السبت 11 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسواق المال الأميركية... مسارات متعرجة

17 أغسطس 2011 01:05
عندما تواصل سوق الأوراق المالية مسارها المتعرج لتخسر 12 في المئة في بحر ثلاثة أسابيع، أي ما يعادل 2.5 تريليون دولار من الخسائر السوقية، فإنها بالتأكيد ترسل رسالة. ولكن ما الذي يقوله لنا هذا السوق على وجه الدقة؟ الإجابة الأكثر وضوحاً على ذلك السؤال هي أن أداء البورصة الأميركية يتفق مع تقييم مؤسسة "ستاندارد آند بورز" التي انتقدت في قرارها الصادر في الخامس من أغسطس الحالي بتخفيض التقييم الائتماني للولايات المتحدة من (AAA) إلى (+AA)، ما وصفته بـممارسات "حافة الهاوية" في السياسة الأميركية، وقالت إن صفقة سقف الدين العام الأخيرة "قاصرة عن المطلوب"، ولا تكفي في حد ذاتها لوضع مالية الولايات المتحدة تحت السيطرة. المعنى الضمني لذلك الانتقاد واضح وهو: إن تغيير اتجاه الأمور للناحية العكسية، يحتاج من كل من الكونجرس والإدارة الأميركية، للعمل معاً على نحو أكثر نشاطاً وفعالية، من أجل معالجة العجز سواء من خلال رفع الضرائب، أو خفض الإنفاق. كان هذا هو التفسير الأكثر قبولًا خصوصاً في واشنطن، ولكن كان تفسيراً يصعب مواءمته مع ما كان يحدث في الأسواق بالفعل خلال الأيام العديدة الماضية. لفهم ذلك علينا أن ننظر إلى سوق السندات، الذي يفوق حجمه حجم سوق الأوراق المالية مرتين، والذي كان المشاهد الرئيسي للتحليل الذي أجرته"ستاندارد آند بورز". فلو كان المشاهدون الآخرون أي المشاركون في السوق مهتمين حقاً بعدم قدرة حكومة الولايات المتحدة على التعامل مع الميزانية، لكنا قد شهدنا ارتفاعاً في أسعار الفائدة، على أساس أن تخفيض التصنيف كان من المحتم أن يجعل المستثمرين أكثر عصبية، بسبب السيل المتواصل والذي لا يتوقف من الديون الحكومية، وازدياد احتمالات ومخاطر عدم التمكن من استرجاع أموالهم في ذات الوقت. ولكن الذي حدث كان العكس تماماً، حيث هبطت أسعار الفوائد بمقدار كبير. ففوائد السندات الحكومية الأميركية فـئة العشر سنوات هبطت من معدل كان يزيد بنسبة بسيطة على 3 في المئة في بدايات شهر يوليو إلى 2.1 في المئة الأسبوع الأخير. وبدلاً من النظر إلى السندات الأميركية على أنها استثمار خطر، استمر المشاركون في السوق، في التعامل مع تلك السندات على أنها تمثل"ملاذاً آمناً". السؤال هنا، طالما أن الأسواق المالية ليست قلقة بشأن الثقة والضمان الكامل الذي تتمتع بها الولايات المتحدة، فما الذي يدعو أسواق السندات إلى الهبوط إذن؟ وهذا التساؤل، أو هذا المعني في الحقيقة، يمكن أن يأتي في صيغة أخرى كتلك الصيغة التي أبرزها "بول كروجمان" في "نيويورك تايمز" عندما قال إن الأسواق قد توصلت إلى استنتاج- بناء على الصعوبات التي يكافح الاقتصاد الأميركي من أجل التغلب عليها- وهو أن استقطاعات الميزانية هي العلاج الخطأ للأمراض التي نعاني منها في الوقت الراهن. والحقيقة أن إدارة أوباما التي وجدت نفسها محشورة في زاوية ضيقة، بعد تخفيض التصنيف الائتماني لها من قبل "ستاندارد آند بورز"، يجب أن تركز في الوقت الراهن على تقليص عجز الميزانية في المقام الأول، مع استبعاد جميع الأهداف الأخرى للسياسة المالية في الوقت الراهن على الأقل... لماذا؟ لأن هذا التقشف سواء تم تحقيقه من خلال خفض الإنفاق، أو زيادة الضرائب في هذه اللحظة من الزمن، وفي هذه الدورة من دورات النشاط الاقتصادي، لن يفعل شيئا سوى مفاقمة التباطؤ الاقتصادي. ومن خلال هذه القراءة أو التفسير يكون ما قامت به الأسواق المالية هو تجهيز نفسها للركود المزدوج القادم. وإذا كانت هذه هي رسالة الأسواق الحقيقية، فما الذي يتعين علينا فعله؟ بدلاً من البدء في المزيد من استقطاعات الميزانية وغيرها من الإجراءات التقشفية الأخرى، يجب على الحكومة الأميركية أن تسعى نحو العكس تماماً من ذلك، وهو الاستفادة من حقيقة أنها تستطيع - من حيث الجوهر- الاقتراض من دون مقابل من أجل تمويل استثمارات البنية التحتية التي تحتاج إليها بصورة ماسة. فقبل كل شيء يجب علينا أن ندرك أن طرقنا، وجسورنا، ومطاراتنا، في حاجة ماسة إلى عملية ترميم وتجديد شاملة وعاجلة. والاستثمارات التي سيتم ضخها من أجل ذلك ستوفر في الوقت نفسه فرصاً وظيفية، وتضخ المزيد من الأموال في شرايين الاقتصاد. لكن الإشكال هنا هو أن أميركا قد باتت عاجزة عن التعامل مع اقتصادها المتباطئ، ليس بسبب خلل عميق في الاستراتيجية - كما يرى ذلك البعض - ولكن لأن دعم الشعب لخطة تقوم على الإنفاق الحكومي النشط- في مجال البنية التحتية أساساً - قد تبخر. ليس هذا فحسب، بل إن ما حدث في الواقع أنه منذ انتخابات التجديد النصفي الذي جرت في نوفمبر من العام الماضي، هو بدء نوع من السجال مع حركة قوية ومتنفذة سياسياً، تنادي بإلحاح من أجل تقليص حجم الحكومة. يؤكد"كين روجوف" أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد، والمؤلف المشارك لكتاب قيم عن الأزمات المالية خلال الثمانمائة عام الأخيرة إن التعافي الاقتصادي من تلك الأزمات عادة ما يكون محدوداً، وممتداً على فترة زمنية طويلة، وأن الأزمة الحالية لا تختلف عن ذلك النمط. إن تفسير ما تقوله مؤشرات الأسواق المالية ليس بالأمر السهل، ولا المباشر في معظم الحالات، وإنه إذا واصل مؤشر"داو جونز" وغيره من المؤشرات الرئيسية، طريقه المتعرج نحو الهبوط ، فسيكون هناك خطر حقيقي من قيام الساسة بالتوصل إلى الاستنتاجات الخاطئة، ومن ثم البدء بعد ذلك بالدفع في اتجاه السياسات التي تفاقم من الأمور. في اللحظة الحالية، تشير الأسواق، وأسواق الأوراق المالية، بوضوح تام أن التهديد الأخطر على رخاء الولايات المتحدة هو التعافي الباهت، وليس عجز الميزانية. وأملنا هو أن تتمكن واشنطن من القراءة الصحيحة لتلك المؤشرات. لياقت احمد مدير استثمارات ومؤلف كتاب" لوردات التمويل : المصرفيون الذين أفلسوا العالم" الحاصل على جائزة بوليتزر ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©