الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

متحف نيودلهي يحتضن فنون الحضارة الهندية

متحف نيودلهي يحتضن فنون الحضارة الهندية
13 أغسطس 2012
عبر أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان مارس الصُناع والفنانون في أرجاء دار الإسلام من حدود الصين شرقاً إلى الأندلس غرباً أعمالهم المعتادة في إنتاج ما تحتاجه المجتمعات الإسلامية من أدوات ومصنوعات للاستخدام اليومي في الطعام والشراب والمنازل ودور العبادة وجاءت جميعها وبغض النظر عن رخص أسعارها حافلة بالزخارف والألوان التي تعبر عن جماليات ووحدة الفن الإسلامي وتسابقت المتاحف العالمية على اقتنائها لعرضها في قاعاتها. وإذا كانت أيدي تجار العاديات قد فرقت التحف الإسلامية على أركان الكرة الأرضية فإن العزاء يبقى أنها حيث استقرت تتحدث عن ماضينا وتراثنا الفني التليد. (القاهرة) ـ على الرغم من الثراء الكبير للفنون والآثار الهندية، فإن الهند لم تمتلك متحفاً وطنياً تعرض فيه الفنون الهندية من مختلف العصور إلا في منتصف القرن العشرين. ويقع المتحف الوطني في العاصمة الهندية نيودلهي، وبالتحديد عند تقاطع شارعي “جانباث” و”مولانا أزاد”. وقد بدأت فكرة إنشاء هذا المتحف بمعرض للفنون الهندية نظمته الأكاديمية الملكية في العاصمة البريطانية لندن في شتاء 1948-1949م، وقد رأى المنظمون أن ينتقل المعرض قبل إعادة معروضاته لأصحابها من المتاحف والأفراد إلى الهند، وبالفعل تركت المعروضات التي شاهدها الأهالي في قصر الحكومة الهندية أثراً بالغاً على المواطنين الهنود حتى أنهم قرروا العمل من أجل إنشاء متحف وطني يعرض فيه الإرث الحضاري العريق للبلاد. وبالفعل صدر قرار الحاكم العام للهند “شكرافارتي راجا جوبلاشاري” في 15 أغسطس 1949 بتأسيس المتحف الوطني الهندي، وأن يتخذ قصر الحكم “راشترباتي بهوان” مقراً مؤقتاً للمتحف لحين إنشاء مبنى خاص بالمتحف. أما المبنى الحالي للمتحف، فقد قام رئيس الوزراء الهندي “جواهر لال نهرو” بوضع حجر الأساس له في 12 مايو 1955م وافتتح المتحف رسمياً في ديسمبر عام 1960. ويصل عدد مقتنيات المتحف الوطني الهندي إلى نحو 200 ألف قطعة، تنتمي إلى الحضارات الهندية المختلفة على امتداد أربعة آلاف عام منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الحديث، وقد أسس به معهد أكاديمي يمنح درجات علمية من الماجستير والدكتوراه في مجالات ترميم الآثار وفن المتاحف، وبالمتحف مكتبة ضخمة تشتمل على آلاف الكتب والمخطوطات أيضاً. كما يصدر المتحف العديد من الكتيبات والنشرات للتعريف بالمقتنيات الفنية والأنشطة التي يقوم بها المتحف من معارض خاصة ومؤتمرات، وذلك في إطار رؤية جديدة لدور المتحف في تعليم وتثقيف المهتمين بالفنون، تم تفعيلها منذ عام 1985م. مشتملاته تشمل مقتنيات المتحف مجموعة متنوعة من الآثار الفنية الرائعة، من بينها عدد كبير من الرسوم واللوحات والتحف والمنحوتات والحلي والمخطوطات الفنية والدروع والمنسوجات المطرزة والمشغولات المعدنية المرصعة بالأحجار الكريمة. تتضمن أهم أقسام المتحف ومعارضه: معرض حضارة وادي السند، وقسم الآثار الفنية، ومعرض الفن البوذى، وقسم آثار آسيا الوسطى الفنية، ومعرض المشغولات النسيجية الفنية، وقسم الفن الغربي وفنون العصر السابق على الحقبة الاستعمارية. ويحتوي معرض حضارة وادي السند على مجموعة كبيرة من الأواني الفخارية، وأيضاً الحلي والزينات المعدنية، بينما يهتم قسم الآثار الفنية بعرض التماثيل القديمة والحديثة أيضاً، وبعضها مصنوع من الأحجار الكريمة والمعادن النفيسة. وتتركز مجموعات الفنون الإسلامية بشكل خاص في قسم الآثار الفنية لآسيا الوسطى “التركستان”، حيث تعرض بعضاً من الرسوم الجدارية ومطرزات الأقمشة الحريرية وتحف الخزف والزجاج والمشغولات الجلدية، فضلاً عن العملات الأثرية والحلي الذهبية والفضية. فنون التصوير أما معرض المشغولات النسيجية الهندية الذي يعنى ببيان تطور حرف النسيج في الهند على مر العصور، فأغلب مقتنياته تعود إلى فترة حكم المغول المسلمين لشبه القارة الهندية، وبه أمثلة رائعة للأقمشة القطنية والحريرية التي تزدان بأعمال وألوان وزخارف خلابة تشمل التطريز واستخدام خيوط الذهب والفضة، فضلاً عن الترصيع بالجوهر والأحجار الكريمة. وإلى جانب ذلك، يضم المتحف بين مقتنياته عدداً من تحف الفنون الإسلامية التي تنتمي لأقاليم خارج شبه القارة الهندية، ومنها إيران والعراق وسوريا ومصر. وبالنسبة لمؤرخي الفنون الإسلامية، فإن المتحف الوطني الهندي يعد المالك الأكبر لمنتجات فنون التصوير الهندي خلال عصر أباطرة المغول، حيث يقتني العديد من اللوحات الفنية المفردة والصور الشخصية والألبومات التي قامت المراسم الإمبراطورية بإنتاجها بأوامر مباشرة من ملوك الهند، وتحت إشرافهم المباشر، إلى جانب مئات المخطوطات التي كتبت بالفارسية والأوردية، بل وبلغات محلية أخرى، هي جميعاً تزدان بالصور الملونة. وتبرهن صور المخطوطات التي يعنى المتخصصون بدراستها ونشرها، حقيقة أن الحضارة الإسلامية دعمت الخصوصيات الثقافية للشعوب الهندية، حيث ازدهرت أيضاً المدارس الفنية المحلية الهندوكية، إلى جانب المدرسة المغولية الفنية والتي استقت تقاليدها من التصوير الإيراني، ثم أنضجت شخصيتها الفنية المتميزة بتفاعل هذه التقاليد مع المدارس المحلية الهندية، ثم مدارس التصوير الأوروبية في عصر النهضة. المرسم الملكي ومن إنتاج المرسم الملكي في دلهي القديمة بعض صور لحريم البلاط في عصر شاه جهان، منها صورة لأميرة تتبعها الجواري داخل حديقة القصر، وقد رسمت الأميرة في مقدمة الصورة وحول رأسها هالة باللون الأخضر، في إشارة رمزية لأهميتها، ومعها مجموعة من الجواري تدل هيئاتهن على تنوع الأصول العرقية لهن، وهو ما يبدو واضحاً في تنوع الأزياء وأغطية الرؤوس وألوان البشرة ورسم الملامح والعيون، وهناك أيضاً إشارة تسجيلية توثيقية لأحد أبناء الأميرة وقد حملته مربيته بين يديها وعلى رأسه قلنسوة خضراء. وهناك صورة أخرى مشابهة، ولكنها لوصيفات بحديقة القصر وتبدو في الصورتين تأثيرات أوروبية واضحة، لا سيما من ناحية العناية بإظهار التجسيم ومراعاة قواعد المنظور والظل والنور. ويلحق بهذا النوع من الصور المتأثرة بتقاليد التصوير الأوروبي، لوحة رائعة يغلب عليها اللون الأخضر بدرجاته المختلفة، مع مراعاة دقيقة للتعبير عن الظل والنور، وهي تمثل الإمبراطور أكبر يراقب تلقي تنسون دروساً في الموسيقى. وهناك أيضاً تصاوير تفصح عن تأثير إيراني واضح كما هي الحال لصورة لأحد الأباطرة وهو في موكب رسمي وسط جنوده، وأخرى تمثل منظراً للصيد. أما التأثيرات المحلية الهندية، فتبدو واضحة في بعض مخطوطات وصور تشير إلى العقائد الهندوسية، مثل قصة كريشنا ورادا، وأيضاً في صور النخب المحلية من رجال الرجبوت ونسائهم، وهم الحكام المحليون لبعض الولايات الهندية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©