الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السيرة النبوية بعيون معاصرة نظمي لوقا مفكر قبطي عاشق لمحمد

13 أكتوبر 2006 01:29
القاهرة - حلمي النمنم: لم يستوعب فريق من الكُتاب والنقاد في الثلاثينيات ان يتجه د· محمد حسين هيكل والعقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم للكتابة في الاسلاميات وتحديدا عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- لأن هيكل وزملاءه في نظر هؤلاء النقاد كُتاب ليبراليون والكتابة في الاسلاميات عندهم ارتداد عن الليبرالية، ومازال هناك بعض النقاد مندهشين الى اليوم، منددين بما أقدم عليه هيكل وصحبه· واذا كان هيكل وزملاؤه مواطنين مسلمين وقوبلوا بهذا الاندهاش فكيف يكون الامر اذا كتب عن نبي الاسلام مشيدا ومدافعا كاتب ''قبطي الصليبة'' كما يقول هو عن نفسه؟! الكاتب هو د· نظمي لوقا -أستاذ الفلسفة المعاصرة بجامعة عين شمس- الذي ترجم عددا من الأعمال المهمة إلى اللغة العربية من بينها بعض أعمال ديستوفيسكي وكتاب اندريه لالاند عن العقل والمعايير، وله بعض الاعمال القصصية، ومنذ نهاية الخمسينيات فاجأ د· لوقا الجميع بأن شرع في إصدار ما سماه الموسوعة الإسلامية الكبرى وبدأها بكتابه ''محمد·· الرسالة والرسول'' كان ذلك في عام 1959 ثم أضاف كتابا آخر هو ''محمد في حياته الخاصة'' وأصدر كتابا عن الصديق بعنوان ''أبوبكر حواري محمد'' وهكذا، لكن موسوعته الكبرى لم تكتمل· في كتابه الاول ركز على الاسلام كله وفهمه له، وتعرض في بعض فصوله للرسول ذاته، ولفكرة النبوة فلا تأليه ولا شبهة تأليه في معنى النبوة الاسلامية· ويتوقف د· لوقا عند الآية القرآنية ''قل انما انا بشر مثلكم يوحى إلي'' وعنده ان كلمة ''مثلكم'' مقصود بها التسوية المطلقة والحيلولة دون الارتفاع بفكرة النبوة او الرسالة فوق مستوى البشرية بحال من الاحوال بل ان القرآن نبه الرسول نفسه الى حقيقة مهمته وغاية رسالته التي كلف بها وليس له ان يعدوها كما انه ليس للناس ان يرفعوه فوقها وهناك الكثير من الايات الدالة على ذلك كقوله تعالى: ''فان اعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا ان عليك إلا البلاغ'' ويستشهد ايضا بالآية الكريمة ''فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر'' وكذلك قوله تعالى: ''وما أنت عليهم بجبار''· وفي تقديمه لكتابه ''محمد الرسالة والرسول'' شرح د· لوقا سر اهتمامه بالاسلام وان ذلك يعود الى سنوات الطفولة بمدينة السويس في العشرينيات حين حفظ القرآن في سن التاسعة على شيخ المسجد وكان والده قد دفع به الى الشيخ ليحسن اللغة العربية وقد ارتبط من يومها بالقرآن وعرف نبي الاسلام· ويقول: ''ولست أنكر ان بواعث كثيرة في صباي قربت بيني وبين هذا الرسول وليس في نيتي ان أنكر هذا الحب أو أتنكر له بل انني لاشرف به وأحمد له بوادره وعقباه ولعل هذا الحب هو الذي يسر لي شيئا من التفهم وزين لي من شخص هذا الرسول الكريم تلك الصفات المشرقة وجعلني أعرض بوجداني عن تلك النظرة الجائرة او المتجنية التي نظر بها كثيرون من المستشرقين وغيرهم الى الرسول العربي ولكن حين أحتكم الى العقل أرى الخير كل الخير فيما جنحت اليه، وهو ليس قلقا من ردود الفعل على هذا الكتاب وسيان بعد هذا ان يقول عنها القائلون انها شهادة حق او رسالة حب او تحية توقير وتبجيل· تعدد الزوجات القضية الأخرى التي يعالجها د· لوقا هي تعدد زوجات الرسول وعند المستشرقين ان زوج الواحدة ملجم الشهوة وزوج العدة من النساء جامح الشهوة مطلق العنان لا يطيق منع نفسه من طلب النساء أو هو لا يريد ان يمنع نفسه من طلبهن ما دامت الفرصة متاحة لما يشتهيه من الاباحة وتأسيسا على هذا يزعمون ان محمدا كان رجلا شهوانيا لا صبر له عن النساء ويعد ذلك فرية منهم والرد على هذه الفرية يستغرق معظم صفحات الكتاب ويبدأ بمقدمة منطقية وانسانية تقول ان صاحب الزوجات الكثيرات يجمع بينهن قد لا يكون شهوانيا لان المعول على ما يكون في نفسه من نوع الصلة والارتباط بهن فاذا كان ذلك الارتباط ارتباطا تعلق بلذة المضاجعة قبل كل شيء فالرجل شهواني بسبب تعلقه بتلك اللذة لا بسبب كثرة عدد من في عصمته من النساء اما اذا كان صاحب الزوجات الكثيرات مرتبطا بهن برباط لا يقوم على طلب اللذة قبل كل اعتبار بل يقوم ارتباطه بهن على الاواصر الانسانية السامية من مودة ورحمة وبر ورعاية وتكريم للشخصية الآدمية فالرجل ليس بشهواني لعدم استثناء صلته بالمرأة على اللذة الهمجية بصرف النظر عن عدد من في عصمته من النساء· وبنفس المنطق يتعامل ويقيس صاحب الزوجة الواحدة فإن كانت صلته النفسية الباطنة التي تربطه بها صلة تراحم وايثار وتكريم الشخصية الادمية في المرأة فالرجل ليس شهوانيا بسبب نوع إحساسه وصلته الباطنة بالمرأة عموما لا بسبب اقتصاره على امرأة واحدة اما اذا كان يصدر في ارتباطه تعلقه بها عن عنف طلب اللذة لذات اللذة فالرجل شهواني بهيم بصرف النظر عن عدم تعدد من تنصرف اليهن وتنصب عليهن شهوته الجامحة من النساء· يوجه د· لوقا هذا النداء المهم ''ان التاريخ كم وعى من رجالات وأصحاب رسالات كانت لهم الزوجات الكثيرات بالعشرات وبالمئات وكانت لهم السراري بغير عدد ولم يقدح ذلك فيما لهم من فضل ظاهر ولا فيما لدعواتهم من اثر في العقول والسرائر وهل نسي الناس داود وسليمان وغير داود وسليمان فكيف لا يحسب هذا التعدد اليسير الا على محمد بن عبدالله دون سواه؟ كان د· نظمي يدرك حساسية موقفه وهو يكتب عن نبي الاسلام لذا راح ينبه الى ما يقصده ويعنيه ''ليست كتبي هذه كتبا دينية في جوهرها ومنهجها وغايتها الاصيلة وان عالجت أمورا متصلة بالدين فالغرض الاول منها الحث على نزاهة العقل والضمير بصفة عامة والنظر في سائر الامور نظرا موضوعيا مبرأً عن التحيز''· بالكنيسة والذي توفى مؤخرا كتابا في الرد عليه سماه ''في الرد على المتأسلم نظمي لوقا'' وكان لسان حاله اذا كان د· نظمي معجبا بالرسول محمد وبالاسلام الى هذه الدرجة وعلى هذا النحو فلماذا لا يتحول الى الاسلام؟! وفي الناحية الاخرى فإن بعض المسلمين من أولئك الذين رماهم د· محمد حسين هيكل بالجهل نظروا بالريبة الى الرجل وما يقوم به متصورون انه يقصد الدس على سيرة النبي وحياته وكأن الاسلام ملكية خاصة لهم لا يجوز لأحد سواهم ان يقترب منه بالبحث والدرس رغم انه دين انساني في المقام الاول وللناس كافة· وكان د· لوقا راقيا ومترفعا فلم يذكر أي شيء من العنت الذي تعرض له في كتبه وإن حكى لبعض طلابه بجامعة عين شمس شيئا منه·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©