الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تعليم الأبناء «لغة الضاد» في الصغر يعمق ارتباطهم بهويتهم العربية

تعليم الأبناء «لغة الضاد» في الصغر يعمق ارتباطهم بهويتهم العربية
14 أغسطس 2013 09:04
تحقق اللغة العربية لأبنائها أعلى درجة من درجات الهوية، فتعلهما ومن ثم نطقها يمنح الفرد شعوراً بالاعتزاز والثقة، لكون هذه اللغة هي الوعاء الذي يشكل الذائقة الإنسانية، ويسهم في تطورها من الناحية الفكرية، فضلاً عن أنها تساعد في عملية بناء علاقات بين الأفراد وبعضهم بعضاً، وإذا كانت مراحل تعلم اللغة العربية تخضع لآليات معينة، فإن الخبراء يجمعون على أن تعلمها في الصغر يكسب الأطفال طلاقة لفظية، وقدرة تعبيرية خلاقة، لذا فإن الأسر العربية تتحمل مسؤولية كبيرة في عملية توجيه أبنائها نحو إتقان هذه اللغة في مراحل مبكرة، خصوصاً في ظل مزاحمة بعض اللغات للعربية، ومحاولة تهميشها في البلاد العربية والإسلامية التي هي منبع أصيل للغة العربية. أشرف جمعة (أبوظبي) - يجمع أساتذة اللغة العربية ومتخصصون في اللغات أن لغة الضاد تحتاج إلى بناء على أساس متين نظراً لقواعدها التي تلتزم الدقة، والتي تحتاج إلى تركيز شديد، وليس هذا معناه أن العربية لغة صعبة التعلم، لكنها لغة ثرية المفردات، وتقبل التطور وتسع للغات الأخرى، وتخضع لحركة التاريخ، ولهذا تحتاج إلى تأسيس من نوع خاص، ومن جهة أخرى فإن تجارب العديد من الآباء أثبتت من الواقع الفعلي أن تعلم اللغات الأخري من الممكن أن يحدث بنجاح في أي مرحلة عمرية، وهو ما جعل العديد منهم يسعون إلى إكساب أطفالهم فنيات اللغة العربية في سن مبكرة جداً، على سبيل أن اللغات الأخرى لا تحتاج إلى الجهد نفسه الذي يلزم لتعلم لغة الضاد، خصوصاً ونحن في بلد متعدد الثقافات متحضر يأخذ من كل لغات العالم بطرف. طقوس حياتية حول إكساب مهارات تعلم اللغة العربية في الصغر وسرعة الاستجابة إلي تقنياتها وقواعدها النحوية يقول أستاذ اللغة العربية بجامعة الحصن الدكتور صالح نصيرات: إن اللغة هي أحد أهم وسائل الاتصال بين الناس وهي غذاء للفرد والجماعة فلا يمكن أن يمارس الإنسان طقوس حياته اليومية من دون استخدام اللغة والتعامل بها على نحو يحقق له غاياته وفعاليته في الحياة، وإذا كانت الكلمات هي المعبرة عن البوح الحميم والتعبير عن خلجات المرء، فإنها تشكل ملامح اللغة وتؤطر لها في سياق الحديث بين الآخرين وبعضهم بعضاً، فضلاً عن أن اللغة حاضنة للخيال ونقطة التقاء للمواهب الخلاقة داخل الفرد، لذا فإن عملية بناء قواعد اللغة داخل المنظومة الإنسانية يحتاج إلى آليات تعمل علي تفعيلها وتعزيزها، وبالنسبة للغة لها جذور تاريخية كانت ولم تزل تحتفظ بتوهجها الحميم، وثرائها الكبير بما تحوى من مفردات كثيرة، وقدرة عارمة على صناعة العقل وتشكيل الوعي، فإن تعلمها في الصغر يجعلها محفورة في الذاكرة، ما يسهم في تنمية قدرة هائلة من الخبرة بدقائقها». ويضيف: «من الضروري لكي نرسخ ملامح لغة الضاد في نفوس أبنائنا أن ندربهم منذ الصغر على الكتابة الإبداعية، فالأمر لا يتوقف مطلقاً عند حدود القواعد النحوية وتركيب الجملة والتعريف بمكوناتها بخاصة أن اللغة العربية تتميز بعمق الأسلوب وتنوع المفردات وغزارة الكلمات». ويشير نصيرات إلى أن تأثر العديد من الآباء بدواعي «الإتيكيت» يجعلهم ينزعون إلى تعليم أبنائهم اللغة الإنجليزية على سبيل أنها اللغة السائدة في مجتمع تتعدد فيه الثقافات وترتبط فرص العمل فيه بإتقان بعض اللغات الأوروبية وعلى رأسها الإنجليزية. مفردات عطرة من بين اللواتي ينظرن للمستقبل بعين ثاقبة ورؤى واعية ليلى الجاسم، مسؤولة علاقات عامة بإحدى الشركات، وتذكر أنها من وحي تجربتها الخاصة اهتمت بإكساب أول مولود لها منذ عشرين عاما ً اللغة الإنجليزية حتى أجادها نطقاً وكتابة، لكنها بعد هذه السنين الطويلة اكتشفت أن ما تعلمه ابنها في المدارس وفي مرحلة الجامعة، كان مردوه سيئاً للغاية على لغته الأم، وأصبحت هذه اللغة العربية لديه هشة ولا ترقى أبداً للتحدث بها أو حتى كتابتها على نحو قريب من الصحة، وهنا اكتشفت أنها أخطأت في حق هذه اللغة وأنها سلّحت ابنها بلغة من الممكن أن يتعلمها في أي وقت عبر الخضوع لبعض الدورات في المركز المتخصصة، وتشير إلى أنها حين أرادت أن تغير في واقع ابنها الجامعي وأن تحاول إكسابه لغة الضاد فشلت في ذلك وتلفت إلى أن لديها الآن طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات وهي تبذل معها مجهوداً كبيراً من أجل تحفيظها القرآن، ومن ثم تعلم القواعد الأساسية في اللغة العربية، وتؤكد أنها لن تهمل اللغة الإنجليزية بل سوف تعلمها أيضاً لطفلتها، لكن الأولوية للعربية على سبيل أنها هي لغة العرب المسلمين ومن المفترض أن يتعلمها الأبناء ويصدحون بمفرداتها العطرة. من جهتها، تقول لبنى الهاشمي، مصممة أزياء: «تربيت منذ طفولتي على الذوق الرفيع لأن روحي تواقة دائما إلى الفن، وهو ما انعكس بالإيجاب على حياتي وتضيف تزوجت منذ عشر سنوات أنجبت خلالها ثلاثة أطفال ومن واقع تجربتي أنا وزوجي انتهينا إلى أنه من الضروري أن يتعلم الطفل لغته الأم بقوة في مراحل طفولته الأولى، ثم يأتي بعد ذلك دور اللغات الأخرى». وتشير إلى أنها تعهدت أبناءها بالتعليم في المدارس الحكومية في أبوظبي لأنها تهتم باللغة العربية وتسعى إلى إكسابها للأطفال على نحو سليم، فضلاً عن أن مجلس أبوظبي للتعليم يبذل جهداً كبيراً من أجل وضع قواعد وأسس صلبة لتعليم العربية بطرق ميسرة تخضع للمتغيرات الحضارية وهو ما نجني ثماره اليوم في عصر التحولات. وتلفت إلى أن اللغة العربية تحتاج من الأطفال إلى صبر ومحبة في الوقت نفسه لأنها تعتمد على التذوق والحس الرفيع وتؤكد أنها ستمضي في هذه السياسة مع أبنائها خصوصاً وأن زوجها متوافق معها في ذلك، وهو من جانبه لا يهمل تعليمهم بعض اللغات الأخرى. لغة أهل الجنة عبدالعزيز المهيري، مهندس برمجيات، يوضح أن لديه ثلاثة أولاد في مراحل تعليمية مختلفة وأن جميعهم أظهروا ضعفاً في مادة اللغة العربية وعند اجتماعي بهم لمناقشة هذه الظاهرة أجابوا بأنهم لا يتلقون تعليماً جيداً في المدارس بالنسبة للغة الضاد، ويشير إلى أنه وجد أن أبناءه لديهم حق فيما أبدوه من ملحوظات بخصوص هذا الأمر لأن بعض المدارس على حد قوله لا تهتم مطلقاً بتدريس مادة اللغة العربية على نحو جيد، وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى تخريج جيل لا يفقه عن لغة قومه شيئاً. ويقول: «رزقني الله منذ سبعة أشهر بمولود جديد، وسوف أتعهده برعاية خاصة ومن ثم سأهيئ له تعليماً مختلفاً عن أبنائي الثلاثة بحيث يتقن هذه اللغة المعبرة التي لها وقع خاص في نطق حروفها، ويرى أن تعليم الأبناء لهذه اللغة منذ الصغر هو أمر ضروري ويجعلهم يرتبطون بها ويحبونها ولا يتعثرون في التحدث بها مستقبلاً، فضلاً عن أنه من واجب كل رب أسرة عربية مسلمة أن يجدّ في تعليم أبنائه لغة الضاد التي نزل بها القرآن الكريم والتي زادها الله تشريفاً بأن جعلها لغة أهل الجنة». وبالنسبة لسلطان المعمري، معلم لغة عربية؛ فهو يترحم على الأيام الماضية، حيث كان إتقان اللغة العربية من أساسيات التعليم قديماً. ويذكر أن الطالب الذي كان يهمل الإعراب ويخطئ في تشكيل الجمل ينال عقاباً من المعلم، يوم أن كان لهذا المعلم هيبة كبيرة في النفوس، فضلاً عن أن القائمين على تعليمها في الزمن الماضي كانوا من الأكفاء الذين يتعاملون معها بحب، مشيرا إلى أنه منذ البداية أدرك المحن التي ستمر بها العربية في المستقبل وآثر منذ أن رزقه الله بأول مولود بأن يعلمه اللغة العربية على أصولها. ويتابع المعمري: «عشت إلى أن تحققت توقعاتي، ورأيت كيف يتفاخر الشباب بألسنتهم التي تجيد الرطانة ببعض اللغات الأوروبية، فضلاً عن أنهم من المفلسين في لغتهم الأم، وهو أمر يدعو إلى الأسى. ويوضح أنه لم يكتف بتعليم أول أبنائه أصول وقواعد اللغة العربية، لكنه مضى على هذا الطريق مع كل أبنائه وهو يشعر بالفخر لأن نسله جميعاً يحبون لغة الضاد. وأن غراسه لم يذهب هباء. مسؤولية كبيرة يوضح أستاذ اللغة العربية بجامعة الحصن الدكتور صالح نصيرات أن الكتب المقررة على طلاب المدارس والجامعات الخاصة باللغة العربية وافية ويخضع الكثير منها إلى تقنيات متطورة في تعليمها، لكن المسؤولية تكبر يوماً بعد يوم ويظل دور الأسرة مهماً للغاية على سبيل أنه من البيت يكتسب الطفل السلوكيات ويتم توجيهه وفقاً لرغبات الأب والأم، لذا لابد أن يتم التعامل مع الطفل منذ البداية على أنه يجب أن يتقن لغته ويتربى على أصولها وقواعدها التي لا صعوبة فيها مطلقاً، لكنها تحتاج إلى أن يبذل مجهوداً من أجل أن يستطيع التعامل بها بشكل جيد، سواء من ناحية التعبير الشفاهي أو الكتابة بصورة سليمة. ويلفت إلى أن الواقع أثبت أن تعليم اللغات الأخرى من الممكن أن يحدث في أي وقت بالنسبة للإنسان العربي والكثير منا تعلم بعض اللغات الأجنبية في مراحل عمرية مختلفة واستطاع أن يتقنها بصورة جيدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©