الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأزمة الأوروبية... وسيكولوجية الخوف

الأزمة الأوروبية... وسيكولوجية الخوف
15 أغسطس 2011 23:03
هل يساهم المستثمرون بخوفهم في إنتاج مشاعر القلق والارتباك وإشاعتها في الأسواق؟ الحقيقة أن هذا بالضبط هو ما لمسناه عندما سرت شائعات بأن فرنسا تسير على خطوات الولايات المتحدة في تخفيض تصنيفها الائتماني، الأمر الذي تسبب في موجة هائلة من بيع الأسهم في باريس يوم الأربعاء الماضي وانتقال الشعور السلبي إلى باقي الأسواق قبل افتتاحها يوم الخميس. وخلال هذا الأسبوع سارع المستثمرون الذين استبد بهم الخوف إلى التخلص من أسهم البنوك في موجة محمومة من البيع لم يعرفها المراقبون منذ أوج الأزمة المالية في 2008. ولكن بعد كل ذلك الهلع الذي تملك المستثمرين تبين أن الإشاعة لم تكن صحيحة، حيث أكدت وكالات التصنيف الثلاث الرئيسية متانة القدرة الائتمانية لفرنسا، مؤكدة أن مستقبل الديون الفرنسية آمن ولا خوف عليها في المدى المنظور، وقد حاولت وكالة "ستاندارد أند بورز"، التي خفضت التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، جاهدة تبديد المخاوف ونفي الإشاعة بالتأكيد على ثقتها في قدرة السياسيين الفرنسيين على تنحية خلافاتهم والتوصل إلى اتفاق لخفض الدين الفرنسي. وكما لاحظت ذلك "جيادا جياني"، الخبيرة الاقتصادية ببنك "سيتي جروب" فقد حرصت الوكالة على وضع فرنسا "في مقابل الولايات المتحدة التي قالت إن السياسيين فيها مستعدون للتضحية بالتصنيف الائتماني المتميز لبلادهم من أجل أغراض سياسية". ولكن عدا الإشاعات والأخبار الزائفة التي تسمم أحياناً الأجواء وتلبدها بغيوم قاتمة من الشك يرى المحللون أن هناك أسباباً حقيقية تدفع المستثمرين إلى التخوف والمسارعة إلى بيع الأسهم، فقد استفاق الجميع اليوم على حقيقة الوضع العالمي المتمثل في أن العديد من الدول الغنية بالغت في الإنفاق فيما فشلت في التوصل إلى وسيلة لتعزيز النمو. وهذه الحقيقة المرة تنطبق تماماً على أوروبا التي تحتل موقع الصدارة في انشغالات المستثمرين وقلقهم، لاسيما المخاوف المتصاعدة من درجة انكشاف البنوك الألمانية والفرنسية على أزمات الديون في اليونان وأيرلندا والبرتغال، فضلاً عن الشكوك التي تحوم حول الاقتصادات الكبرى في إيطاليا وإسبانيا، وإذا ما ساءت الأمور في البلدين الأخيرين فإن التداعيات السلبية لأزمة الديون وفشلهما في الوفاء بالتزاماتهما المالية للمقرضين قد تمتد إلى النظام المالي العالمي بدءاً من البنوك الأوروبية الكبرى وليس انتهاء بالبنوك العالمية، وذلك بنفس الطريقة التي تسببت فيها أسهم الرهون العقارية عالية الخطورة الأميركية في انطلاق الأزمة المالية لعام 2008. وأكثر من ذلك تتغذى مخاوف المستثمرين من عجز السياسيين الأوروبيين عن استجماع الإرادة السياسية الضرورية لمعالجة أزمة الديون التي بدأت من اليونان وتفشت خلال الاثنين وعشرين شهراً الماضية، فمع أن دول الاتحاد الأوروبي حققت إنجازاً كبيراً بانضوائها تحت لواء عملة موحدة، إلا أن تلك الدول فشلت في ربط اقتصاداتها من خلال اتحاد مالي يستطيع أن يفرض على دافع الضرائب الألماني والإيطالي على سبيل المثال دفع ديون باقي الدول على غرار ما يقوم به الأميركي في كاليفورنيا وفيرجينيا لتسديد الديون الأميركية. ولكن من غير المتوقع أن تتحرك الدول الأوروبية المعروفة بالعراقيل البيروقراطية وصعوبة الاتفاق فيما بينها نحو ربط اقتصاداتها ماليّاً، ولذا يبحث المستثمرون في أقل تقدير عن تعهد مؤقت من القادة الأوروبيين ما زالوا يرفضون قطعه على أنفسهم حتى الآن: أنه إذا تردى الوضع في إيطاليا وإسبانيا مثلاً وفشلت البنوك في تسديد ديونها فإن الدول الأكثر استقراراً، وتحديداً فرنسا وألمانيا، ستهب لإنقاذهما ومنع تمدد الأزمة إلى باقي البنوك الأوروبية. ويبقى الأمل في أن يشكل انتقال الهلع إلى فرنسا، على رغم أنه هلع غير مبرر، دافعاً لأوروبا كي تتحرك سريعاً نحو تهدئة مخاوف المستثمرين بعدما أضحت المخاوف هي الذهنية السائدة في الأسواق،. وعن المشكلة الفرنسية يقول "لورو مولان"، الخبير الاقتصادي ببنك "لومبار أودييه" الاستثماري في سويسرا: "أعتقد أن مشكلة فرنسا تكمن في النظام البنكي الأوروبي وطريقة تعامل السياسيين معه، ولذا تأتي ردود أفعال المستثمرين متوجسة مما ستسفر عليه أزمة الديون الأوروبية، ولكنني أعتقد أيضاً أن النظام البنكي الفرنسي مازال قويّاً وكل التكهنات حول تعثره هي محض مبالغات غير مبررة". ويفسر المحللون الهواجس المسيطرة على المستثمرين التي تدفعهم إلى مزيد من البيع ما يفاقم المشكلة في القلق على السندات الإيطالية والإسبانية التي استثمرت فيها البنوك الأوروبية والخوف من فقدان هذه السندات لقيمتها وبالتالي التأثير على باقي البنوك. ولكن ما لا يدركه المستثمرون هو أن مثل هذا السيناريو لن يحدث إلا إذا فقدوا هم أنفسهم الثقة في تلك السندات وقاموا بالتخلص منها بطرحها للبيع، بحيث تتحول احتمالات اندلاع أزمة مالية إلى حالة نفسية بالأساس تحركها مخاوف المستثمرين وتصرفاتهم. وعلى رغم الجهود التي بذلتها الدول لطمأنة المستثمرين وتبديد مخاوفهم يبقى هؤلاء مصرين على ضرورة اتخاذ مجموعة من التدابير الحقيقية فهم يطالبون على سبيل المثال دولاً مثل إيطاليا وإسبانيا بخفض كبير للنفقات وإظهار القدرة على سداد الديون وإلا فسيتخلصون من أسهمها، متسببين في صعوبة الإقراض وارتفاع تكلفته، ما قد يؤدي في النهاية إلى الإفلاس وبيع ممتلكات الدولة لتصفية الديون. أنتوني فايولا - لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©