الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فاطمة الدهماني تستثمر نكهة الماضي وتحول الحليب إلى لبن وكامي

فاطمة الدهماني تستثمر نكهة الماضي وتحول الحليب إلى لبن وكامي
8 فبراير 2010 20:32
كانت تحلب الأبقار منذ أن كانت في العاشرة من عمرها، وعندما كبرت وجدت أن غالبية الأهالي يطلبون منها منتجاتهم المنزلية، خصوصاً الزبدة والسمن واليقط. فأصرت برغم وهن العمر على المضي في إنتاج تلك الأصناف الطيبة التي تعود بالذائقة نحو ذلك الزمن الجميل.. تكفي كمية الحليب التي تحلبها فاطمة عبيد سعيد الدهماني من أبقارها لصنع عشر عبوات من السمن الذوابة أسبوعياً، كما يمكنها أن تنتج من اللبن الرائب القطع اللذيذة من الإقط أو اليقط، وهو عبارة عن كرات من اللبن الرائب الذي تم تجفيفه، ويمكن أن تضاف له كمية من عشبة الحلبة، التي تمتلك قيمة غذائية وعلاجية معروفة علمياً. لا تزال إمارة رأس الخيمة غنية بأناس يمدون المائدة الإماراتية بالمنتجات الغذائية الشعبية التي لا غنى عنها، رغم توفر منتجات حديثة من كل أنحاء العالم، ورغم تلك المنتجات التي تنتجها المصانع. ثمة سمن وثمة ذوابة أيضاً في منطقة في رأس الخيمة تعيش فاطمة وسط بيئة جبلية مطورة، وقد احترفت صنع المنتجات الغذائية التي تتناولها وعائلتها مثل أي أسرة محلية، ولكن نظراً لأن أهل الإمارات تعودوا أن يقدموا من منتجاتهم وأطباقهم لجيرانهم، فقد أشتهرت فاطمة بالسمن البلدي اللذيذ، وهي تعلق قائلة إن كل الناس يستطيعون أن يعدوا السمن، ولكن ليس كل سمن هو سمن ذوابة بمذاقه ونكهته ورائحة. اعتادت فاطمة أن تحلب الأبقار والأغنام منذ كانت طفلة لم تتجاوز العاشرة من عمرها، وكانت تحب الجلوس مع والدتها(رحمها الله) كي تتعلم منها كيف تعد الأطباق والوجبات الغذائية لأسرتها، مثل أية فتاة تستعد لحياة زوجية مقبلة بأن تكون ماهرة في رعاية أسرتها، وكان الغذاء الرئيسي لأهل الجبال، سواء في الصباح أو حتى عند الغداء، هو اللبن الرائب أو الحامض مع التمر. إصرار برغم التعب استمرت فاطمة في عملية حلب الأبقار 40 عاماً، إلا أنها أصيبت مؤخراً بداء المفاصل، مما دعا الطبيب لمنعها من عملية الحلب، فقررت أن تستعين بمختص في تلك العملية، ولكنها لا تترك أمر إعداد الحليب وإنتاج اللبن الحامض والرائب والسمن واليقط لأحد آخر، وقد قامت بشراء أجهزة كهربائية خاصة من أجل عملية خض اللبن، أو تحويل الحليب إلى لبن رائب. اليوم، وبعد هذا العمر المديد الذي منَّ به الله عليها، تجاوزت فاطمة حدود منطقتها، فالأبناء يعملون في إمارات أخرى، وحين يغادرون يحملون معهم السمن والمنتجات الأخرى كهدايا لزملاء العمل، وبعد عدة تجارب مع منتجات فاطمة أصبح هناك طلب على السمن والكامي واليقط التي تنتجها. لكل الأزمان تقول فاطمة إن عملية تحويل الحليب إلى لبن حامض أو رائب نتجت بسبب حاجة المواطنين قديماً لحفظه من التلف، حيث لم تكن هناك كهرباء لبرادات للحفظ، وكي لا يفسد تعلمت المرأة كيف تحفظ اللبن، ثم تحوله بعد فترة لمنتجات جامدة، أو ما يسمى في بعض الدول جميد، مثل الإقط أو اليقط والشنكليش، وقد بقيت هذه المنتجات تتشابه في ما بينها في الدول العربية، من حيث الشكل والمذاق والفائدة الغذائية. وتوضح فاطمة أنهم أعتادوا على اعتماد التمرة محل الخبز، واللبن الحامض أو الرائب عوضا عن الحليب، في فترة الظهر وحتى بعد المغرب، والكثيرون يفطرون على هذه الوجبة في الصباح حوالي الساعة الثامنة أو التاسعة صباحاً، لأن التمر والقهوة هي أول ما يتم تناوله بعد صلاة الفجر. وتشرح فاطمة أهمية ألبان الماعز والأغنام لقلة الدهون في لبنها، ولكنَّها توضح أنَّ الإقبال على لبن الماعز والأغنام تراجع في العشرين سنة الماضية، نظراً لقلة الكميات التي تنتجها، خاصة أنَّها تحتاج لكميات هائلة من الحشائش، وقد بدأت أسعار تلك النوعية من الأعلاف في الارتفاع، في حين أنَّ الأبقار تنتج كميات لا بأس بها من الحليب، رغم ارتفاع أسعار أعلافها، فتستخرج من حليبها الزبدة، وتصنع منه منتجات مختلفة. من خلال علاقتها بجيرانها، وجدت فاطمة، أنَّ الناس متعطشون لكل ماله مذاق مرتبط بطفولتهم، رغم توفر العشرات من المنتجات المستخرجة من الألبان في السوق، وتعد أسرتها واحدة من العائلات الإماراتية التي تعتمد على ما ينتج في المنزل من زبدة وسمن وكامي ولبن، وهي من الأنواع المفضلة التي يبحثون عنها بدقة، لأن ليس كل من يصنع تلك المنتجات نزيه، فالبعض يلجأون للزبدة المستورة الرخيصة ويقومون بإذابتها وتحويلها لسمن. كما يقوم البعض الآخر بشراء كميات من الحليب من السوق، وهو ما يصنع في المصانع المحلية، ثم يحولونه لمنتجات غذائية شعبية، لذلك تدعو فاطمة المستهلكين للبحث عن الصدق والنظافة، خاصة أن البعض يعتمد في إنتاجه لمشتقات الحليب على أفراد من جنسيات غير عربية، ولا يعلم إلا الله إلى أي مدى هناك عناية ووقاية من الأمراض والجراثيم عند الإنتاج. رغم إن هذه الصناعة لم يعد مكانها في البيوت، كما كانت في السابق، حيث كان يتم التعامل معها، كجزء من المؤونة المنزلية، إلا أن البعض لا يزال متمسكا بها، ويعتمد البقية على هؤلاء البعض في تأمين حاجتهم. ثوابت عصية على الزمن لا تختلف الأسعار التي تبيع بها فاطمة منتجاتها كثيراً عن مثيلاتها للجمعيات التعاونية، أو عن تلك التي تنتج في مصانع محلية، وهي تبيع العبوة لجيرانها بسعر 50 درهما، أمَّا في المناطق البعيدة عنها فيصل السعر إلى ال70 درهماً، وهي يحلو لها أن تؤكد أن التطور الحاصل في أي مكان في العالم لا يعني أن نترك ماهو جيد باعتباره من الماضي، فهناك ثوابت لا تتبدل، ومنها الأطباق الشعبية. تفسر الدهماني رأيها بالقول إن البشر يطورون أنفسهم من حيث الثقافة والتعليم والصحة، ولكن بالنسبة لما يمارس من حرف أو مهن كانت من الماضي، فإنها شرف لا يترك كي يقوم الغير بالتنعم به، وربما يسيء للغير عن طريقه، وتعني بذلك عدم تحري النظافة والرعاية عند إنتاج المواد الغذائية، كما أن تربية الأبقار والأغنام لا تزال معتمدة في كثير من دول العالم، كوسيلة من أجل الاكتفاء الذاتي، وأيضاً من أجل الكسب الحلال. لكنَّها تشدد على أن المطلوب بالنسبة لتربية المواشي أن يخصص لها مكان بعيد عن سكان المنطقة، نظراً لأصواتها أو لأية رائحة قد تسبب الأذى، كما تنصح الأهالي بفحصها دورياً لدى طبيب بيطري يؤتى به تفادياً لإصابتها بأية أمراض قد تؤدي لانتشار المرض في المنطقة، وقد يتسبب بخسائر مادية حين تنفق تلك المواشي. سمن على عسل يوضع السمن على الكامي ويؤكل مع الخبز الخمير والجباب، ويعطي نكهة مميزة للسمك والهريس وعند وضعه على العصيد وعلى الطبق الشعبي المضروبة، كما يتم وضعه على الأرز أو العيش المشخول، وخاصة عندما يكون إلى جانبه السمك المشوي، أو طبق المالح والجشيد. من الذ الأطباق التي كانت ولاتزال تعد في الصباح الباكر، هو أن يمزج السمن الذوابة مع العسل، ويصنع الخبز في المنزل إما من الجباب أو الخمير أو الرقاق، ويتم غمس القطعة قبل تناولها في مزيج السمن والعسل، لذلك لم يكن بوسع أحد من أهل الإمارات يستغني عن السمن المصنوع في المنزل، كما أن الكثير من الأهالي يطلبون بشكل أسبوعي اللبن الحامض، وهو إما يشرب إلى جانب وجبة الغداء، أو في الصباح مع التمر، وفي الليالي الرمضانية يصب على قطع خبز الرقاق ليكون سحورا.
المصدر: رأس الخيمة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©