السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

أوري أفنيري: الإسلام لم ينتشر بالسيف وأمانويل أرادها صليبية لإنقاذ عرشه المتهالك

11 أكتوبر 2006 01:09
ترجمة ـ فيصل يوسف: يقدم الكاتب الإسرائيلي ''أوري أفنيري'' - رئيس كتلة السلام ـ في مقاله المنشور على موقع الكتلة في الإنترنت، قراءة لتصريحات البابا بندكيت السادس عشر الأخيرة والتي قوبلت برد غاضب من المسلمين، مستنداً في ذلك على شواهد التاريخ المتعلقة بتعايش أهل الكتاب أو أهل الذمة (يهود ونصارى) داخل المجتمعات الإسلامية في مراحل معينة خصوصاً أيام حكم الإمبراطرية العثمانية والحضارة الأندلسية، كاشفاً لنمط العلاقة المتميزة التي حظي بها اليهود بين المسلمين مقارنة مع تعامل المسيحيين مع اليهود، ورغم الموضوعية التي تحلى بها الكاتب، إلا أنه علينا قراءته بتحفظ من ذلك قوله : ''•• صحيح أن النبي محمد دعا لاستخدام القوة في حربه ضد القبائل المعارضة له وضد المسيحيين واليهود بشبه الجزيرة العربية عندما كان في طور بناء الدولة الإسلامية بيد أن هذه الخطوة كانت فعلاً سياسياً وليس عقيدياً مراد بها توسيع رقعة الدولة الوليدة وليس لنشر العقيدة الإسلامية•''•• هذا الرأي ينفي عن الرسول التبليغ والدور والرسالة، وكأن حربه تلك لم تكن دفاعاً على الحق والتزاماً بأوامر الله و إخراجاً للناس من الظلمات إلى النور•• ومع هذا كلّه فالمقال في غاية الأهمية، وهنا ترجمة له بتصرف : منذ تلك الأزمنة التي كان فيها الأباطرة الرومان يلقون بالمسيحيين فرائس للأسود، شهدت العلاقات بين الحكام وقمة السلطة الدينية الكنسية تغييرات وتحولات عديدة•• فالامبراطور قسطنطين الأكبر (306- 337) الذي أعاد بناء بيزنطة وأطلق عليها اسم القسطنطينية، شجّع ممارسة القيم المسيحية في جميع أنحاء الامبراطورية بما في ذلك في فلسطين• وبالطبع لم تمر سوى عشرات السنين لتنقسم الكنيسة الى شرقية (أرثوذكس) وغربية (كاثوليكية)• ولم يكد مطران روما يرتقي كرسي البابوية حتى طالب الامبراطور الروماني بالخضوع لسلطته الدينية والسياسية• ولا يخفى على الدارسين أن الصراع المستمر وقتئذ بين الأباطرة والبابوات، لعب دوراً محورياً في التاريخ الأوروبي وتسبب بتقسيم الناس الى ملل ونحل• وقد شهدت المعارك بين الجانبين فترات مد وجزر حيث تمكن بعض الأباطرة من رفت أو طرد بابوات بينما نجح الآخرون في رفت أو حرمان أباطرة من عضوية الكنيسة• ومن الشواهد التاريخية ما حدث للإمبراطور هنري الرابع الذي اضطر الى الذهاب الى قلعة كانوسا البابوية الحصينة (18 ميلاً من بارما) ليقف حافي القدمين مفترشاً الثلج على مدى ثلاثة أيام بلياليها، الى ان منّ عليه الأخير بإلغاء فرمان حرمانه من عضوية الكنيسة• بالمقابل شهدت أوقات أخرى تعايشاً سليماً وعلاقات جيدة بين طرفي الصراع الأمر الذي يعيد إنتاج نفسه في الوقت الراهن لجهة التوافق والانسجام بين البابا بندكيت السادس عشر والرئيس الأميركي جورج بوش الأبن•• ذلك ان اقتباس البابا الآخير الذي ربط الإسلام بالعنف جاء متفقاً تماماً مع حرب الرئيس الأميركي على ما أسماه بـ''الفاشية الإسلامية'' التي تندرج في إطار صراع الحضارات• ففي محاضرته بجامعة رايتسمبورج الألمانية، وصف البابا الذي يحتل الترتيب الخامس والستين بعد المئتين في كرسي البابوية، ما يراه حالياً بأنه فوارق كبيرة جداً بين المسيحية والإسلام لجهة اعتماد الأولى على العقلانية في حين تنتفي تماماً عند الاسلام بحسب تفسيره• كما زعم ان المسيحيين ينظرون للأشياء من خلال منطق أفعال الذات الإلهية في حين ينفي المسلمون وجود أي منطق لأفعال المولى عز وجل• وفي سبيل إثبات زعمه بتناقض الإسلام مع العقلانية، يجزم البابا ان النبي محمد (ص) أمر المسلمين بنشر العقيدة الإسلامية بحد السيف مستنتجاً أن مجرد هذه الأوامر منافية للعقل لان العقيدة ''تتولد عن الروح وليس الجسد''• وبما أن السيف يمكن ان يؤثر على الجسد فحسب، فلا يمكن له أن يؤثر على الروح وبالتالي العقيدة• أسئلة الأزمنة ولتدعيم فرضيته لم يجد البابا من بين كميات مهولة من كتابات المسيحيين وغيرهم، الا مقولات أمانويل الثاني امبراطور بيزنطة وبالطبع فهو من اتباع الكنيسة الشرقية المنافسة لروما• وتتحدث الرواية عن حوار جرى في القرن الرابع عشر بين الإمبراطور أمانويل الثاني (مشكوك في صحة الرواية) وعالم فارسي مسلم (لم يذكر اسمه)• في غمرة ذلك الجدل يزعم الامبراطور انه تفوه بالعبارات التالية: '' أعرض علىّ ما هو الجديد الذي أتى به محمد ولن تجد الا أشياء شريرة وغير انسانية على غرار أمره بنشر العقيدة التي أتى بها بحد السيف''• هذه المفردات تثير أسئلة ثلاثة أ- لماذا تفوه الإمبراطور بتلك العبارة ؟ ب- هل هي حقيقية ؟ ج- لماذا أقدم بندكيت السادس عشر على اقتباسها ؟ لتوضيح تلك الملابسات لابد من الإشارة أولا الى ان الامبراطور أمانويل الثاني كان وقتها على رأس أمبراطورية تحتضر بمعنى إنه عندما تسلم عرش الامبراطورية البيزنطية عام ،1391 لم يتبق تحت سلطانه الا بضع محافظات وكانت تحت رحمة جيوش الأمبراطورية التركية• وتزامنت رسالته المشار إليها، مع توسع الامبراطورية العثمانية الى ضفاف الدانوب وبسط سيطرتها على بلغاريا وشمال اليونان وتمكنها مرتين من هزيمة الجيوش الأوروبية التي أرسلت لإنقاذ الامبراطورية الرومانية الشرقية• بحلول 29 مايو 1453 أي بعد سنوات قليلة من وفاة أمانويل سقطت عاصمته القسطنطينية بيد الاتراك وتم تغيير اسمها الى اسطنبول الحالية منهية بذلك امبراطورية حكمت أنحاء مترامية على مدى أكثر من ألف عام، وفي أثناء حكمه تجول أمانويل في معظم الحواضر الأوروبية في مسعى لحشد التأييد والدعم لامبراطوريته المتهاوية متعهداً بتوحيد الكنيسة، ولا شك أن أمانويل هدف من تلك الرسالة إثارة الحمية الدينية لدى البلدان الأوروبية المسيحية ضد الأتراك وأقناع الحكام بشن حرب صليبية جديدة ضد المسلمين• إذاً فالهدف براغماتي حتى النخاع: ''اللاهوت في خدمة السياسة''• بالمنطق نفسه، فإن اقتباس بنديكت السادس عشر يخدم تماماً متطلبات الامبراطور الجديد (جورج دبليو بوش) الذي يعمل أيضا لتوحيد العالم المسيحي ضد ''محور الشر'' والذي يشكل المسلمون غالبيته العظمى• أضف لذلك فإن الاتراك عادوا مجدداً يطرقون بقوة أبواب أوروبا لكن هذه المرة بأساليب وأدوات سلمية• وغني عن القول ان البابا الحالي يدعم بشدة معسكر الرافضين لإنضمام تركيا للاتحاد الأوروبي• لكن هل هناك اي قدر من الصحة في مقولة أمانويل؟•• في اقتباسه عبارات أمانويل، توخى البابا إلقاء كلماته بحذر• فباعتباره عالماً لاهوتياً مشهوداً له بالجدية، لم يكن بوسعه دحض أو تكذيب نصوص مكتوبة مقراً بالتحديد ان القرآن يمنع نشر الإسلام بالقوة مستشهداً بالآية ''الكريمة'' 256 من سورة البقرة '' لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم''• إذا فالسؤال هو كيف للمرء ان يغفل هذا النص القرآني القاطع والذي لا جدال فيه ؟ يقيم البابا حجته بفرضية ان هذه الآية وردت عندما كانت الدعوة المحمدية في بدايتها وكان الرسول ''ضعيفا ولا قوة له'' غير إنه لاحقاً أمر باستخدام السيف لخدمة العقيدة• الواقع ان نصا هكذا لم يرد قط في القرآن الكريم، وصحيح ان النبي محمد دعا لاستخدام القوة في حربه ضد القبائل المعارضة له وضد المسيحيين واليهود بشبه الجزيرة العربية عندما كان في طور بناء الدولة الإسلامية بيد ان هذه الخطوة كانت فعلاً سياسياً وليس عقدياً مراد به توسيع رقعة الدولة الوليدة وليس لنشر العقيدة الإسلامية• المعرفة والثمار قال السيد المسيح: ''ستعرفهم من أفعالهم (ثمارهم)''• ذلك يقود الى الكيفية التي تعامل الاسلام بها مع الديانات الأخرى وهذا أمر يمكن الحكم عليه من خلال سلوك الحكام المسلمين على مدى أكثر من الف عام عندما كانوا في موقف قوي يمكنهم من نشر الاسلام بحد السيف• الواقع يثبت انهم لم يقدموا على الأخذ بالخيار الآخير والشواهد كثيرة• فقد حكم المسلمون اليونان لقرون عدة فهل اعتنق الأغريق الإسلام؟ وهل تجرأ أحد على إرغامهم على اعتناق الإسلام ؟ وعلى النقيض من ذلك إذ تبوأ اليونانيون المناصب العليا في الادارة العثمانية• كما ان البلغار والصرب والرومانيين وبعض الأمم الأوروبية الأخرى، خضعت على نحو أو آخر لسلطان العثمانيين لكنهم ظلوا متمسكين بدينهم المسيحي بشدة ولم يحدث ان أرغمهم حاكم مسلم على التخلي عن عقيدتهم• صحيح ان الألبان والبوسنيين قد اعتنقوا الاسلام لكن لم يحدث أن جادل أحدهم عن إرغامه على التخلي عن دينه بل إنهم أسلموا ليستفردوا برضاء الحكومات الاسلامية ويستفيدوا من الفرص التي اتاحتها• بحلول عام 1099 تمكن الصليبيون من احتلال القدس وارتكبوا مجازر بشعة بحق المسلمين واليهود وذلك باسم السيد المسيح• حدث ذلك بعد سيطرة المسلمين على المدينة المقدسة لأكثر من 400 عام ظل المسيحيون طوالها يشكلون أغلبية سكان فلسطين ولم يتعرضوا أبداً لضغوط أو إكراه لاعتناق الإسلام• من جانب آخر، لا يوجد أي دليل على ان المسلمين حاولوا فرض الاسلام على اليهود• وكما هو ثابت تاريخياً فإن اليهود تحت الحكم الإسلامي لإسبانيا تمتعوا بمزايا لم يحصلوا عليها في أي مكان آخر وربما حتى وقتنا الراهن• عصر ذهبي فاليهود في الأندلس تقلدوا مناصب الوزراء وبرز منهم الشعراء والعلماء فيما عمل العلماء اليهود والمسيحيون والمسلمون في مركز واحد لترجمة المعارف الإغريقية وغيرها•• كان ذلك ''عصر ذهبي بحق وحقيقة وهل كان من الممكن أن يحدث هذا إذا كان النبي قد أمر بنشر الإسلام بالقوة ؟ وماذا حدث عقب هزيمة المسلمين بالأندلس ؟ لدى استعادة الكاثوليك لإسبانيا من المسلمين، استحدثوا حكما قائما على ''الإرهاب الديني'' حيث وضع المسلمون واليهود إما خيار بالغ القسوة والخطورة: أما الارتداد واعتناق المسيحية أو مغادرة البلاد أو المجازر• التساؤل الأكثر أهمية هنا هو: أين لجأ مئات الآلاف من اليهود الذين رفضوا تبديل دينهم ؟ التاريخ يؤكد ان الغالبية العظمى منهم وجدوا أحضانا مشرّعة في البلاد الإسلامية• وقد استقر يهود السفارديم (الاسبان) في كافة بقاع العالم الإسلامي من المغرب الى العراق ومن بلغاريا الى شمال السودان• لم يحدث ان تعرضوا في أوطانهم الجديدة لأعمال التقتيل ولم يتعرضوا للتعذيب الذي ذاقوه في محاكم التفتيش ولم يشهدوا احتفالات الموت التي كانت ترافق صدور أحكام الاعدام ولا المذابح بحق الآمنين ولا حملات الإبعاد الجماعية التي طاولت ملايين اليهود من البلاد المسيحية• لماذا لم تحدث كل هذه الصنوف من التعذيب والقتل لليهود في البلاد الإسلامية؟ الاجابة ببساطة تكمن في كون الاسلام يمنع تماماً اضطهاد الكتابيين ''أهل الذمة'' بل أن المجتمعات الاسلامية تكفل مكانة خاصة للكتابيين من مسيحيين ويهود•• وربما يقول قائل إن هناك نوعا من عدم المساواة التامة في الاسلام بين المسلمين وأهل الذمة خاصة لجهة فرض الجزية وهذا صحيح، لكنها تدفع لقاء استثناء الكتابيين من العمل العسكري وهو أمر كان يلقى كل الترحيب من اليهود في ديار الإسلام، وما من شك في أن أي يهودي شريف ومخلص ومدرك لتاريخ شعبه، لا يمكن له إلا أن يشعر بامتنان عميق تجاه الإسلام الذي وفر الكرامة والحماية لـ50 جيلاً من اليهود في وقت كانوا يتعرضون للاضطهاد ومحاولات حملهم على تبديل دينهم ''بالسيف والنار'' في العالم المسيحي• عن موقع كتلة السلام الإسرائيلية
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©