الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أنتَ في الناس مثل شهرك

أنتَ في الناس مثل شهرك
9 أغسطس 2012
يرصد المسلمون جميعاً في كل بقاع الأرض هلال رمضان الكريم لتحديد بداية غُرّة الشهر المبارك فيقف الناس فوق سطوح المنازل والمناطق المرتفعة، واليوم يحدده لنا علماء الفلك عبر المراصد الدقيقة، وبعد رؤية هلال الصيام الكريم تُنار المساجد ويؤمها المصلون لأداء الصلوات فيها وتلاوة القرآن الكريم. وذكر أحمد بن يوسف الكاتب أنّ الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد قد أمره بالكتابة ليحثوا الناس على الإكثار من المصابيح في شهر رمضان لما لها من فضل. يقول أحمد بن يوسف فما دريت ما أكتب ولا ما أقول في ذلك، إذ لم يسبقني إليه أحد، فاسلك طريقه ومذهبه، وأضاف فبعد أن نمت أتاني آت فقال لي أكتب: فإن في ذلك أنسا للسابلة وإضاءة للمتهجدين، ونفياً لرمضان الريب، وتنزيها لبيوت الله عزّ وجل من وحشة الظلم، فانتبهت وقد انفتح لي ما أريد، فابتدأت بهذا وأتممت عليه وصف ابن يوسف القيرواني صاحب العمدة هلال الصيام: لاحَ لِي حاجِبُ الهِلالِ عَشِيَّا فتَمَنَّيتُ أنّـهُ مِنْ سَحَابِ قُلْتُ أهلاً، وليسَ أهلاً لما قُلْتُ ولكن أسْمَعْتُها أصْحَابِي أما الشاعر ابن حمديس الصقلي فرحب بهلال رمضان قائلاً: قُلْتُ والنّاسُ يَرقُبونَ هِلالاً يُشْبِهُ الصَبَّ مِنْ نَحَافةِ جِسْمِهْ مَنْ يَكُنْ صَائماً فذا رَمضانُ خَطَّ بالنُّورِ للورى أوَّل اسْمِهْ آخر شعبان وآخر رمضان إذا اتفق أن كان آخر شهر شعبان يوم شك، احتفل به الشعراء احتفالاً منقطع النظير، واستنفدوا الجهد في إعطاء نفوسهم كل ما اشتهت، وكأنّهم يريدون أن يستجمعوا فيه دفعة واحدة كل المُتع، التي سيمتنعون عنها خلال شهر الصيام. وقد سجل الشعراء ذلك في مُقطعّات شعرية مرحة ضاحكة. فقد تنزّه الشاعر أبي نواس ذات مرّة مع الأمير أبي عيسى بن الرشيد بالقفص ـ بلدة قرب بغداد وعكبراء ـ في أواخر شهر شعبان، فلما كان اليوم المُوفّى ثلاثين، قيل لأبي نواس: هذا يوم شك وبعض الناس يصومه احتياطاً. فقال أبو نواس: ليس الشك حُجّة على اليقين، حدّثنا أبو جعفر يرفعه إلى الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ أنّه قال: “صوموا لرؤيته، وافطروا لرؤيته”. يعني هلال الشهر. ثم ألتفت إلى أبي عيسى فقال: لو شئت لم نبرح من “القفص” نشربها حمراء كالفصِ نسرق هذا اليوم مِن شهرنا فالله قد يعفو عن اللصِ ومن طرائف الشاعر الوأواء الدمشقي في يوم شك صامه الناس آخر رمضان، وذكرها في ديوانه، قائلاً: سألت مَن شفنّي هواه ومن هاجرني مُذ هويته النومُ أأفطر الناس؟ قال مُبتسماً زِيْدَ عليهم في صومهم يومُ فقلت: يا مَن خسرت آخرتي فيه ولم يغنَ عني اللومُ إن لم أكُن مُفطراً على قبل منك فدهري بأصله صومُ وكتب أب الفتح كشاجم إلى بعض إخوانه ـ واسمه علي ـ يستدعيه إلى زيارته في يوم شك: هو يوم شك يا عليّ وبشره مُذ كان يحزر والجوّ حلته ممسكة ومطرفه معنبر والماء فضيّ القميص وطيلسان الأرض أخضر نبت يفتق زهره في الروض قطر ندىً تحدّر ولنا قضيت تكو ن ليومنا قوتاً مُقدّر معانٍ طريفة لقد أوحى الشهر الكريم رمضان الخير والعطاء إلى الشعراء والأدباء والظرفاء كثيراً من المعاني الطريفة في الوصف والمدح والغزل والهجاء والتندر والمُلَح والمُفاكهات، كما أمدهم شهر الصيام بكثير من صور البيان الرائعة. فمن ذلك قول الشاعر العباسي أبي نواس في امرأة: نُبئت أنّ فتاة كنت أخطبها عرقوبها مثل شهر الصوم في الطُولِ! أو قول الشاعر ابن سكرة الهاشمي يصف سوء حاله وما آل إليه وضعه: وهنوا بالصيام فقلت مهلاً فإنّي طُول عُمري في صيامِ وهل فطر لِمَن يمسي ويضحى يُؤمل فضل أقواتِ اللئِامِ أو قوله الآخر: أما الصيام فشيء لست أعدمه مدى الزمان وإن بِيت إفطارا أغشَى أُناساً فأغشَى في منازلهم جُوعاً على ولا أغشَى لهُم نارا وهذا معنىً طريف في قاضٍ أفطر في رمضان لابن العميد: يــا قاضيــاً بـــات أعمــى عــن الهـــــلالِ السعيــــــدِ أفطـــرت فــي رمضــــانَ وصُمـــت فــي يــومِ عيـدِ! ابن مُنقذ وزنكي أقوال الشعراء في رمضان الربيع والصيف كان عدد من الشعراء أكثر تبرماً برمضان، إذا جاءهم في فصل الربيع، أو في فصل الصيف اللاهب. ويقول الخالدي في رمضان، وقد جاءه في فصل الربيع: إنّ شهر الصيام إذ جاء في فصل ربيع أودى بحُسنٍ وطيبِ ويقول ابن عون الكاتب: جاءنا الصوم في الربيع فهلا أختار ربعاً مِن سائر الأرباعِ وكأنّ الربيع في الصوم عقد فوق نحر غطّاهُ فضل قناعِ أرسلت طيفها إلى” ملام” لائماً لي وما عليّ ملام قائلاً لي هجرتني شرّ هجر بعد وصل ولي عليك ذمام وشباب الربيع في أول العُمرِ لثغر الزمان منه ابتسام وجيوش الورود قد نشرت للسوسنِ الغضِّ حولها أعلام وأشار علي الجندي في كتابه “قُرّة العين في رمضان العيد” إلى طائفة من الأبيات الشعرية الخاصة برمضان، منها قول أسامة بن مُنقذ في السلطان محمود نور الدين زنكي وأيامه، وقد أبدع ابن مُنقذ أيما إبداع في دقة وصفه وشموله، مع إيجازه البارع، والبراءة في الفُحْش، وبلوغ الغاية: سلطاننا زاهدٌ والناس قد زهدوا له، فكلٌّ إلى الخيراتِ مُنكمشُ أيامه مثل شهر الصوم خالية مِن المعاصي، وفيها الجُوع والعطشُ ومن الصور الرمضانية عند شعراء العرب، ما ذكره ابن الأعرابي بقوله: فلو كنت يوماً كنت يوم تواصل ولو كنت ليلاً كنت لي ليلة القدر ولو كنت عيشاً كنت نعمة جنّة ولو كنت نوماً كنت تعريسة الفجرِ كما أنشد ابن الأعرابي وفق هذا النمط قائلاً: فلو كنت ليلاً كنت ليلة صيف مِن المُشرقات البيض في وسط الشهرِ ولو كنت ظلاً كنت ظلّ غمامة ولو كنت نوماً كنت تعريسة الفجرِ ولو كنت يوماً كنت يوم سعادة ترى شمسه والمُزن يهضب بالقَطْرِ وأنشد ثعلب عن ابن الأنباري: لو كنت ليلاً من ليالي الشهرِ كنت من البيض تمام البدرِ بيضاء لا يشقَى بها مَن يسري أو كنت ماء كنتَ غير كَدْرِ ماء سماء في صفاتي صخر أظله الله بعيص السدرِ وهذا الشاعر المُحسَّن يمدح شخصاً ويشبهه بليلة القدر: نلت في ذا الصيام ما ترتجيه ووقّاكَ الله ما تتقيه أنتَ في الناس مثل شهرك في أشهر بل مثل ليلة القدر فيه ويقول بعض الشعراء: وحلّت به الآمال وهي شريفة محل ليالي الصوم مِن ليلة القدرِ ويقول التهامي: بدت تحت أوراق الظلام كأنّما تواجهني مِن وجهها ليلة القدرِ وقال اللحّام الحرّاني في بخيل بالطعام: على عدد القوم رغفانة فلست ترى لقمةً زائده أرى الصومَ في داره للفتى ـ إذا حلّها ـ أعظم الفائدة أما ابن عبدربه الأندلسي صاحب العقد الفريد، فقال: لا يفطـر الصائـم مِن أكلـه لكنّــه صــوم لِمَــن أفطَــرا في وجهه مِن لُؤمِهِ شاهد يكفـي بـه الشاهـد أن يخبرا لم يعرف المعروف أفعاله قــطّ كمـا لـم ينكـر المُنكَـرا ويقول يحيى بن نوفل في عبدالله بن عتبة بن مسعود المخزوميّ: كنت ضيفاً” ببرمنايا” لعبدالله والضيف حقّه معلومُ فانبرى يمدح الصيام إلى أن صمت يوماً ما كنت فيه أصومُ ثم أنشأ يستام برذوني الور د مُلِحاً كما يلحُ الغريمُ ولَعمري إنّ ابن قبلة إذا يستام برذون ضيفه للئيمُ
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©