الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

نمو الأسواق الناشئة يغير خريطة الاقتصاد العالمي

نمو الأسواق الناشئة يغير خريطة الاقتصاد العالمي
17 أغسطس 2013 22:15
تُعتبر هذه السنة، الأولى التي تشكل فيها الأسواق الناشئة أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي قياساً بالقوة الشرائية، وفقاً للبيانات الواردة من صندوق النقد الدولي. وشكلت في 1990، أقل من الثلث، بينما نما نصيب هذه الأسواق من الناتج المقدم للأسواق الأخرى في الفترة بين 2003 إلى 2011، بنسبة سنوية تجاوزت 1%. وكان النمو السريع الذي شهده العالم خلال العقدين الماضيين، بمثابة العلامة الفارقة التي تشير إلى أكبر تحول اقتصادي في التاريخ الحديث، التي ليس من المتوقع حدوثها مرة أخرى. وتمكنت 30% من الدول النامية في الفترة بين 1960 إلى 1990، من زيادة ناتجها للفرد، بوتيرة أسرع من أميركا. لكن وبدءاً من تسعينيات القرن الماضي، أخذت الظروف في التحول، حيث استطاعت 73% من الدول النامية، تجاوز أميركا بوتيرة سنوية قدرها 3,3%. ومع أن الفضل في بعض ذلك يعود إلى بطء النمو الأميركي، إلا أن معظمه ليس كذلك. وسجلت أربع من الدول الناشئة، التي ضمت البرازيل والصين والهند وروسيا، التي أُطلق عليها في العام 2001 لفظ دول «البريك»، النسبة الأكبر من النمو. ونمو هذه البلدان ناتج عن عدد من الأسباب والطرق المختلفة، لكن حجمها أدى إلى اكتسابها لصفة خاصة، حيث إنها الاقتصادات الوحيدة خارج مجموعة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي يقدر حجمها بنحو تريليون دولار. وتشكل هذه الدول اليوم أكبر أربع دول من بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم. وساعد النمو القوي للدول الناشئة على وجه العموم ودول البريك على وجه الخصوص، على إحداث تحول في الاقتصاد العالمي من عدة أوجه، حيث ارتفعت أسعار السلع، بينما انخفضت تكلفة العمالة والتصنيع. كما تراجعت معدلات الفقر حول العالم، في حين أدى عدم التوازن الاقتصادي، إلى بروز حقبة من الضعف المالي أدت فيما بعد إلى وضع لبنات الأزمة العالمية. ولعب التوافر والزيادة في العاملين في الأسواق الناشئة، دوراً مهماً في تقلص الأجور، واتساع فجوة الدخل في الدول الغنية. ومن المرجح استمرار التوجه نحو الأسواق الناشئة، على الرغم من أن حقبة الطفرة شارفت على نهايتها، لا سيما وأن معدلات النمو تراجعت في كافة دول البريك. كما تمر طبيعة نموها، بنوع من التغيير وأن نموذجها الجديد لا يملك الكثير من التأثير على الصعيد العالمي. كما أن إمكانية تأثير نمو الأسواق الناشئة الأخرى على المدى القريب، بالمقارنة مع ذلك التأثير الأخير لدول البريك، ضعيفة، نظراً إلى عدم امتلاكها نفس الإمكانيات التي تمتعت بها الأخيرة في التسعينيات والألفية الماضيتين. وتميز نمو دول البريك، بمقدرة تغيير بقية اقتصادات دول العالم الأخرى، بطرق تكفل تخفيف الآثار المدمرة لأي نمو مماثل في المستقبل. ورغم أنه من المتوقع أن تحقق الدول الناشئة الكبرى المزيد من النمو، إلا أن أثار ذلك النمو لن تكن بالقوة نفسها التي كانت عليها في الماضي. العودة الكبرى وتزامن بروز حقبة دول البريك، مع وقت تباينت فيه مستويات المعيشة حول العالم بدرجة كبيرة. وفي حين تفوق الاقتصاد الأميركي على نظيره الصيني قبيل انتهاء القرن التاسع عشر، لم يتجاوز إنتاج الصين والهند بحلول 1992 سوى 7% فقط من الناتج العالمي، مع أنهما يشكلان 38% من مجموع سكان العالم، بينما بلغ إنتاج ست دول كبرى تشكل 12% فحسب من سكان العالم، نصف ذلك الناتج. وصادف توجه الصين نحو التحرر والأسواق العالمية، وقت مناسب للغاية من منطلق السياسة والتقنية والأعمال التجارية. ولم تتناول الدول الغنية قضية العولمة وعجز الحساب الجاري بالجدية المطلوبة، حيث لم تأبه حكومة بيل كلينتون كثيراً بالنمو الصناعي الذي كانت تشهده الصين ولا بتعهيد الشركات لنشاطاتها ووظائفها للهند. وببحثها عن التقنيات والإدارات الضرورية للقيام بعمليات التجميع والمحافظة على سلاسل التوريد، آثرت الشركات الهجرة إلى الخارج. وساهم انخفاض أسعار الشحن البحري في عولمة السلع، بعد أن كان ترحيلها في الماضي يعتمد على مدى مقدرة توفيرها للمستهلك من بلد إلى آخر. وطالما عملت سلاسل التوريد على ربط المناطق بأعداد ضخمة من الشباب العاملين، أصبح من السهل الحصول على عمالة رخيصة ومتعددة. ووفقاً للأرقام الواردة من معهد ماكينزي الدولي، أضافت الدول المتقدمة في الفترة بين 1980 إلى 2010، نحو 160 مليون وظيفة غير زراعية، بينما أضافت الاقتصادات الناشئة 900 مليون. وتتمثل ثمار هذه العمالة الرخيصة، في قطع خطوات بعيدة في التجارة العالمية، حيث ارتفعت صادرات السلع من 16% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، إلى 27% في 2008. وفي غضون ذلك، ارتفع نصيب الصين من الصادرات العالمية إلى 11%، مع تشكيل قطاع التجارة لأكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وماثل النمو التجاري نمو آخر في طلب السلع، حيث التهمت الصين والدول التي تورد إليها المواد الخام، مثل النحاس والزنك وخام الحديد وغيرها. وارتفعت الأسعار لتدر أرباحاً وفيرة للدول الناشئة التي تقوم بإنتاج السلع، ما ساهم في طفرة واسعة النطاق خاصة في البرازيل وروسيا ودول صغيرة أخرى في أفريقيا. النمو السنوي وبلغ متوسط النمو السنوي في الصين بين 1993 إلى 2007، نحو 10,5% وفي الهند الأقل اعتماداً على التجارة نحو 6,5%، أي أكثر من أميركا بضعفين. وتجاوز مجموع الناتج العالمي للدولتين معاً، أكثر من الضعف لما يقارب 16%. وفي ذلك الحين، برز عدم توازن مالي كبير بين دول العالم. وعانت اقتصادات الدول المتقدمة ابتداء من 1999، من عجز في حسابها الجاري قدره 1,2% من الناتج المحلي الإجمالي، في الوقت الذي تمتعت فيه الدول الناشئة بفائض بلغ 4,9% في نفس الفترة. وجعلت التدخلات في أسعار الصرف الأجنبي، التحكم في نمو الصادرات أمراً غاية في الصعوبة. وبدأت العديد من الدول الناشئة في أعقاب أزمة التسعينيات، في جمع الدولار لحماية أنفسها ضد تدفقات النقد الأجنبي للخارج. وساعد بناء الاحتياطات الاقتصادات ذات النمو، على الاحتفاظ بأسعار الصرف في المستويات التي تناسبها، ما أدى إلى انخفاض أسعار الصادرات بشكل نسبي. وبما أن الصين متحمسة لجمع الاحتياطات النقدية، فقد بلغ احتياطيها الحالي نحو 3,5 تريليون دولار، وذلك منذ العام 2000، في حين يقدر احتياطي دول البريك بنحو 4,6 تريليون دولار. وساهم تكديس هذه الاحتياطات في إحداث تخمة ادخار عالمية، حيث ساعدت في انخفاض أسعار الصرف، في ظل موجة من الإقراض في القطاعين الخاص والعام في الدول الغنية. ولم تعد حصة الاقتصادات الناشئة من الناتج، تنمو بذات السرعة التي كانت عليها في الألفية الثانية، حيث لم تتجاوز الزيادة السنوية في 2009 سوى 1,5% ونحو 1% في الوقت الحالي. ويتزامن ذلك، مع بطء شديد في معدلات نمو اقتصادات دول البريك. وحققت الصين في 2007 نمواً قوياً قدره 14,2% والهند بنحو 10,1% وروسيا 8,5% والبرازيل 6,1%، في حين تشير تقديرات صندوق النقد الدولي لنمو هذه الدول خلال العام الحالي، بما لا يتجاوز 7,8% للصين و5,6% للهند ونحو 2,5% فقط لكل من روسيا والبرازيل. وما يثير الدهشة، أن ذلك يعني تدني مساهمة دول البريك في النمو العالمي، علماً بأنها كانت تشكل في 2008 ثلثي النمو من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وفي 2011 نحو النصف وأقل منه في 2012. كما يتوقع الصندوق بقاء هذه الدول على هذه الحالة، على مدى الخمس سنوات المقبلة. وبعد عقدين من النمو السريع، استغلت أكثر الدول الناشئة كثافة سكانية، أكثر الخطوات سهولة في الصعود إلى سلم الرفاهية. وأعد جلودمان ساكس، قائمة تضم 11 من البلدان الواعدة بالنمو أطلق عليها اسم «أن 11»، تتضمن بنغلاديش والمكسيك ونيجيريا وإندونيسيا وتركيا. لكن ليس من المتوقع أن يكون لهذه الدول نفس التأثير الذي كان لدول البريك. تعداد السكان وتعود أسباب ذلك، إلى صغر حجم اقتصادات هذه الدول، حيث لا يتعدى تعداد سكانها أكثر من 1,3 مليار نسمة، أي أقل من نصف دول البريك. كما أنها أكثر ثراء من البريك عندما كانت تمر بنفس الفترة. ولم تعد كثافة السكان تعني الفقر ولا العكس صحيح. وفي غضون عقدي النمو اللذين عاشتهما دول البريك، لم يكن هناك العديد من الناس من ذوي الدخول المحدودة. وفي العام 1993، كان يعيش ما يقارب نصف سكان العالم دون 5% من الناتج المحلي الإجمالي للفرد في أميركا، الرقم الذي ارتفع إلى 18% في 2012. وفي حقيقة الأمر، ليس من الممكن لدول البريك تكرار قصة نموها، نظراً إلى مضاعفة حجم الاقتصاد العالمي منذ 1992. ويعني ذلك، أنه يترتب على دول البريك بجانب «أن 11»، تحقيق زيادة مماثلة ليتساوى نموها مع الذي شهدته في تسعينيات القرن الماضي والألفية الثانية. وينطبق نفس القول على سوق العمل، حيث ساعدت المليار وظيفة غير الزراعية التي تمت إضافتها في الفترة بين 1980 إلى 2010، في نمو قطاع الوظائف بنسبة قدرها 115%. وفي حالة إضافة العالم لمليار وظيفة أخرى بين 2010 إلى 2040، لا يشكل ذلك سوى زيادة بنحو 51% فقط في سوق الوظائف العالمية. وساعدت ردة فعل الاقتصاد العالمي لطفرة دول البريك، في تقليل تعرضه لصدمات قادمة مماثلة، حيث استجابت الأسواق للارتفاع في طلب السلع والأسعار، بينما عملت الأسر والمؤسسات على الادخار في المُدخلات وسارعت الحكومات والنشاطات التجارية إلى تطوير مصادر جديدة، كما هو الحال فيما يتعلق بالنفط الصخري في أميركا الآن. ويعني تراجع معدل النمو على الصعيد العالمي، إمكانية المزيد من التعاون بين قادة العالم وتوجه جديد نحو عمليات التحرير. وتحققت فترة نمو دول البريك في غياب عمليات كبيرة للتحرير التجاري، التي لم تؤثر أيضاً على نمو القطاع التجاري، كما من الممكن أن يقود هذا التراجع إلى تركيز جديد على المحادثات التجارية العالمية. وتكمن المخاطر، في أن تتجه الأمور نحو الاتجاه العكسي، حيث تُبدي الدول الغنية حذراً أكثر مما كان قبل مضي عقد من الزمان والمزيد من الرغبة في المحافظة على قوتها التنافسية في مجال الصادرات. وربما تقود موجة الاتفاقيات التجارية الإقليمية، إلى تفكك الاقتصاد العالمي. كما أن بطء النمو في دول البريك، ربما يؤدي إلى توترات داخلية تمتد تداعياتها للدول المجاورة. وسواء أصبح العالم قادراً على بناء حقبة من النمو أم لا، يعتمد ذلك على مدى إمكانية تحقيق تعاون دولي أكبر بين القوى الجديدة أو انهيارها، وعلى أسوأ الحالات نشوب الحروب بينها. نقلاً عن «ذي إيكونوميست» ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©