الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجلس «لم الشمل» يجمع طلاب مدرسة غياثي

مجلس «لم الشمل» يجمع طلاب مدرسة غياثي
8 فبراير 2010 20:32
قبل ثلاثين عاماً، وفي مدرسة غياثي بالمنطقة الغربية، تراكض صبية صغار، تحملهم أجساد ضئيلة، وفي رؤوسهم آمال عظام بأن يكبروا ويفعلوا وينتجوا، في كل صباح كانوا يجتمعون في الساحة ترتفع أصواتهم بالنشيد الوطني، ويتراصون في ما بعد على الكراسي الخشبية، ينقلون من على اللوح ما يستطيعون قراءته من حروف، تمضي بهم الأيام إلى ضفاف الأحلام، وتمر السنون فيكبرون ويتفرقون، لكن للحنين صوتاً خاصاً، تسمعه القلوب، فيعودون أدراجهم إلى غياثي، هذه المرة ليجتمعوا بعد ثلاثين عاماً، ويحاولون أن يعيدوا شريط الذكريات. كان هذا حال الأصدقاء القدامى في مجلس سعادة حمود حميد المنصوري، مدير عام المنطقة الغربية، حيث اجتمع ثلاثون طالباً قديماً من مدرسة غياثي، مع بعض الأساتذة الذين درسوهم في الثمانينيات، ومع أفكارهم وأطروحاتهم للحاضر الجميل، ونظرتهم للمستقبل القادم. يقول سعادة حمود المنصوري: لو عدت بالذاكرة للوراء، لتلك الصفوف التي جمعتني مع أصدقاء الدراسة، فسيكون أعظم ما أذكره زيارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله للمدرسة، فهو المعلم الأول الذي يحرص على نشر المعرفة بين شباب الوطن، كانت المدارس مازالت غريبة أمام المجتمع الذي اعتاد نظام الكتاتيب، لكنه اعتمد استراتيجية نجحت في جذب الناس صغاراً وكباراً للعلم، حتى غدت المدارس في كل حي سكني اليوم. يتابع المنصوري: أحببت أن ألتقي بزملاء الدراسة وأصدقاء الطفولة، فكرت بأن نجتمع لنعرف أحوال بعضنا، تذكرت كل من أستطيع تذكرهم، وبحثت مطولًا عن أرقام بعضهم إلى أن وصلت إليهم، ولم أتفاجأ أبدا حين استجابوا لدعوتي بكل بهجة، فهم أيضاً يحملون الحنين إلى تلك الأيام الجميلة. محمد الشارقي على باب الخيمة التراثية الواسعة، كان أول الواصلين محمد أحمد الحوسني، أو "محمد الشارقي"، كما اشتهر بين زملائه نسبة إلى مدينة الشارقة التي ينتمي إليها. يفسر محمد لقبه الشهير بقوله ضاحكاً: كان والدي يعمل إدارياً في بلدية أبوظبي فرع الرويس، ولمّا أحب سكان المنطقة الغربية وأخلاقهم البدوية الرائعة، أحب أن يتحلى أحد أبنائه بنفس السلوكيات، فاختارني للدراسة معه في غياثي، ولأني كنت من الشارقة أساساً اختار زملائي لقب " الشارقي" تمييزاً لي عن الآخرين، ممن يحملون اسم محمد. يتابع محمد الحوسني الذي يعمل ضابط مراقبة في اللجنة الوطنية لمكافحة المنشطات: درست الابتدائية والإعدادية بمدرسة غياثي من عام 1979 إلى 1985، ومازلت أذكر شكل المدرسة المبني من الكرفانات الخشبية، برغم أن المدرسة حدثت في ما بعد، لكن شكل الكرفانات هو الأكثر التصاقاً بالذاكرة. أجمل سنوات العمر تزامل الحوسني تلك الفترة مع سلمان أحمد المنصوري، مدير إدارة إمداد أدنوك للتوزيع، الذي يقول: تأثرت جداً بلقاء زملاء الدراسة القدماء، وانتابني شعور لا يوصف وأنا أرى أساتذة محترمين أكن لهم الود بين الحضور، فسنوات الدراسة الابتدائية والإعدادية هي دائماً أجمل سنوات العمر، لأنها تحوي شغب الطفولة البريء، ومغامرات الاكتشاف الأولى. يتابع المنصوري: لم أتفاجأ برؤية أصحاب الدراسة في مناصب مرموقة، فمن درس في تلك المدرسة الصارمة لابد أن يخرج منها بطموح كبير وهمة عالية، تعلمنا في مدرسة غياثي الصبر والاحتمال، كنا صغاراً لكن دروس تحمل المسؤولية أثمرت فينا، ولله الحمد أرى أغلب الزملاء في مراتب متقدمة من الأعمال. حديث الذكريات في لقاء لم الشمل الجميل هذا حضر أيضاً المهندس طاهر عبدالله، الذي يعمل بشركة أدنوك للتوزيع، يقول طاهر: درست في مدرسة غياثي خمسة أعوام كانت من أجمل سني العمر، ففي تلك الفترة تعلمت معاركة الحياة قبل حفظ الحروف، كان المدرسون يتعاملون معنا باحترام، ويزرعون في داخلنا الثقة بالنفس، لذا حين عرضت علي فكرة اللقاء لم أتردد لحظة، فأنا تواق لرؤية أصدقائي القدامى، وبرغم إني لم أستطع تمييز معظمهم بسهولة، لكني وجدت نفسي أنساب مع حديث الذكريات، وكأنني أعيش "استعادة" لفيلم حياتي. صالح قايد الحارثي كان من الحاضرين أيضاً، فهو من طلبة مدرسة غياثي بين عامي 1979 و1984، ويقول: كنت من سكان أبوظبي وأقيم في السكن الداخلي للمدرسة، أذهب كل خميس في سيارة لاندروفر عبر طريق رملي غير معبد بين غياثي والرويس لأزور أهلي، وأعود كل جمعة، كانت إجازتي يوماً ونصف، لكني كنت أستعجل العودة إلى جو المدرسة الجميل. ويتابع: أحببت أن أتعايش مع البدو في المنطقة، أرادت أسرتي تنمية مكارم الأخلاق الأصيلة داخلي حين دفعتني وشجعتني للدراسة في مدرسة غياثي، والحمد لله أثرت فترة الطفولة تلك في شق حياتي ونجاحي، وبرغم أني أكملت دراستي الجامعية في جامعة الرمارات، إلا أني ما زلت مديناً لكرفانات مدرسة غياثي في تنشئتي الأولى. أما مبارك سيف المزروعي فقد اهتم بشكر الأساتذة، ويقول: ما أن اجتمع نصابنا في الخيمة حتى تذكرت أساتذة أجلاء درسونا وتابعوا خطواتنا الأولى في الحياة، كانوا برغم صرامتهم محبين، ربما لم نكن نعلم أفضالهم حين كنا في المدرسة لأننا كنا أطفالاً صغاراً، لكننا بالطبع أدركنا فضائلهم بعد أن كبرنا واستطعنا دخول الحياة. مقالب الطفولة سالم عبيد ماجد المنصوري كان في غاية السعادة والفرح، وهو يعانق أستاذه أحمد المصطفى ويسلم عليه بالطريقة السودانية التقليدية، ويقول : في الطفولة لا يمكن أن أفكر إلا بالمقالب التي كنا نستلذها، وبالدراسة الصارمة في مدرسة غياثي، وبجملة أستاذي الدائمة: (أنتم رجال) برغم أن أعمارنا لم تكن تتجاوز العشر سنوات. مما يتذكره سالم أيضاً الأنشطة المدرسية، ويقول: كان التفاعل اللاصفي هو المميز في الدراسة تلك الأيام، تنظيم المعسكرات، والأنشطة الرياضية كانا يأخذان ألباب عقولنا الصغيرة، لذا ليس من المستغرب أن أعرف معظم الحاضرين، لقد كنت أتواصل بشكل جيد مع الجميع. حديث الأساتذة أحمد المصطفى، أستاذ التربية الرياضية الذي عانقه سالم المنصوري، عمل في مدرسة غياثي من عام 1978 إلى عام 1989، كان فخوراً جداً بطلابه الذين تركوه أطفالاً والتقاهم كباراً، يقول: رغم صعوبة الحياة في تلك الفترة إلا أنها كانت أياماً جميلة جمعتنا بطلاب ومعلمين في قمة الخلق وحسن المعشر، ونفتخر كثيراً بأن نرى طلاب الأمس من كبار المسؤولين في الدولة اليوم، ولا ننسى الزيارات الطيبة للمغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للمدرسة، والتي كان لها الأثر الطيب في نفوس الطلاب، لأنه كان يحثهم على التسلح بالعلم والمعرفة من أجل خدمة ورفعة الوطن، وتحفيزهم وتشجيعهم من خلال توفير وتسخير كافة الإمكانات التي تسهم في تطوير العملية التعليمية. أما خيري جوهر، مدير مدرسة غياثي ما بين عامي 1980 و1986، فقد أكد أن لقاء لم الشمل بين الطلاب القدامى واستضافة الأساتذة فيه هو أكبر دليل احترام المعلمين الذي تحلى به طلاب المدرسة تلك الفترة، وتابع، وهو يقدم شريط فيديو لبعض احتفاليات المدرسة القديمة للطلاب: هذه اللفتة الجميلة من ابننا "حمود المنصوري" أعادت إلى نفوسنا ذكرى تلك الأيام الجميلة، لذا اخترت أن أهديهم شريطاً يتضمن فعاليات شاركوا فيها خلال فترة دراستهم، فالمدرسة تلك الفترة كانت أسرة واحدة منسجمة ومتجانسة، وكل شخص فيها يهتم بمن حوله، خاصة وأن في المدرسة قسماً داخلياً للطلاب يضم كل أنواع الرياضات، مثل كرة القدم، السلة، التنس، والمسبح أيضاً.
المصدر: الغربية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©