحضارة عريقة وتراث ثري، زاخر بالكنوز البديعة من المجوهرات والذهب والأحجار الكريمة، منتقلة جيل بعد آخر بين قصور الأباطرة والأمراء الهنود، حيث تميزت جواهر المهراجا والمهرانا بأجمل القطع وأكثرها ندرة وزخرفة، مظهرة فرادة وحرفية منقطعتا النظير لناحية الصياغة الفنية، والشغل اليدوي، ولتصبح هذه الصناعة البديعة وبمرور العقود حرفة فنية يمتهنها الكثير من المصممين والحرفين والصاغة في مختلف أقاليم الهند.
عشق أبدي
عشق الشعب الهندي لاقتناء الذهب والمجوهرات يفوق كل شغف آخر، حيث تظهر إحصاءات عالمية أن نحو 60% من ذهب العالم يستثمر في هذه البلاد، إذ يؤمن الهنود بحقيقة أن الذهب يشكل دوما الاستثمار الآمن والمفضّل، والذي يظل محافظا على قيمته ولا يفقد أهميته وبريقه أبدا.
وتتنافس معظم النساء الهنديات على اختلاف طبقاتهن الاجتماعية على اقتناء مجوهرات الذهب والتزين بها وتخزينها، ليتصدرن القوائم العالمية في هذا الحقل، ما يدفع بهذا القطاع الصناعي المهم على الاستمرار بالعمل والنجاح، وليبقى سوق الصياغة الهندية محتفظا بمكانته ونشاطه المطرد عام بعد عام، متواصلا بذات الوتيرة والحماس، حيث تنّظم من هناك في أهم المدن الرئيسة كمومبي ودلهي مهرجانات دولية خاصة، تحتفل بسوق الذهب وتستعرض أحدث تصاميم المجوهرات والأحجار الكريمة، مظهرة في مجملها أكثر ما تصنعه أيادي هؤلاء الصاغة الهنود.
وعادة ما تحاط هذه الاحتفاليات الاجتماعية والفنية بتغطية إعلامية لافتة ورواجا شعبي كبير، مستقطبة بشهرتها عالم «بوليود» ونجوم السينما والاستعراض، بالإضافة إلى صفوة الطبقة المخملية من المجتمع، مقدمة موسما بعد آخر أنماطا مختلفة من مبتكرات المجوهرات، يقودها حاليا جيل موهوب وصاعد من الشباب الهنود، من الذين ولجوا إلى عالم الصياغة والتصميم في السنوات الأخيرة، ليضيفوا بدورهم مزيدا من المعاصرة، الخيال، والفن على اتجاهات موضة صناعة المجوهرات الهندية.
اهتمام كبير
لعل المتابع لأسابيع الموضة الموسمية في مدينتي دلهي ومومبي، سيلاحظ مدى الاهتمام الذي يحظى به قطاع صناعة مجوهرات الذهب والألماس هناك، حيث يستعرض النخبة من المصممين الهنود مع أصحاب الشركات الكبرى أحدث نتاجهم الإبداعي وفنونهم الجديدة في صناعة الحلي والأحجار الكريمة، لتظهر مع مطلع كل موسم أنماط جديدة من النماذج والموديلات التي تحمل أفكارا طامحة، من المرجح أنها سترتقي حتما في المستقبل القريب، ومع أن الاتجاه المتنامي في الموضة الهندية بشكل عام، صار ينحو بعض الشيء ناحية الذوق الغربي والطراز الأوربي الناعم البسيط، إلا أنه مازال هناك حضور قوي وبارز للتراث الهندي في عالم صياغة المجوهرات، ومازالت تصاميم الحلي والأحجار الكريمة تتمتع بذات الغنى والثراء.
ولعل المراقب لأسابيع الموضة في الهند، سيكتشف حتما سيطرة هذا النمط و الطراز المتميز، ليبقى متمسكا بعرشه ومنتصرا على كل شطحات التغريب والتغير في صياغة الجواهر والحلي، وإذ تلمع مع بداية كل موسم أسماء شابة لمصممين جدد يتوقع لهم شأنا بهذا العالم، منهم على سبيل المثال، الفنانة «فرح خان» مع الموهوب «فارون جاني»، وكل من «بينا جونكا» و»ريا ناستا» و»لاكاش باهوجا»، والذين أتحفوا العالم بتشكيلات مختلفة من مجوهرات الذهب والماس، مبتكرين أيقونات وتحف غاية في الفن والإبداع، مستلهمة في إطارها العام فنون الزخرفة والنقش الهندي القديم، وراسمة عبر أطياف مشعة تحفا فنية رفيعة المستوى من القلائد والأساور والأقراط، من تلك التي تتسم بتفاصيل ناعمة وسحر آسر.
عدد اليوم
