السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

المعارضة الجزائرية·· والخيارات الصعبة

26 أكتوبر 2006 23:51
الجزائر- حسين محمد: شهدت نشاطات المعارضة الجزائرية انحسارا ملحوظا في السنوات الأخيرة وتحديدا منذ اعتلاء عبد العزيز بوتفليقة منصة الحكم في 15 أبريل ،1999 إذ انكفأت على نفسها ولم تعد تملأ الدنيا ضجيجا وصياحا حينما لا تروق لها مشاريع السلطات وتوجهاتها السياسية كما كانت تفعل منذ فتح المجال للديمقراطية والتعددية في فبراير ·1989 وتكاد أصوات المعارضة تخفت تماما منذ إعادة انتخاب الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية ثانية في أبريل 2004 مما يدعو إلى التساؤل عن أسباب هذا التراجع الحاد، وهل للأمر علاقة بشخصية رئيس الجمهورية تحديدا أم بعوامل أخرى كاستمرار الأزمة وحالة الطوارئ المقيدة للحريات ؟ عاشت المعارضة الجزائرية بين فبراير 1989 ويناير 1992 ثلاث سنوات ذهبية ربما لم تتسن لأية معارضة في الوطن العربي؛ فحينما قررت السلطات وضع دستور جديد للبلاد في فبراير 1989 يضع حدا لهيمنة الحزب الواحد ويتبنى الديمقراطية والتعددية، برزت عشرات الأحزاب السياسية في وقت قصير وبلغ عددها أكثر من 70 حزبا، وفتح الرئيس الأسبق ''الشاذلي بن جديد'' وسائل الإعلام العمومية أمام المعارضة بمختلف تياراتها وشجع على إنشاء الصحف المستقلة ومنح الأحزاب حرية التظاهر وتنظيم المسيرات، وشجع هذا التوجه على بروز مجموعة من الأحزاب التي تبنت المعارضة الراديكالية، وأبرزها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، حركة النهضة الإسلامية، حزب العمال، التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، جبهة القوى الاشتراكية··· بداية الانزلاق ودخلت هذه الأحزاب معترك الحياة السياسية بقوة، وكانت توجه سهام انتقاداتها للسلطات حيناً على فشلها في تسيير البلد منذ ،1962 ولبعضها البعض حينا آخر على خلفية تناقضاتها الإيديولوجية؛ فـ''الجبهة الإسلامية للإنقاذ'' كانت تنادي بإسقاط الحكم ومحو الأحزاب العلمانية معا وإقامة ''دولة إسلامية'' لا يتسع فيها المجال لغير الإسلاميين، وفي الطرف المقابل كان ''التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية'' وهو حزب علماني ـ فرنكفوني ينادي بإقصاء الجبهة الإسلامية وكل الأحزاب الدينية وحرمانها من العمل السياسي تماما بدعوى عدم جواز استغلال الدين لأغراض سياسية· وباختصار، عاشت المعارضة الجزائرية مرحلة ذهبية خلال السنوات الثلاث الأولى التي أعقبت إعلان الديمقراطية بالبلد، فمارست نشاطاتها السياسية دون أي قيود وكانت حرية التجمع والتظاهر وتنظيم المسيرات مكفولة تماما، إلا أن ذلك شجع القوى المتطرفة على رفع شعارات متشددة ضد القوى الإيديولوجية المخالفة لها· وحذر المتتبعون السلطات مرارا من أن الشعارات المتطرفة التي يرفعها هذا الطرف أو ذاك، قد تفضي إلى انزلاقات خطيرة، ودعوها إلى التدخل لتهذيب الحياة السياسية حتى لا يتسع حجم العداوات بين هذه الأطراف، إلا أنها لم تكترث لهذه الأصوات· وفي بداية 1991 سنّ رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش قانونا جديدا لتقسيم الدوائر الإنتخابية، فأثار القانون جنون ''جبهة الإنقاذ'' واتهمت حمروش بتخييطه على مقاس حزبه ''جبهة التحرير الوطني'' للفوز بالأغلبية البرلمانية وبدأت تتحرك لإسقاطه، وحينما فشلت مسيراتها ''المليونية'' التي نظمتها بشوارع العاصمة في إجبار السلطات على إلغاء القانون، أعلنت إضرابا عاما في 25 يونيو 1991 فأثر ذلك سلبا في سير الكثير من مؤسسات الدولة، كما شرعت ''الإنقاذ'' في اعتصام مفتوح في الساحات العامة والقيام بمسيرات تنادي برحيل الشاذلي، ودفع هذا الإنزلاق الجيشَ إلى التدخل وإفشال الاعتصام بالقوة وسجن 7 من قياديي ''الإنقاذ'' وفي مقدمتهم عباسي مدني وعلي بلحاج، وكان ذلك فرصة للعلمانيين للمناداة مجددا بإقصاء الإسلاميين· وبعد الفوز الساحق الذي حققته جبهة الانقاذ في انتخابات 26 ديسمبر 1991 التشريعية، خرج العلمانيون في مظاهرة صاخبة في شوارع الجزائر العاصمة تطالب السلطات بالتدخل لـ''حماية الديمقراطية'' من ''الدولة الإسلامية ''التي سيقيمها الانقاذ بحكم حصوله على الأغلبية البرلمانية، فاستجابت السلطات لنداء ''معارضة المعارضة'' وقامت في 11 يناير 1992 بإلغاء نتائج الانتخابات وكان ذلك كفيلا بدخول الجزائر أزمة سياسية وأمنية بالغة الخطوة، أعلنت فيها السلطات حالة الطوارئ وقيدت حرية الأحزاب والجمعيات والصحافة وهو الأمر الذي لايزال سارياً إلى الآن· معارضة المعارضة وأثناء سنوات الجمر ''تخصص'' العلمانيون في ''معارضة المعارضة'' وتعالت نداءاتهم لإقصاء كل الأحزاب الإسلامية من الساحة السياسية، بينما برزت أحزاب أخرى بمعارضتها الراديكالية للسلطات ومنها ''جبهة القوى الاشتراكية'' بقيادة الزعيم التاريخي حسين أيت أحمد و''حركة النهضة الإسلامية'' بقيادة الشيخ عبد الله جاب الله و''حزب العمال'' برئاسة لويزة حنون، وتعززت صفوف المعارضة بانضمام ''جبهة التحرير الوطني'' إليها بعد أن قادها أمينها العام الأسبق عبد الحميد مهري إلى الانسحاب من الحكم، وبرزت مواقف هذه الأحزاب بقوة على الرغم من ضغط السلطات عليها والتشهير بها في مناسبات عديدة وإغلاق التلفزيون العمومي الوحيد في وجهها، ومحاصرة نشاطاتها ومنع أغلب مسيراتها بحجة حالة الطوارئ، واتجه حسين أيت أحمد إلى الخارج وبدأ يقلق السلطات بتصريحاته النارية التي انتقد فيها طريقة تسييرها وانتهاجها سياسة ''الكل الأمني'' وقمع المعارضة ووضع ''ديمقراطية'' على المقاس لتضمن لها الاستمرار في الحكم· إلا أن المعارضة تأثرت كثيرا بخروج ''جبهة التحرير'' من صفوفها في يناير 1996 بعد أن تمكنت السلطات من إنجاح انقلاب على زعيمها عبد الحميد مهري وأعادت الجبهة إلى ''بيت الطاعة'' مجددا· كما تأثرت بطول فترة غلق المجال السياسي أمامها وحرمانها من وسائل الإعلام الثقيلة وتقييد نشاطاتها، فبدأ صوتها يخفت تدريجيا وأخذت تنهزم في مختلف الاستحقاقات الإنتخابية المنظمة وهي التي كانت تنازع السلطة على الحكم· زلزال بوتفليقة وفي 15 أبريل ،1999 حدث ما يشبه الزلزال لدى أحزاب المعارضة بعد فوز عبد العزيز بوتفليقة برئاسة الجمهورية في سباق انسحب منه منافسوه الستة المعارضون، واستطاع الرئيس الجديد أن يشد كل الأضواء إليه بعد أن جاء ببرنامج طموح قوامه تحقيق المصالحة وإنعاش الاقتصاد ووضع حد للفساد الذي لم يتردد الرئيس في مهاجمته بعنف في التلفزيون في خطب مطولة أبهرت الجزائريين الذين عودهم مسؤولوهم على خطابات رسمية جافة لا تثير اهتمامهم، وهي ذات الأوراق التي كانت المعارضة تشد بها الجزائريين طيلة التسعينيات· ونجحت مبادرة بوتفليقة لـ''الوئام المدني'' في 13 يوليو 1999 في دفع قرابة 6 آلاف مسلح من ''الجيش الإسلامي للإنقاذ'' إلى تسليم أسلحتهم مما ساهم في تحسين الوضع الأمني بشكل محسوس كما أدى ارتفاع أسعار النفط منذ 1999 إلى تحسن أوضاع الاقتصاد الجزائري بعد سنوات من الركود، فعاد الأمل إلى ملايين الجزائريين، وساهم ذلك في توسع شعبية بوتفليقة، فلم يكد يصل موعد انتخابات الرئاسة لـ9 أبريل 2004 إلا وكان قد حصد شعبية منقطعة النظير ففاز بـ84,99% من الأصوات في انتخابات لم تكن محل طعن من المعارضة كما حدث في الإنتخابات السابقة· وكانت تلك النتائج التي سجلها الرئيس أمام عدد من مرشحي المعارضة وأبرزهم زعيم حركة ''الإصلاح'' الإسلامية عبد الله جاب الله، مؤشرا واضحا للانحسار الملحوظ لدور المعارضة بسبب كارزماتية عبد العزيز بوتفليقة، فتعمقت جراحها وانكفأت على نفسها خصوصا وأن بوتفليقة واصل سياسة حرمانها تماما من الوصول إلى التلفزيون ووسائل الإعلام الثقيلة إلا في الحملات الانتخابية، كما قرر حرمانها من حق التظاهر والمسيرات بعد الانزلاقات الخطيرة التي شهدتها مسيرة ''عروش القبائل'' في 14 يونيو ·2001 وإزاء هذه الشعبية الكبيرة للرئيس، بادر الحزب الحاكم إلى تقديم اقتراح لتعديل الدستور يتيح لبوتفليقة الترشح لولاية رئاسية ثالثة ويمنحه نظاما رئاسيا قويا يكاد يصبح فيه الفاعل الوحيد في الحياة السياسية مما سيضعف أكثر الأحزاب السياسية وكذا دور باقي المؤسسات التنفيذية والبرلمان· إضعافٌ مبرمج ونجح بوتفليقة في تقليم أظافر المعارضين فأضعفت ''جبهة القوى الاشتراكية'' و''التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية'' بأزمة القبائل من خلال المناورة مع ''العروش'' وتقويتها لقيادة منطقة القبائل التي تعد المعقل التقليدي لهذين الحزبين المعارضين· كما عجز الحزبان عن كسر طوقهما الجهوي والانتشار على المستوى الوطني· بينما جنحت لويزة حنون زعيمة ''حزب العمال'' إلى مهادنة السلطات بعد سنوات طويلة من المعارضة الراديكالية· أما الإسلاميون الذين قصمت السلطات ظهورهم بإقصاء أقوى أحزابهم ''جبهة الإنقاذ'' الفائزة بـ3,2 مليون صوت في انتخابات ديسمبر 1991 ، فلم يبق منهم سوى جاب الله بعد أن اختارت ''حركة مجتمع السلم'' سياسة ''المشاركة'' في الحكم· وقامت السلطات بإشغال جاب الله بسلسلة من انقلابات رفاقه عليه منذ 1998 إلى حد الساعة، وكلما خرج من تمردٍ أُدخل في آخر· ويعترف جاب الله لـ''الاتحاد'' بتراجع دور المعارضة بسبب نزعة بوتفليقة للهيمنة على الحياة السياسية من جهة وقيام أحزاب التحالف الحكومي الثلاثة بغلق المجال أمام الأحزاب الأخرى بتمرير كل المشاريع القانونية الحكومية في البرلمان ومحاصرة المعارضة التي تجد نفسها عاجزة عن تعديل أي قانون· وإزاء هذه المعطيات، وجدت المعارضة الجزائرية على اختلاف توجهاتها نفسها محاصرة مقيدة عاجزة عن الحركة والتأثير في قرارات السلطات ومشاريعها، ولم تعد تستطيع سوى المطالبة بإلحاح برفع حالة الطوارئ وتحرير المجالين السياسي والإعلامي لتتمكن من النشاط بحرية واستعادة ألقها ووهجها، بينما تتذرع السلطات بعدم الاستتباب الكامل للوضع الأمني لرفض طلبات المعارضة كما تحضر لتعديل الدستور قريبا لتمكين بوتفليقة من ولاية رئاسية ثالثة يتكرس فيها تغييب المعارضة لسنوات أخرى· ويرى مراقبون أن ما وصلت إليه المعارضة من ضعف ووهن لا يعود فقط إلى سياسات السلطة الرافضة لكل من ينازعها الحكم على غرار أي بلد عربي آخر، بل تتحمل المعارضة أيضا جزءا منه بانقساماتها الإيديولوجية وأفكارها الإقصائية ضد بعضها البعض عوض أن تتكاتف لفرض نفسها في الساحة وتعتنق مبدأ التعايش وقبول الآخر، وهو ما سهل على السلطات مهمة ضربها ببعضها وإضعافها وتفتيتها· براويز مرحلة ذهبية كانت المعارضة الجزائرية في السنوات الثلاث الأولى للتجربة الديمقراطية الفتية، تنشط بحرية كاملة ودون أية قيود على طريقة الأحزاب الغربية تماما، وكان سكان العاصمة الجزائرية يستيقظون كل خميس على وقع مسيرة من تنظيم هذا الحزب أو ذاك دون حدوث تجاوزات برغم عنف الشعارات والهتافات المرفوعة، وكانت الصحافة المستقلة تكتب باستقلالية تامة دون عراقيل أو متابعات قضائية، وهو ما سمح للجزائريين بالتنفيس عن مكبوتاتهم السياسية بعد حوالي ثلاثة عقود من قمع أي صوت مخالف لصوت الحزب الواحد· عوامل التراجع تأثرت المعارضة كثيرا بإقرار حالة الطوارئ في 1992 وتقييد حرية نشاطاتها وحظر أغلب مسيراتها وتجمعاتها الشعبية ومنعها من وسائل الإعلام العمومية التي احتكرتها السلطات وعادت فيها إلى الخطاب الأحادي، كما تأثرت في يناير 1996 بخروج ''جبهة التحرير الوطني'' من صفوفها إثر نجاح السلطات في إطاحة زعيمها عبد الحميد مهري وإعادة الجبهة إلى ''بيت الطاعة''، وتضررت أخيرا بوصول بوتفليقة إلى الحكم في أبريل 1999 وهيمنته المطلقة على الحياة السياسية في الجزائر·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©