الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام السياسي والحريات الفردية

7 أغسطس 2012
منطق التسيُّس باسم الدين عاد لينشر ألوانه الكئيبة على بقاع واسعة من العالم العربي غداة انقشاع الغمام عن مآل ما سمي بالربيع العربي. لقد شكلت جماعات متشددة ونظم حكم ثيوقراطية إقليمية غير عربية إلى عهد قريب النموذج السياسي والثقافي لأقطاب كثيرة من حركات الإسلام السياسي. وظلت في فعالية وصولها إلى السلطة المثال المأمول لأغلب هذه الحركات التي تتربع على عرش الحكم في العالم العربي الإسلامي بعد حراك الشعوب. وفي السياق الراهن الذي تعيشه بلدان الحراك العربي تفرض المقارنة نفسها، لأن تشابهاً ما يحصل في الواقع الحالي لبلدان ما سمي بالربيع العربي، بتلك النظم الدينية الإقليمية كإيران بعيد الثورة مثلاً، وما شهدته من تجاذب سياسي وديني بين تيارات وتوجهات مختلفة. ووجه المقارنة يبدأ من أن بعض رجال القوى الدينية الإيرانية قطفوا حينذاك ثمار الثورة بالرغم من أنهم لم يشعلوها، ولكنهم عرفوا كيف يستفيدون منها، ويحققون من خلالها مكاسب سياسية. لأن من يُنجح ثورة ويضحي من أجلها ليس بالضرورة أن يكون هو من يقطف ثمارها، ويتحصل على نتائجها ومكاسبها المباشرة. والأمر ذاته تكرر في حركات الإسلام السياسي العربي الراهنة في سياق الحراك العربي في أكثر من بلد. فـ"الإخوان المسلمون" مثلاً التحقوا بالثورة المصرية متأخرين، وحركة النهضة بتونس جنت ثمار ثورة شبابية ضد نظام بن علي لم تكن هي نفسها من تزعمها. أما حزب العدالة والتنمية المغربي فقد حظي برضا أصحاب القرار بعد أن عارض بقوة الحركة الاحتجاجية التي قادها شباب عشرين فبراير، بحسب ما يقول بعض منتقديه. وقيل إنه كان الحزب الوحيد ضمن الأحزاب المغربية التي دعت إلى مقاطعة الحراك المغربي. أما وجه الشبه الثاني فيتمثل في قائمة الإجراءات التي يبدو أن الحركات الواصلة إلى السلطة بدأت في تطبيقها. في إيران ما بعد الثورة قرر بعض الوافدين الجدد على السلطة في ذلك الوقت بعيد نجاح الثورة تضييق هامش الحريات السائد، وهاجموا بالخصوص هامش حريات النساء. والأصداء الواصلة من وراء جدران الربيع العربي الآن تشي بمؤشرات مشابهة. ففي تونس بدأت مضايقة الحريات الفردية على أيدي سلفيين في غفلة من العالم، وحدث أحياناً اعتداء على المثقفين والمثقفات باسم خروجهم عن اللباس الشرعي، ورفع متشددون دعوات للتراجع عن مكتسبات حقوق المرأة، وربما لا يبقى سوى إعداد قوائم تكفير وتضليل. وفي مصر ترتفع حدة مطالبة السلفيين بتطبيق أحكام الشريعة حسب ما يفهمون هم منها، أما "الإخوان" فقد خاضوا حملة انتخابية استغلوا فيها الجوانب الدينية إلى أبعد حد ممكن، وربما تم ترغيب وترهيب الناخبين بفتاوى الوعد والوعيد في الآخرة! وفي المغرب فتاوى بهدر دم صحفيين غامروا بإعلان موقف هنا أو موقف هناك، ولجان تدعي انتماءها للمجتمع المدني تحاول فرض نفسها لاستنساخ تجارب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما في ليبيا فلا يزال صدى دعوات من هذا القبيل يتردد عالياً. فهل يتراجع منسوب الحريات الفردية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، الضعيف أصلاً، في ظل وصول بعض حركات الإسلام السياسي إلى السلطة في بلدان عدة من العالم العربي، أم أن الأطياف السياسية الإسلامية قادرة على ملاءمة برامجها مع أدبيات الحرية كما صاغتها القيم الإنسانية في زمننا المعاصر، وكما توافقت عليها الإنسانية في مواثيقها الحديثة؟ الراهن أن بعض حركات الإسلام السياسي في العالم العربي ماضية، على ما يبدو، في فرض نفسها كمعطى سياسي واجتماعي لابد من وضعه في الاعتبار، ولكن خطورة النظم الثيوقراطية السياسية عبر التاريخ تنبع من ربط الدين والسياسة، واحتمال التعدي على الحريات العامة والخاصة باسم هذا أو تلك، أو هما معاً. وتزداد حريّة الإنسان/ الفرد انتكاسة كلما انمحت الحدود بين الدّيني والسّياسي، وكلما بدا الحكم في ثوب الورع المالك المتحكّم في مصائر الناس وعقائدهم. لقد أخطأت إذن كل التقديرات التي كانت تعتبر أن القرن العشرين سيكون قرن أفول النظم الثيوقراطية. وتأكد في القرن الحادي والعشرين، وبالملموس، خطأ هذه التنبؤات، بعد أن دقت الثورات العربية إسفيناً عميقاً في جسد هذه النظريات. قد يقول قائل إنها الديمقراطية وقد احترمت إرادة الشعب الانتخابية فاختار من يحكمه طواعية وبشفافية. وهنا لابد من التأكيد على أن الديمقراطية كنظام للحكم لابد أن تقوم على أساس احترام حريات الأفراد، لأن للأفراد حقوقاً تسبق كل شيء، ومن ثم فإن حماية تلك الحقوق هي هدف الدول. وفيما عدا ذلك تتحول الديمقراطية إلى نوع من السلطة المطلقة خاصة إن كانت باسم الدين ومسندة بشعارات ذات صلة بطرح الإسلام السياسي. والتجارب التاريخية تثبت عبر مختلف العصور أن من يصلون إلى الحكم بطريقة ديمقراطية قد يتحولون في أي وقت وحين إلى الدوس على حقوق الأفراد وحرياتهم تحت مسميات وطنية أو قومية أو دينية فيفسحون المجال للطغيان! عزيز مشواط باحث من المغرب ينشر بترتيب مع مشروع «منبر الحرية»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©