الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غزوة بدر أول معركة خرج فيها النبي ليثبت أن الحق فوق القوة

16 أغسطس 2011 22:23
الأحداث الكبرى في حياة الأمم معقودة على طموحات وآمال الرجال، ولا وجود لها على صفحة الوجود وأرض الواقع، إلا بإرادة قوية، وعزيمة صادقة ترى فى نهضة الأوطان ورفعة الأمم تحقيق للذات، وراحة للضمير، نظراً لأداء الأمانة وتأدية الواجب والرسالة. وعندما نقول إن تحقيق الآمال معقود على طموح الرجال لا نقصد بالرجولة هنا الذكورة، لكن نقصد بها مقومات شخصية تحفر اسم صاحبها فى سجل العظماء والأبطال بغض النظر عن كون صاحبها، ذكراً كان أم أنثى، ولعل هذه الصفوة من الناس هى التي عناها الحق سبحانه وتعالى بقوله (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفوراً رحيما ) الأحزاب 23-24. فصلت بين عهدين وإذا حق لكل أمة أن تفاخر بعظمائها وتغالب بذكرياتها وبطولاتها، فحق لهذه الأمة أن تشدوا بذكرى بدر وأبطالها، أما بدر فهو يوم الفرقان كان فيصلاً بين عهدين : العزلة والعزة، والحق والباطل، والتوحيد والوثنية، فهى أول معركة خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم ليثبت للدنيا بأثرها أن الحق فوق القوة، وأن العدد والعدة لا عبرة بهما إذا ما التقيا بالإيمان الصادق والحق الواضح، وأما أبطالها فهم قوم شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أول لقاء انتصر فيه الإيمان على الكفر ونحتوا فى ذاكرة التاريخ أروع الأمثلة فى التضحية بالنفس والمال فى سبيل الله وابتغاء مرضاته نصرة لدينه وحباً لنبيه حتى اطلع الله على قلوبهم فقال لأهل بدر : اعملوا ما شئتم فإنى قد غفرت لكم . وإذا أراد الله شيئاً هيأ له من أسباب التمكين ما يخرجه من الوجود إلى العدم، وإن الله بالغ أمره، وكان أمر الله قدراً مقدورا. قلة مستضعفة لقد سمع عمر بن الخطاب رضى الله عنه قول الله سبحانه ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) القمر 45. وهو يتلى بين يدى النبي صلى الله عليه وسلم فكان يقول لم أدر أى جمع هذا حتى كانت غزوة بدر، وكأن القرآن الكريم قد بشر بهذه الغزوة والمسلمون قلة مستضعفة فى مكة ثم أخرجه الله من قدره المسطور إلى قدره المنشور بعد الهجرة إلى المدينة مؤيداً الله سبحانه وتعالى فيها القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، فكان النصر لهم صاحباً وحليفا، ولم يكن هذا النصر درباً من الحظ أو الاتكالية، وإنما علمنا الله سبحانه وتعالى من خلالها أن انتصارات الأمم لابد أن يدعمها أسباب مهيئة ويؤيدها عون ومدد من الله سبحانه وتعالى. وهذا ما حدث عندما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحاب الخبرة فى أمر القتال، فقام الصديق فتكلم فأحسن الكلام، وقام الفاروق فقال وأحسن الكلام، ثم قام المقداد بن الأسود فقال يا رسول الله : امض لما أراك الله، فنحن معك فوالله لا نقول لك كما قال بنوا إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ودعا له، ثم قال اشيروا علي أيها الناس، يريد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الأنصار لأنهم كانوا أكثر القوم عددا، وكانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على أن يمنعوه فى ديارهم، أما خارج الديار فلم يكن ذلك العهد ملزم لهم ففطن لهذا الأمر سعد بن معاذ فقال : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم فقال سعد : لقد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقى عدونا غدا، إنا لصبر فى الحرب صُدق عند اللقاء ولعل الله يريك ما تقر به عينك فسر على بركة الله، فسر الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك وأشرق وجهه ثم بشر أصحابه بالنصر قائلا : سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم. الكلمات المشرقة ومع هذه الدفعات الإيمانية التى ترجمت عنها هذه الكلمات المشرقة التى عبرت عن إيمان صادق وعزم لا يلين قام القائد الملهم من ربه محمد صلى الله عليه وسلم بحملات استطلاعية بعث فى إحداها علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وغيرهم، فأمسكوا بغلامين لقريش وجاءوا بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألهما عن ريش فقالا له هم والله وراء هذا الكثيب الذى ترى بالعدوة القصوى، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : كم القوم ؟ قالا كثير . قال : ما عدتهم ؟ قالا : لا ندرى . قال : كم ينحرون كل يوم ؟ قالا : يوما تسعاً ويوماً عشراً من الإبل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم – مستدلا بأكلهم على عددهم – القوم فيما بين التسعمائة والألف. ثم قال لهما : فمن فيهم من أشراف قريش ؟ فذكرا عتبة بن ربيعة، وشيبة، وأبا جهل وأمية بن خلف وغيرهم فأقبل الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه وقال لهم : هذه مكة ألقت إليكم أفلاذ كبدها فعلم المسلمون أنها الحرب لا محالة. القلة المؤمنة وفى ظل هذا الجو أتى مدد السماء وأيد الله سبحانه وتعالى القلة المؤمنة بجنود لم يروها ( وما يعلم جنود ربك إلا هو ) فكان المطر من السماء جنديا من جنود الله، منه شرب المسلمون وتطهروا، وملئوا الأسقية وسقوا الركائب وتلبد الرمل تحت أقدامهم فسهل السير عليهم، وكان النعاس جنديا من جنود الله به استراح المسلمون من الجهد الذي أصابهم، ومن الحرج الذى أقلقهم فبدل الله خوفهم أمناً. يقول سبحانه ( إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام ) الأنفال 11 . ثم كان فوق ذلك كله نصرة الملائكة المؤيدة بنصرة ربها فكان يعرف قتيل الملائكة بضربة على أصبعه وقطع فى عنقه، يقول سبحانه ( إذ يوحى ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان ) الأنفال 13. وكان من المشاهد المثيرة فى هذه الغزوة ما يمكن أن نطلق عليه تحقق وعد الله بنصرة المظلوم ولو بعد حين، حيث جلس عبدالله بن مسعود ذات يوم فى مكة قبل الهجرة يسمع المشركين كلام الله، فضربه أبو جهل ضربة قطعة منها أذنه ولكن الله هو القائل ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون ) إبراهيم 42. وتطوى الأيام وتأتى غزوة بدر، ويخر أبو جهل صريعا، ويقطع ابن مسعود رقبته ثم يربط رأسه من أذنه ويجرها إلى أن أتى النبى صلى الله عليه وسلم فتقطع أذنه من شدة الحبل، فيستحضر النبي صلى الله عليه وسلم مشهد ابن مسعود في مكة وقد ضربه أبو جهل فقطع أذنه فيقول لابن مسعود : يا ابن مسعود أذن بأذن والرأس زيادة. ولم ينس النبى صلى الله عليه وسلم وهو القائد الملهم دور الحرب الإعلامية فى تأكيد نصر المسلمين وتثبيته، إذ كان يحث شعراء المسلمين على القيام بواجبهم فى الدفاع عن المسلمين، وإخافة الأعداء بشعرهم. د. محمد عبد الرحيم البيومي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©