الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بنت شبرا مأساوي

بنت شبرا مأساوي
18 أكتوبر 2006 23:46
إبراهيم فرغلي: عندما عادت داليدا النجمة اللامعة في أوروبا، لتغني في القاهرة أواخر السبعينيات من القرن الماضي التفت الجمهور العربي إليها بسرعة بوصفها ''فتاة شبرا''، الحي القاهري العريق، التي حققت شهرة عالمية، وراحت الجماهير تغني معها الأغنية التي عادت لتكرس بها شهرتها عربيا وهي أغنية ''سالمة يا سلامة''، ورغم بعض التأويلات الخاطئة للأغنية التي قالت إن المعنى الحقيقي المقصود منها هو ما يردده اليهود بعد توقيع مصر لاتفاق السلام مع إسرائيل فإن الأغنية بكل معانيها الوطنية بددت تلك الشائعات وراح جمهور واسع من المصريين يرددها بإحساس صادق لم يخل منه صوت داليدا القوي والناعم في آن واحد ''حلوة يا بلدي''، لكن الجمهور الذي استجاب لكلمات تلك الأغنية كان منبهرا أيضا بالأداء العصري الذي أضافته داليدا لمسيرة الأغنية الوطنية· ولم تكن داليدا في حاجة إلى الشهرة، فهي واحدة من أشهر نجمات أوروبا وقدمت أكثر من 500 أغنية فرنسية ترجمت منها 200 أغنية للغة الإيطالية ووزعت أسطواناتها 80 مليون نسخة في أرجاء العالم، وتمتد علاقاتها بين أوساط كل نجوم أوروبا، ويضعها الجمهور الفرنسي على قمة مطربيه المعاصرين حيث حصلت على جائزة أكاديمية فرنسا عام ،1975 بالإضافة إلى جائزة الاسطوانة البلاتينية عام ،1974 وامتد التقدير الفرنسي لها بعد وفاتها في عام 1987 فأقامت لها الحكومة الفرنسية تمثالا في أهم ميادينها لتكون الثالثة بعد جان دارك وسارا برنار· ولدت يولاندا جيلبوف في 17 يناير عام 1933 بشارع خمارويه بحي شبرا القاهري لأب إيطالي كان عازف كمان ضاقت به سبل العيش في إيطاليا، بسبب ظروف الحرب العالمية فقرر أن يصطحب عائلته إلى القاهرة حيث عمل عازفا بالأوركسترا· وتعلمت يولاندا في طفولتها العزف على البيانو متأثرة بوالدها، كما تلقت دروسا في الأداء الغنائي وهي في سن مبكرة وفي صباها تشكلت أنوثتها بسرعة مما جعلها محط أنظار الشباب، بعد أن عانت في طفولتها الحول، الذي استدعى ارتداء نظارة طبية غليظة، لسنوات ثم أجرت عدة عمليات جراحية، وكان ذلك سببا لسخرية زميلاتها منها، لكنها في عام 1951 فازت في إحدى مسابقات الجمال المحلية ثم فازت بلقب ملكة جمال مصر وهو اللقب الذي فتح لها باب الشهرة وعالم الفن حيث اختارها المخرج الراحل ''نيازي مصطفى في دور ''دليله ''في أحد أفلامه، كما أدت دورا آخر في فيلم ''سيجاره وكاس ''حيث قدمها الفنان محمد فوزي ·وكانت قد ظهرت ككومبارس في فيلم''الظلم حرام''بطولة الفنانة شادية، وظهرت أيضا ككومبارس في فيلم ''غزل البنات''عام ·1948 وجلبت الظروف السياسية في مصر خلال الخمسينات المتاعب للأجانب، وهو ما تسبب في اعتقال والدها لعدة أشهر وخرج محبطا، سوداويا، وبدأ يشدد على ابنته ويحد من حرية خروجها وانطلاقها وكذلك الأم التي تولت الأنفاق على الأسرة حيث عملت في حياكة وتطريز الملابس للسيدات خلال فترة الاعتقال تلك· وهو ما جعل يولاندا تحاول الفكاك من هذه القيود وقررت أن تسافر بمفردها إلى باريس بحثا عن الشهرة· وفي عام 1954 بدأت رحلة شاقة وطويلة إلى فرنسا حيث بدأت بالعمل كمطربة في الحانات الليلية في ظروف كانت تجعلها تفكر في العودة إلى مصر بين آن وآخر لولا خوفها من شماتة أمها إذا عادت من دون أن تحقق أحلامها، وغيرت اسمها واختارت لنفسها اسما فنيا هو ''داليدا''· وشاركت في حفل للمواهب الجديدة، وكان بين الحاضرين لوسيان موريس مدير إذاعة أوروبا آنذاك، و إدي باركلاي أحد المنتجين المشهورين الذي تسبب في بداية انطلاقها، حيث تعاقد معها واشتهرت بأولى أغنياتها ''''بامبينو''، التي وزعت في ذلك العام 300 ألف نسخة، وغنت في مسرح الأولومبيا عام ،1956 وأعجب بها شارل أزنافور عملاق الأغنية الفرنسية، وعرض عليها أن تشاركه الغناء، وكانت نتيجة هذا اللقاء فوز إحدى أغنياتهما بأوسكار أفضل أغنية لهما معا في عام ·1961 وتوالت نجاحاتها حيث حصلت على الاسطوانة الذهبية في الستينات، كما حصلت على أوسكار إذاعة مونت كارلو لخمس سنوات· وبدأ مخرجو الأفلام يلتفتون إليها، وشاركت بالتمثيل في عدد من الأفلام، إلا أنها لم تحقق نفس النجاح الذي حققته في الأغنية · وتطورت علاقتها بلوسيان موريس، ووقعت في غرامه، وتزوجته، في عام 1961 إلا أن هذا الزواج لم يستمر سوى عام واحد فقط، فهما لم يقضيا شهر عسل بسبب العمل وإصرار لوسيان على الدفع بها من نجاح إلى آخر، وهو ما اثر على علاقتهما وسرعان ما وقعت في غرام جان سيبيسكي عندما التقت به في احتفالية مهرجان كان· وبعد انفصالها عن زوجها عملت على تطوير نفسها، وقرأت بنهم في كل فروع المعرفة وبدأت تسلك سلوكيات الطبقات الرفيعة· في السبعينيات ظهر جيل جديد من المطربات الشابات اللائي زلزلن العرش الذي تربعت عليه داليدا بسبب الطابع العصري لأغنياتهن خاصة سيلفي فارتان، ولارا فابيان، وجاني هاليداي، وهو ما جعلها تعيد النظر في أغنياتها، وتبحث عن كيفية تطوير ادائها واستعانت بفريق من الشعراء والموسيقيين الذين عملوا على تطوير أغنياتها، واندفع تألقها إلى خارج فرنسا، خاصة في إيطاليا وأسبانيا،وحصلت على الأسطوانة البلاتينية في إسبانيا في منتصف السبعينيات، وعادت إلى المنافسة بقوة· ومن خلال رحلة إلى القاهرة ثم بيروت بدأ اهتمامها بالمنطقة العربية، وبعدها بدأت زياراتها للقاهرة حيث قررت أن تغني لأبناء بلدها الأول الذي ولدت وعاشت فيه طفولتها وصباها· ثم واصلت رحلتها حين قررت نقل أحد برامجها التليفزيونية لتسجله في نيويورك، وهناك حققت نجاحا كبيرا، واستفادت كثيرا من أجواء الاستعراضات الأميركية المبهرة ونقلتها إلى عروضها اللاحقة في فرنسا، مما كان له أثر إيجابي كبير رفعها إلى مصاف مطربات فرنسا العظيمات· وفي عام 1987 وجدتها خادمتها ميتة على فراشها وبجوارها ورقة كتبت عليها: ''سامحوني فقد أصبحت الحياة غير محتملة بالنسبة لي''·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©