الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كراتشي... مفتاح الاستقرار في باكستان

16 نوفمبر 2010 21:12
بينما تحاول باكستان التعامل مع أسوأ الفيضانات التي سُجّلت في دلتا نهر إندوس، تقف كراتشي، العاصمة المالية للبلاد على حافة ما يوصف بأنه حرب أهلية. طالما ابتلت كراتشي المدينة الضخمة التي يسكنها 18 مليون شخص بالعنف السياسي. إلا أن التصعيد الخطير هذه السنة في أعمال القتل التي تدفعها دوافع سياسية وعرقية ودينية، والتي تعرف بأعمال القتل المستهدفة، يهدد بشلّ المدينة، ومعها ما تبقى من اقتصاد باكستان المتجه نحو الفشل. في سياق الحرب المستمرة في المنطقة، تتركز مشاكل باكستان الاقتصادية والتنموية أحياناً كثيرة من خلال منشور التطرف والإرهاب. إلا أن أكثر مشاكل الدولة إلحاحاً تنشأ أحياناً كثيرة من مشاكل في تخصيص الموارد والسياسة المحلية. لذا تشكّل كراتشي عالماً مصغّراً لمصادر قلق باكستان التنموية والسياسية، والتي تشغل بال الباكستانيين العاديين، وهي بالتالي تستحق اهتمام المجتمع الدولي. وبحسب هيئة حقوق الإنسان في باكستان، كانت هناك أكثر من 260 جريمة قتل مستهدفة في كراتشي خلال الشهور الستة الأولى من عام 2010. ففي منتصف أكتوبر الماضي، أدت الانتخابات المحلية إلى صدامات بين الأحزاب السياسية المتناحرة قُتل فيها أكثر من 40 شخصاً وجرح ما يزيد على 50 آخرين. وفي 19 أكتوبر قُتل 29 شخصاً في عمليات إطلاق نار واسعة من قبل مهاجمين مجهولي الهوية في يوم واحد فقط في كراتشي. وكانت الجريمة الأبرز في تلك الفترة مقتل الدكتور عمران فاروق، عضو مؤسس لحزب عقائدي سياسي مركزه كراتشي، هو "الحركة الوطنية المتحدة"، في لندن في سبتمبر. ويمكن الشعور بالنتائج الاقتصادية لعدم الاستقرار السياسي هذا في كافة أنحاء باكستان، إذ يأتي 70 في المئة من ضريبة الدخل و62 في المئة من ضريبة المبيعات اللتين تجمعهما الحكومة الباكستانية من مقاطعة السند، ويتأتى 94 في المئة منها في كراتشي، عاصمة المقاطعة. لا عجب إذن أن يقول رحمان مالك وزير الخارجية أكثر من مرة أن زعزعة استقرار كراتشي تعني زعزعة استقرار باكستان. تتعدد وجوه أسباب العنف في كراتشي، ويمكن إرجاعها إلى التحديات الخطيرة الحاسمة التي تواجه سكان المدينة الذين يتنامى عددهم. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، وسكان كراتشي الذين ما فتئ عددهم يتنامى يفتقرون إلى الموارد والبنية الأساسية الحضرية الحيوية. نتيجة لذلك انتشرت مافيات الأراضي غير القانونية انتشار النار في الهشيم لخدمة احتياجات كراتشي التنموية. ولدى هذه المافيات علاقات وثيقة مع الأحزاب السياسية، حيث يسهل الحصول على أصوات السكان ذوي الدخل المحدود في المشاريع الإسكانية من خلال وعود بتوفير الماء والكهرباء أو خطوط المجاري في مناطقهم. ويمكن للرابط المتواجد بين التخطيط المدني الضعيف والحاجة للسيطرة الإقليمية في السياسة أن يقدم تفسيراً جزئياً للتصعيد الأخير في العنف: بما أن الانتخابات المحلية جارية، تحاول الأحزاب السياسية الحصول على دعم المافيات ذات التأثير القوي. وإذا أخذنا في الاعتبار أن كراتشي مدينة مهاجرين، نرى أن للعنف السياسي كذلك بعداً عرقياً، إذ يمثل حزب "الحركة الوطنية المتحدة" المشارك في الحكم السكان الذين يتكلمون اللغة الأردية في المدينة، والذين تصل ارتباطاتهم العرقية إلى شمال الهند. ويدعي الحزب الغريم، وهو حزب "الشعب الوطني"، من ناحية أخرى دعمه لسكان المدينة من البشتون الذين يزدهر عددهم ويشملون العمّال الذين يهاجرون إلى المدينة ذات الميناء بحثاً عن فرص العمل. ومن المثير للانتباه أن كلا الحزبين يشكل جزءاً من التحالف الحاكم على المستويين الفيدرالي والإقليمي. كذلك وقعت كراتشي، وهي موطن لأكثر من 3000 مدرسة دينية إسلامية، وبشكل متقطع منذ تسعينيات القرن الماضي، في قبضة العنف العرقي. وقد اضطرت هجمات الجيش على مخابئ المتشددين المسلّحين في المناطق القبلية أعضاء الجماعات العرقية الممنوعة إلى العودة إلى كراتشي واستئناف نشاطاتهم هناك. تحتاج الحكومة الباكستانية وبشكل ملّح إلى مراعاة نداءات المجتمع المدني والإعلام لإجراء تحقيق قضائي في أعمال القتل المستهدفة في كراتشي. وقد وعد الوزير الرئيس في السند، سيد قيّم علي شاه، منذ يوليو بإجراء تحقيقات في العنف، ولكن دون نتيجة. يتوجب على الحكومات الغربية التي تبدي اهتماماً متزايداً باستقرار كراتشي، وتستطيع جماعات حقوق الإنسان العالمية أن توجه الانتباه لضحايا العنف السياسي في كراتشي بنفس الأسلوب الذي تبرز فيه الضحايا المدنيين لهجمات العنف السياسي في باكستان بنفس الأسلوب الذي تبرز فيه الضحايا المدنيين لهجمات الطائرات من دون طيار. ويستطيع المجتمع الدولي كذلك أن يشارك الحكومة الباكستانية المعلومات حول كيفية تشكيل لجان حقيقية ومصالحة بشكل ناجح لمساعدة الفصائل العرقية المتناحرة في كراتشي في التفاوض على السلام. في أعقاب الفيضانات المدمرة هذا الصيف، تحمل عملية ضمان بقاء قلب باكستان التجاري النابض متمتعاً بالسلام من أجل الازدهار الاقتصادي في كافة أنحاء الدولة، تحمل أهمية أكبر من أي وقت مضى. ولا يستطيع المجتمع الدولي البدء في التعامل مع الاحتياجات المحلية بأسلوب له معنى إلا من خلال الاعتراف بأن الجمهور الباكستاني مضطر للتعامل مع قضايا أكثر إلحاحاً من التطرف. هوما يوسف صحفية وباحثة من كراتشي ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©