السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الجد بطل رمضان

الجد بطل رمضان
14 أكتوبر 2006 23:52
فتحية البلوشي: بعد صلاة العصر، حين تنشغل النساء في المطبخ، يتسلل الصغار إلى غرفة الجد والجدة، يتبسمون بينما هو يقربهم إلى جواره وتدس لهم الجدة الحلوى في أكفهم الصغيرة وهي تطلب منهم تناولها بعد الفطور· يحضر هذا السلوك في رمضان، لأن اجتماع الصغار بجدهم أو جدتهم، طقس من طقوس الشهر الفضيل في إماراتنا الحبيبة، حيث ما زالت الأسر الصغيرة تعود إلى (البيت العود) كي تتناول طعام الإفطار مع العائلة الكبيرة· رمضان إذن يعيد إلى الجد دوره المختفي، ولهذا يعتبره الوالد جمعة بن حميد الذي يحرص على اصطحاب أحفاده معه إلى المسجد، فرصة جميلة كي يعلم أحفاده قيم الحياة وأسلوب التعامل مع الكبار، ويحكي لهم القصص التراثية (الخرايف) التي تحفظها ذاكرته منذ الطفولة· يقول: ''بعد صلاة العصر نعود إلى البيت فيتحلق الصغار حولي ويبدأون هم بسرد حكاياتهم قبلي، فأنا أحب أن يتحدثوا هم عن ما يجول في عقولهم، ثم أحكي لهم حكاية تسليهم وأعلمهم بعض أصول اللياقة كالإنصات للكبار عندما يتحدثون، وطاعة الوالدين، وعدم التأخر في العودة إلى المنزل· الوالد جمعة يؤكد أن الصغار يشعرون بالسعادة حين يصبحون أصدقاءً لشخص كبير، فيلتصقون به، ويحاولون خدمته، ويرغبون في الإفطار معه على نفس السفرة، ولهذا يقبلون النصح منه· من هنا يؤكد الوالد جمعة أن رمضان أكثر الشهور فائدة للصغار، لأن التفافهم حول الجد يقربهم من الدين والفضائل ويعمق وعيهم بالأمور، ويشعرهم بالفخر والاعتزاز لأنهم يصومون مثل الكبار· قراءة القرآن الوالد عثمان بارود محظوظ بأحفاده الذين يعيشون بقربه ويزورونه كل مساء تقريباً طوال العام، لكنهم يعيشون معه طوال الوقت في رمضان، فهم الذين يقومون على خدمته ولا يكفون عن طلب الحكايات· يقول عثمان: ''الأطفال يجعلون لرمضان نكهة خاصة، فهم يأتون إلى غرفتي لقراءة القرآن ويسمعونني تلاوتهم، ويفتخرون يومياً بإنجازاتهم في قراءة المصحف· كما يلحون في طلب حكاياتي عن الغوص والسفر في البحر· ويتابع الوالد عثمان: على الجد أيضاً أن يعرف كيف يكسب حفيده، فالهدايا البسيطة تلعب دوراً مهماً في قبول الأطفال لجدهم· وأسوأ ما يفعله الجد أو الجدة الإفراط في حب حفيد من دون غيره مهما كان السبب، لأن هذا التفرقة تؤثر سلباً على نفسية الصغار، ومع الوقت لن يعود حديث الجد مؤثراً بل سيكون ثقيلاً على نفوسهم ولن يترددوا في الهرب منه· ويظن الوالد عثمان أن بعض الأمهات يلعبن دوراً في تنفير الصغار بخاصة في حالة وجود أي مشكلة بين زوجة الولد وبيت أهله· في هذه الحالة تبدأ الأم فرض سلطتها على الأبناء وتمنعهم من التواصل مع الجد والجدة في رمضان وغيره· لغة مفقودة الباحث التراثي عبدالعزيز المسلم يرى أن نمط الحياة الاجتماعية في الإمارات تغير بشكل عام، وأصابت الحداثة كل شيء بما في ذلك التواصل بين أفراد الأسرة، حيث أصبح ''المسج'' وسيلة تواصل بين أبناء البيت الواحد· ويؤكد أن الابتعاد المعنوي أكثر عمقاً مما نظن، فأبناء اليوم جيل مختلف كلياً، فحديثهم بات خليطاً مشتركاً بين اللهجة البيضاء واللغة الإنجليزية ومفردات الرسوم الكرتونية، وأصيبت لغتهم وهي أهم أداة تواصل بينهم وبين الأجداد بنوع من الخلل مما عمق الفجوة بين جيل الأحفاد والأجداد· في رمضان يعود المجتمع بشكل عام للأسلوب التقليدي في الحياة، حيث تجتمع الأسر الصغيرة في بيت الأسرة الكبير لتناول طعام الإفطار أو لقضاء السهرات، الأمر الذي يجعل فرصة لقاء الأجداد بأحفادهم أكبر· ويتعلم الصغار من هذه الجلسات الكثير عن شظف الحياة التي عاشها الأجداد، وربما يقارنون بين ما يرويه كبار السن وما تقدمه لهم شاشة التلفزيون من بطولات ''سوبر مان'' و''بات مان'' وغيرها من الشخصيات الخارقة· ويجب أن يحرص الآباء والأمهات على مثل هذه الجلسات، وأن يكون أحدهما موجوداً ليساهم في تبسيط بعض الكلمات التراثية البحتة التي قد تمر في الجلسة، ويسهل عملية تواصل الصغار مع الجد· ويسلط الباحث سلطان خلفان بن غفان الضوء على دور الأسرة الممتدة التي مكنت الأجداد الأوائل من المساهمة بفعالية في صقل شخصية الأطفال، ومساعدتهم على إدراك واقعهم المعاش· وكان لمشاركة الصغار للكبار في حلقات النقاش وسماع الأخبار والقصص دور في تنمية بعض المواهب في الصغار مثل الخطابة والشعر· وعلى الرغم من المدنية التي يعيشها المجتمع الإماراتي إلا أن الجد والجدة ما زالا يشيعان الدفء في الحياة الأسرية خاصة في شهر رمضان المبارك إذ تجتمع أسر الأبناء الصغيرة مع الجد والجدة على مائدة الإفطار، مما يعزز فخر الصغار بأجدادهم، ويمكنهم من معرفة بعض القصص عن شقاوة آبائهم التي تعد من الأحاديث المفضلة للكبار· وعلى الرغم من أن التطور والعمل أبعدا أغلب الشباب عن محيط أسرهم وعن التواصل مع الأجداد، إلا أن رمضان يعود ليجمع الشمل مرة أخرى وخاصة قبل الإفطار·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©