الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الواقع الأفغاني.. فقر وبطالة

24 أغسطس 2015 00:41
إلى زاوية مغبرّة من العاصمة الأفغانية، تنتشر فيها الروائح الكريهة لمياه الصرف الصحي، والأكواخ الخشبية العتيقة، تصل كل يوم مئات العائلات التي تأتي بها شاحنات النقل العام، وتنزل بممتلكاتها المتواضعة هناك. ويشكل هؤلاء جزءاً من أصل 82 ألف لاجئ أفغاني غير شرعي طردتهم باكستان من أراضيها منذ شهر يناير الماضي، يضاف إليهم نحو 150 ألف عامل طردتهم السلطات الإيرانية خلال الفترة ذاتها، وعادوا إلى بلادهم وهم لا يملكون أي شيء. وتنقل لنا «شومايلا مالك» (45 عاماً)، صورة مؤلمة عن معاناة هؤلاء العائدين، حيث قالت: «لقد شهدنا شظف العيش الحقيقي في باكستان، لكننا كنا نعيش». وكان زوجها عاملاً، إلا أنه مصاب بمرض الفشل الكلوي، مما دفع ولديهما للعمل في البحث عن قطع معادن الخردة وبيعها لتحصيل الرزق اليومي للعائلة. وأضافت: «من المفروض أن يكونا في مدرستهما، لكننا نحتاج إليهما للبحث عن العلب المعدنية للمياه الغازية وبيعها، ولو تسنّت لنا فرصة العودة لباكستان غداً فلن نتردد أبداً». وفي الطرف الآخر من كابول، يتجمع المئات من الرجال المعدمين، ويبدأون بالاصطفاف بعد منتصف الليل ليشكلوا طوابير انتظار أمام المكتب الحكومي المتخصص بإصدار جوازات السفر، وهم يحملون أوراقهم الثبوتية. وعندما تفتح الوكالة الحكومية أبوابها عند الساعة السابعة من كل صباح، يكون عدد المصطفّين في الطوابير قد تجاوز الألف. والغالبية العظمى منهم من العاطلين عن العمل الذين قرروا مغادرة الوطن بحثاً عن عمل في بلدان أخرى. وتحدث لي «ساهل شاخزادي» (26 عاماً)، الذي أغلق دكانه الصغير لبيع أجهزة الهاتف الخلوي، وأصبح بلا مورد رزق، فقال: «لم أكن أتوقع أن أغادر وطني، إلا أن الأحوال تزداد سوءاً يوماً بعد آخر»، ووافقه رأيه العديد من الرجال ذوي الثياب الرثّة والذين كانوا يصطفون معه في طابور التقدم بطلب جواز السفر. وأضاف: «كل هؤلاء الذين يشكلون الطابور متشابهون في أوضاعهم. فالأمن غائب في أفغانستان، ولا مجال للتجارة والاستثمار.. وباختصار يمكن القول إنه ما من مستقبل ينتظرنا هنا. وأصبح أملنا الوحيد يتلخص بالرحيل». وهذا المدّ البشري الذي يتألف من المهاجرين العائدين، وأولئك الذين يتقدمون بطلبات الحصول على جوازات السفر، يعكسان حالة الانهيار الاقتصادي الذي تعانيه أفغانستان، وعجز الحكومة الجديدة التي تركت الملايين من أبناء الشعب هائمين على وجوههم في زمن انعدام الثقة بالمستقبل. وفي وضع تسودها الهجمات المتكررة للمتمردين، وينخره الفساد الحكومي، ومع النهاية الصادمة للحرب التي خاضتها قوات التحالف الدولي، تحاول إدارة الرئيس الحالي أشرف غني، التي أكملت للتوّ عامها الأول في سدّة الحكم، تجاوز الخلافات السياسية وتعويم البلد من جديد. في عام 2014، بلغ معدل البطالة في أفغانستان 35?، وهو أضخم أربع مرات مما كان عليه عام 2013. ويقول الاقتصاديون العارفون بالوضع هناك إن هذا المعدل سوف يرتفع إلى 50? مع استمرار تدفق الأفغان المهاجرين المبعدين من البلدان المجاورة. وباتت هذه الظاهرة واضحة في كل أنحاء أفغانستان، حيث يمكن رؤية ألوف الرجال وهم هائمون على وجوههم عند تقاطعات الطرق منذ الصباح الباكر أملاً منهم في الفوز بيوم عمل. ومع الانكماش الذي يعاني منه الاقتصاد، يشهد قطاع التوظيف الحكومي تراجعاً متواصلاً في مجال تأمين فرص العمل للمواطنين. وقال لي محاسب مالي سابق يعمل لدى الحكومة: «قبل عامين كانت الأمور تسير على النحو السليم. والآن أصبحت عاجزاً عن تأمين الرزق الكافي لإعالة أبنائي الستة. ومنذ وصول الحكومة الجديدة إلى السلطة، اختفت المظاهر الأمنية وعمّت الفوضى وتبخرت فرص إيجاد عمل. أنا غاضب على الحكومة، بل غاضب على كل شيء، ولا أدري ما ينبغي علي فعله». وللأفغاني المهاجر «محمد موسى» (17 عاماً) قصة أخرى. فقد كان يعمل في مهنة تنظيف السجاد في باكستان منذ خمسة أعوام، لكن عائلته بدأت تتعرض لمضايقات رجال الأمن خلال الأشهر الأخيرة. ولم يكن أمامها غير العودة إلى كابول. وكان عمله هناك يدر عليه ربحاً بسيطاً، لكنه يكفيه لإعالة أسرته. أما الآن فأصبح يعمل في تحميل الشاحنات بأجر زهيد لا يكفي لنيل لقمة العيش. باميلا كونستابل* *محللة أميركية متخصصة بشؤون الهجرة ومقيمة في كابول ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©