الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معرض الشارقة للكتاب.. تظاهرة ثقافية سنوية

معرض الشارقة للكتاب.. تظاهرة ثقافية سنوية
24 نوفمبر 2010 19:38
يمكن القول إن معارض الكتب هي فضاءات سنوية لتسويق وترويج المنتج الثقافي بشكل كثيف ومتعدد الفوائد.. فمعرض مثل معرض باريس وإكسبو أميركا ومعرض لندن أو معرض فرانكفورت تعتبر أسواق ترويج وتسويق للكتب الأوروبية والأميركية بالأساس، إذ أن صناعة الكتاب في القارتين الأوروبية والأميركية هي الأكثر تطوراً والأكثر إنتاجية باللغات العالمية: الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، باعتبار ما غرسه الاستعمار القديم في العالم من (عقدة لغة المستعمر) التي أصبحت لغة التعليم والثقافة، وها هي الانجليزية تحتل الصدارة لغة للإنترنيت، بينما اللغات الوطنية غير الأوروبية ترزح تحت نير استعمار جديد من عولمة اقتصادية وثقافية وتربوية لا تبقى لغة غير لغة المستعمر القديم. وعليه، فالمعارض العالمية الكبرى تروج لثقافة أنجلو ساكسونية أو فرانكفونية أو ألمانية أو إسبانية، وعلينا كمجموعات بشرية أن نخضع لهذا التقسيم المعارضي العالمي، وننضوي تحت لوائه كأسواق لاحقة لمنتجه الكتابي.. فهم يبيعون حقوق الملكية الفكرية والترجمة والطبع والنشر والتوزيع، ومن ثم يذهب المنتج إلى أسواقنا باعتبارنا مستهلكين دائمين للغرب. وفي هذا الإطار تكون تلك المعارض رهناً بالمؤلفات في شتى المجالات للترجمة أو الطبع أو التوزيع في العالم الأول، الذي بدوره يقوم بإنتاجها لاستهلاك العالم الذي بفعل العولمة حالياً أضحى سوقاً لشبكة عنكبوتية ولتعدد شركات كبرى عالمية تطوق العالمين الثالث والرابع، وتذهب بهما إلى عالم التابع الذي لا ينهض. وفي تلك المعارض، التي صبغت نفسها بالتجارية في المحل الأول، كان لا بد أن تتم عملية تجميل وتزيين ثقافي للسوق، فأتوا ببرامج مهنية وأخرى ثقافية "لتحضير العالم" خارج المركزية الأوروبية، فجمعوا من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية بعض الأصوات لدعم مشروعهم بحضور "عالمي". دعوا سياسة ذر الرماد في العيون وانظروا إلى حقيقة تلك المعارض الاقتصادية التجارية، بل وانظروا كذلك إلى هامشها الثقافي المحدود والمتعولم.. من ثم تعالوا إلى المعارض العربية، ولننظر في مصنعيتها: فهي بادئ ذي بدء، قد نشأت عن حاجة حقيقية لوجود فضاء يسمح بتعددية للمنتج الثقافي الذي هو الكتاب في عاصمة واحدة لفترة معلومة وإمكانية تسهيلات وبيع مباشر للجمهور.. فجاءت المعارض الأولى في بيروت والقاهرة، ثم اتسعت بعد ذلك رقعة المعارض لتشمل البلدان العربية كلها، فيما عدا جزر القمر والصومال، لظرفيهما المعلومين للجميع.. وتطورت النظرة الاقتصادية للمعارض من المحلية إلى الإقليمية، ووضعت اشتراطات عليها من الدول، ومن الجهات المنظمة (وغالباً هي رسمية حكومية).. فكانت المعارض بكل مالها وما عليها فسحة للتلاقي العربي المطلوب لخير الجلساء، فتواصل ما انقطع من وشائج فكرية وثقافية، وراجت هذه المعارض شرقاً وغرباً في البلاد العربية، حتى انتبهت الحكومات إلى هذا "الخطر الورقي"، فحولت الاشتراطات الباكرة إلى قوانين صارمة من المنع الرقابي والتحكم في انتقال الكتب بين البلاد العربية وغيرها من الضوابط التي أعاقت وصول تعابير الفكر العربي المعاصر إلى الإنسان العربي، إلا في قليل معارض آمنت بالرسالة الثقافية لها، فعضدتها وساندتها. معرض الشارقة للكتاب، الذي أنهى الآن دورته التاسعة والعشرين، كان حدثاً ثقافياً لافتاً إذا نظرنا إلى الشح الذي كان حاصلاً في وصول الكتب إلى منطقة الخليج عامة والى الإمارات خاصة، فالسوق التجارية للكتاب ما كانت لتسمح باستيراد طيف واسع من الكتب، بل هدفت إلى استيراد الكتب التي "تبيع"، وهي كتب مدرسية، كتب في القوانين والفقه والعلوم، مما يحتاجه المدرس والمحامي والقاضي والعالم والطالب، وفي أضيق الحدود.. أما كتب المعارف الحديثة والفلسفة والفكر بشتى صنوفه وأنواعه والعلوم والآداب لمختلف الشعوب، والفكر السياسي على تشعبه إشكالاته.. فكل هذا لم يكن موجوداً على أرفف المكتبات القليلة بالدولة. لذلك عندما أتت بيروت بكتبها ثم القاهرة بكتبها، وتتالت كتب العرب تصل إلى الشارقة، فإن المعرض سرعان ما اتسع ونما وكبر وأصبح تظاهرة ثقافية كبرى، تكونت من: معرض الكتاب الذي يوفر دور نشر بشكل انتقائي محكم، ويوفر بيعاً مباشراً للجمهور، ويصاحب عملية البيع التجارية هذه نشاط في مجال ثقافة الطفل وملتقيات فكرية وأدبية للمفكرين والمبدعين العرب.. كما خصص المعرض أياماً للمدارس وأياماً للنساء، ولذلك خص كل فئة ببرامج نافعة ومفيدة، طرحت (بناء المجتمع القارئ) شعاراً وطاولت شعار ابتسم أنت في الشارقة بشعار (اقرأ أنت في الشارقة)، ونادت بالطفل أولاً وأنشدت له اقرأ يا أمل المستقبل.. ألخ.. وكانت شروط المعرض بسيطة ومخففة للغاية، ورسومه رمزية.. وصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي يقف عليه ويرعاه، ويتواصل معه بشكل يومي ليزيح كل ما يصادفه من عقبات أو عوائق أو منغصات. وكان هم الحاكم المثقف المستنير هو أن يجتمع العرب في الشارقة على حب الكتاب الذي هو مفتاح المعرفة. ومانح الفهم والرؤية وفاتح البصيرة على الواقع والمستقبل، فهو ساعد في الثقافة التي هي مدماك في التنمية في مجتمعات التحول. وكان الإصرار الدائم على أن المعرض هو معرض للثقافة العربية المنفتحة على الثقافات الأخرى.. ولم يقتصر دور المعرض على توفير الكتاب، بل أصبح مصدراً لتزويد المكتبات العامة والخاصة في المنطقة بالكتب سنوياً، وأصبح يراعي في تنظيمه السعي لدعوة دور النشر المتخصصة لسد نقص الاحتياج في مجالات علمية وأكاديمية بعينها، كما سعى لتطوير مهنة النشر العربي، فحض الطفل بدعوة إلى قيام (ملتقى عربي لناشري كتب الأطفال)، وكذلك نادى بقيام (اتحاد عربي للنشر الإلكتروني)، ونهض إلى توحيد الشروط في المعارض، خاصة في منطقة الخليج، ومن ثم في المنطقة العربية، كما عضد وجود تنسيق خليجي في المعارض، ودعا إلى تعاون عربي في شأن المعارض العربية، وبالمثل رسخ التفاعل مع المجتمع المدني والاتحادات والجمعيات المعنية بالكتاب وبالتحول المجتمعي، إلى جانب الدعم المادي لمشتريات شبكة مكتبات إمارة الشارقة في تخصيص منحة صاحب السمو حاكم الشارقة المالية سنوياً للمعرض. وهكذا سوف نلاحظ أن أهدافنا من المعارض هي توفير الكتاب في المنطقة لخير مجتمعاتها؛ والسبب الرئيسي في الإصرار على هذا الهدف من دون غيره هو عدم توافر الكتب، للقراءة الحرة مثلاً، إلا قليلاً.. انظروا إلى واقع سوق العولمة للكتاب في المنطقة بل في الدولة : دور بيع الكتب الكبيرة هي للكتاب الأجنبي، بينما الكتب العربية لا تحظى إلا بهامش. ما يصدر في العواصم العربية لا يتوافر إلا إبان معرضي الشارقة وأبوظبي، بل إن نوعيات كتب من دون أخرى هي المتوافرة دائماً.. بينما الكثير من الكتب العلمية والأجنبية والتخصصية يندر وجودها مما يعني أن معرض الكتاب فرصة لمثل هذه الكتب التي تصل إلى الجمهور مباشرة من دون وسيط.. ولهذا فهدف واستراتيجية معرض مثل معرض الشارقة تختلف عن استراتيجية وأهداف معارض لندن وفرانكفورت وباريس وغيرها.. لهم سوقهم، ولنا قراء أعزاء نستهدفهم بالقراءة النافعة للكتب القيمة. نعتقد أن معرض الشارقة، وكمثله المعارض العربية الأخرى، يسد نقصاً سريعاً في الكتاب العربي الذي لا يزال يشكو التضيق والعنت والمسغبة، فهو متهم منذ كتابته وفي طباعته وحتى وصوله إلى القارئ..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©