السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جبل أسوان.. أسطورة الحب والوفاء.. والمعجزات

جبل أسوان.. أسطورة الحب والوفاء.. والمعجزات
31 أغسطس 2014 20:15
في حضن شمس الجنوب ودفء العافية الذي يسري بالشفاء للبشر، تضم أرض أسوان جبلاً مميزاً تتعالى قمته على الجانب الغربي من نيل المدينة، وتتوهج ألوان رماله الصفراء بإشعاعات نادرة احتار في تصنيفها علماء الدنيا، وتتناثر في أرجائها قصص وحكايات وروايات بعضها عن أسرار الشفاء والخلاص من المرض التي تحققها رمال هذا الجبل، وعديد منها عن الحب ورموز الوفاء الخالدة بين المحبين التي شهدها ويشهدها الآن هذا الجبل العملاق، وبقيت شواهد فوق قمته تحكي للزمن بعضاً من هذا التاريخ. مرض «الآغاخان» هناك في أقصى جنوب مصر وفي قلب نيل أسوان وفوق ضفته الغربية، يرتفع «جبل أسوان» في شموخ وكبرياء ليحتضن بدفء فريد أبناء مصر وضيوفها الساعين إلى طلب الخلاص من آلام موجعة، ولا ينسى الجبل العملاق أن يروي تفاصيل قصة حب ووفاء فريدة صنع فصولها الآغاخان السلطان محمد شاه الثالث وزوجته «البيجوم» أم حبيبة، والتي ظلت تتابع مع الزمن الفصل الأخير لها مع كل وردة حمراء يحملها حارس مقبرة الآغاخان القابعة فوق قمة الجبل كل صباح يضعها في إناء من الفضة فوق قبر المحبين. والحكاية كما شرح اللواء مصطفى السيد، محافظ المدينة، بدأت فصولها في خمسينيات القرن الماضي عندما أصيب الآغاخان أغنى أغنياء العالم وزعيم طائفة الإسماعيلية الذي يقدم له اتباعه سنويا ما يوازي وزنه من الذهب، أصيب بأنواع شرسة من الروماتيزم، وتوغل المرض في كل جسمه ومفاصله، وفشلت محاولات الطب وعقاقيره في إعادة الحياة إلى أطرافه، وتفاقمت الحالة لتصل إلى حد العجز الكامل عن الحركة واستخدام المقعد المتحرك ووسط ضياع الأمل في الشفاء همس طبيبه الخاص يوماً في أذنه بكلمات أشاعت الأمل في وجدانه قائلاً: لماذا لا تذهب إلى جبل المعجزات في مدينة اسمها أسوان في جنوب مصر؟ ويتساءل المريض: لماذا أسوان بالذات؟ ويجيب الطبيب: إن رمال هذا الجبل بالذات تحتوي على مواد مشعة تتسلل إلى داخل الجسم إذا غمر فيها الجسد، وقد حققت نتائج مذهلة يحتار الطب في تفسيرها، وان الأبحاث تجري الآن لكشف أسرار هذه الرمال. الرحيل إلى المعجزة لم تكد تنتهي توصية الطبيب حتى حمل الآغاخان، أغنى أغنياء العالم في ذلك الزمان وعائلته وحراسه حقائبهم إلى مدينة أسوان، واستقر بهم المقام في فندق «كتراكت» التاريخي، وبدأت رحلة العلاج اليومية بحمل السلطان عبر المراكب الشراعية إلى شاطئ الجبل ودفنه في رماله، وأشرف على العملية رجال مدربون من أبناء النوبة، وظل يمارس التجربة مع بداية كل شتاء، وقضاء شهوره بأكملها في قلب الرمال الساخنة لمدة ثلاث سنوات متتالية، ونقل أعماله إلى أسوان حيث يقضي كل صباح في الرمال المشعة إلى أن تحققت المعجزة وتحسنت حالته تدريجيا حتى تخلى عن عكازه والمقعد المتحرك وتحولت علاقته بالمدينة وبهذا الجبل إلى علاقة «حب» فريدة من نوعها، إذ تقدم إلى الرئيس جمال عبدالناصر في ذلك الوقت يطلب شراء قطعة أرض فوق سفح الجبل ليقيم بها بيتا خاصا وأيضا مقبرة تضم جسده بعد نهاية العمر حبا وعشقا لهذا الجبل الذي منحه الله بفضله الشفاء الكامل. وأفاض في طلبه شارحا العلاقة العاطفية التي نشأت بينه وبين أسوان وجبلها المشهور، ولكن الرئيس المصري رفض أن يدفع الآغاخان ثمنا لمصر عن هذا الحب، وقدم له قطعتين من الأرض هدية من مصر تقديرا لحبه لهذه الأرض وكان أن بنى بيتا رائعا على ضفاف شاطئ الجبل ظل طوال حياته يقضي الشتاء به، وبنى أيضا مقبرة له في أعلى الجبل. وعندما انتهت حياته عام 1957 تم دفنه فيها وظلت زوجته «البيجوم» أم حبيبة تواظب على رحلة الشتاء إلى أسوان، وأقامت علاقات إنسانية فريدة مع أهلها وفقرائها حتى لقيت ربها بعد عمر يناهز 95 عاما، وأوصت بدفنها لحظة الغروب بجوار زوجها في رمال أسوان وفوق قبر العاشقين مازال هناك الإناء الفضي يحمل وردة حمراء تتجدد كل صباح، وأصبحت المقبرة مزاراً للسائحين الذين يعشقون قصص الحب والوفاء. اهتمام عالمي إذا كانت رمال جبل أسوان ظلت معروفة لأهل الصعيد ومصر سنوات وسنوات إلا أن قصة علاج هذا المريض المشهور عالميا قلبت معايير الاهتمام العلمي والطبي التي جاءت إلى أسوان تبحث عن سر هذه الرمال، وقامت مراكز بحثية عالية بتحاليل هذه الرمال كما يشرح الدكتور هاني الناظر، رئيس المركز القومي للبحوث المصري، الذي قام بإعداد الدراسات العالمية الممنهجة والمنظمة، التي أثبتت حقائق تؤكد أن رمال الجبل علاج ناجح جدا لأمراض الروماتيزم وأمراض الروماتويد المفصلي. وعزا الأسباب إلى كثافة الأشعة فوق البنفسجية المنعكسة من الجبال المحيطة بهذا الجبل ومن صفحة النيل أثناء «طمر» الجسم المريض بالرمال المشعة السمراء، بالإضافة إلى نقاء الجو واختفاء الرطوبة، كما إن سخونة الرمال تؤثر على الالتهابات العصبية وعلى الدورة الدموية، وثبت أيضا احتواء هذه الرمال على عناصر معدنية مثل اليود والكربونات ذات النشاط الإشعاعي في الحدود المسموح بها والتي يمتصها الجلد، على أن تكون مدة العلاج ثلاثة أسابيع متصلة. وخرجت تفسيرات طبية وعلمية للعلاج البيئي النوبي بالذات، حيث قالت أبحاث إن التحسن الملموس في الآلام الروماتيزمية يرجع إلى سخونة الرمال التي تؤثر على النهايات العصبية المختصة بالآلام وعلى الدورة الدموية، وهو ذاته العلاج الطبيعي المعاصر المعروف بالـ «Biotherapy» الذي يعتمد على استخدام الطمي الساخن أو الرمال الغنية بعناصر معدنية مثل اليود والكربونات ذات النشاط الإشعاعي في الحدود المسموح بها والتي تمتص عن طريق الجلد، وان لبخة الطمي النيلي «الدميرة» هي ذاتها أسلوب «pheoma» المستخدم في المصحات العالمية التي تمزج الطمي بالمياه المعدنية لأغراض علاجية استنادا إلى خاصية السخونة الرطبة، وفوق جبل أسوان يحدثك دائما أهل النوبة عن إيمانهم العميق بطب الأعشاب الذي اهتمت به الدراسات الحديثة وأثبتت فاعليته التي وردت أيضا في المراجع العربية القديمة، كتذكرة داوود الانطاكي وابن سينا مثل نبات حلف بر المستخدم في علاجات المغص الكلوي والحصوات البولية والدمسيسة أيضا لأمراض الكلى، وقشر الرمان للنزلات المعوية والحرجل لعسر الهضم ومنقوع الدوم والكركديه لعلاج الضغط المرتفع. وعندما تعود العافية إلى مرضى وزائري الجبل فإن أول مشوار لهم غالبا ما يكون إلى «سوق أعشاب أسوان»، حيث ينتقي الزائر كميات كبيرة من نباتات عديدة لكل منها تاريخ طويل في منظومة الشفاء التي يبحث عنها الإنسان على طول الزمان. وقد تطورت خلال السنوات القليلة الماضية وسائل العلاج البيئي فوق الجبل الشهير بعد أن تمت إقامة بعض من الفنادق والمنتجعات العالمية على ضفافه، وأصبحت عمليات الطمر في الرمال تخضع لأساليب أكثر تطورا وتحت إشراف علاجي وطبي داخل هذه المنتجعات ولكنها مرتفعة التكاليف، وبقيت العلاجات التقليدية متاحة لغير القادرين. رياض توفيق (القاهرة) خبرة أهل النوبة يختص رجال وشيوخ أهل النوبة بممارسة هذه الطقوس لمعرفتهم التاريخية لهذه العلاجات، ويطيب لهم إدخال وإضافة علاجات “نوبية” إلى منظومة العلاج البيئي فوق جبل أسوان، إذ يستخدمون أسلوب “الطمر” في الرمال الساخنة أثناء سطوع الشمس، وكذلك يستخدمون “لبخة” الطمي النيلي التي تسمى “الدميرة” لعلاج الصداع النصفي والتمزق العضلي، وبعد أن ينتهي الزمن المحدد للطمر في الرمال، يلف المريض في أغطية ثقيلة لحمايته من تيارات الهواء، ثم ينقل إلى مكان مغلق حيث يقدم له شراب “الدمسيسة” أو “حلف البر” الساخن ويتخذ العلاج مظهرا احتفاليا بهجيا، إذ يتجمع أقارب المرضى وأهالي المنطقة الذين يغنون الأغاني الفولكلورية النوبية المخصصة لهذه المناسبات حتى لا يتسرب الملل إلى نفس المريض. مواقع أثرية لا يقتصر الجبل العملاق في غرب نيل أسوان على نشاط رماله المشعة ومعجزاتها، ولكنه أيضا يسمح بزيارة مواقع أثرية شديدة الثراء، حيث يضم سلسلة من مقابر النبلاء من العصر الفرعوني، ويضم أيضا دير الانبا سمعان التاريخي وبعضا من القرى النوبية التي تتميز بأشكال وألوان زاهية تجذب السياح لشراء أنواع من منتجات البيئة والحرف الشعبية النوبية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©