الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا: مقاربة جديدة لإشكالية الاندماج

5 أغسطس 2012
بدأ شهر رمضان الفضيل بالنسبة لملايين المسلمين الفرنسيين يوم الجمعة 20 يوليو الماضي. وتبدو الحماسة للصيام أقوى من أي وقت مضى هذه السنة، حيث يلتزم 71% من مسلمي فرنسا بمقتضيات الصيام خلال الشهر الفضيل مقارنة بـ 60% قبل 20 سنة، حسب صحيفة "لاكروا". كما يحضر مآدب الإفطار، مثل إفطار الترحيب في المسجد الكبير في باريس، السياسيون الفرنسيون الجدد ليظهروا التزامهم بعلاقة متجددة بين المسلمين وغير المسلمين في فرنسا، خاصة في ضوء المعادلة السياسية والحزبية الجديدة التي تعرفها البلاد الآن بعد الوضع الجديد الذي تكشفت عنه الانتخابات الأخيرة. ومع هذا فقد ظلت المسألة الدينية محل تجاذب واسع في فرنسا خلال العقد الأخير. وقد كشف الجدل حول دور الدين في الفضاء العام والحياة العامة، إضافة إلى تحديات ملفات مثل الهجرة والتلاحم والاندماج الاجتماعي وغيرها من القضايا، عن توترات اجتماعية متزايدة، واستقطاب متنامٍ في الرأي العام. وتتفشى بعض المفاهيم الخاطئة والمعلومات المضلّلة والصور النمطية أحياناً وتطغى على الحوار العام حول العلاقات بين المسلمين الفرنسيين وشركائهم في المواطنة من غير المسلمين. كما استفحلت الأمور وارتفع أوار الجدل السنة الماضية عندما منعت حكومة ساركوزي لبس النقاب في الأماكن العامة، ما أثار حفيظة الجالية المسلمة، وأثار كذلك انتقادات واسعة من قبل بعض المنظمات المدافعة عن الحريات العامة والحقوق المدنية. ويبدو ما تكشفت عنه الانتخابات الأخيرة بالنسبة لكثيرين على أنه يمثل تقدّماً وتغييراً ملموساً. ويأمل المسلمون في فرنسا أن تأتي الحكومة الجديدة بتغييرات إيجابية، فمع "وجود اليسار في السلطة، نشعر بأننا أقرب إلى الحكومة وإلى فرنسا بشكل عام، وبأن فرنسا أقرب إلى المسلمين"، يقول باريسي مسلم شاب، مستطرداً: "نستطيع الآن التركيز على قضايا أكثر أهمية، مثل البحث عن فرص العمل، والسعي للاندماج في النسيج الاقتصادي والمهني". وهناك مؤشرات واعدة أخرى بأن الوضع سيتغير. ففي 19 يوليو، قابل الرئيس فرنسوا هولاند إمام المسجد الكبير الدكتور دليل بوبكر، وبحثا قضايا مثل تنظيم وتفعيل دور الإسلام في فرنسا وتدريب الأئمة ومكافحة جرائم الكراهية ضد المسلمين. كما أعرب الإمام بوبكر عن تقديره للرئيس الفرنسي الجديد بسبب مناخ الهدوء والأمل الذي ظهر مجدداً في فرنسا منذ انتخابه، خاصة بالنسبة للمسلمين في البلاد. وبعد يومين، وفي اليوم الثاني من شهر رمضان، دُعي وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس إلى حفل طعام الإفطار في المسجد الكبير في باريس. وعلى رغم عدم وجود شيء جديد يتعلق بحضور السياسيين الفرنسيين إفطارات رسمية خلال شهر رمضان (حضرها الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء فرنسوا فييون، من قبل) يشكّل إفطار عام 2012 في المسجد الكبير في باريس، بشكل خاص، نقطة تحول في المشهد السياسي الفرنسي باتجاه دعم اندماج المسلمين في الجمهورية الفرنسية. وقد صرّح الوزير فالس يوم 6 يوليو أثناء افتتاح المسجد الكبير في منطقة كيرجي، وهي ضاحية باريسية بُنيَت في ستينيات القرن الماضي بأن: "الإسلام ببعده العالمي عنصر لا يتجزأ، بحقه الخاص، عن فرنسا اليوم. (...) أحياناً كثيرة، جرى التلاعب بدور الإسلام كوسيلة لترويج الشك وعدم الثقة. (...) مسؤوليتنا هي أن نبني وبشكل تدريجي إسلاماً فرنسياً يغرس جذوره في بلدنا". وقد نادى الوزير بإجراءات أكثر موضوعية، منتقداً بشدة سياسات الرئيس السابق ساركوزي الخلافية المتعلقة بالاندماج والهجرة، واصفاً إياها بأنها "عشوائية وتمييزية". إلا أن هناك أيضاً حاجة إلى مزيد من العمل لاحتواء آثار سنوات من انعدام الثقة. وإذا أرادت فرنسا رأب الصدع بين سكانها المسلمين والحكومة، من الضروري أن ترفض بشكل واضح الربط بين القضايا الاقتصادية- الاجتماعية والقضايا الثقافية. وعلى سبيل المثال، لقد حان الوقت للتغلّب على الصور النمطية التي تربط بين ما تسميه "الأسلمة" والبطالة والصعوبات الاقتصادية. ومن الأساسي كذلك لصانعي القرار ورجال السياسة، تغيير الطرح المهيمن للهوية الوطنية الفرنسية، وذلك من خلال دمج الثقافة الإسلامية والتاريخ في النقاش العام حول التراث الفرنسي. وفرنسا على رغم فخرها بمفهوم "العلمانية" (الذي يمثل غياب كل من المشاركة الدينية في الشؤون الحكومية وغياب مشاركة الحكومة في الشؤون الدينية)، تحتاج إلى إيجاد مفهوم للمواطنة يحتوي الطبقات كافة والمشارب المتنوعة من الهوية والانتماء. وسيكون من بين الاستراتيجيات الأساسية تحفيز التعليم لدحض أية نزعات انعزالية مؤداها أن الهويات محددة وضيقة، ليس فقط بسبب النتائج الخطرة لتلك النزعات وإنما أيضاً بسبب عدم دقتها التاريخية. والتحدي هنا هو إعادة تشكيل التصورات العامة، حيث لا ينظر أحد إلى الآخر، مسلماً كان أو غير مسلم، على أن مواطنته الفرنسية غير كاملة. عودة جيهان باحثة فرنسية وأستاذة زائرة بجامعة جون هوبكنز الأميركية ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©