السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجالس الصالحين تطيب أخلاق الأصدقاء بروائح المسك

مجالس الصالحين تطيب أخلاق الأصدقاء بروائح المسك
28 أغسطس 2014 20:10
الحمد لله الذي أنعم علينا بالإسلام، وشرح صدورنا للإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:- أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»، (أخرجه مسلم). هذا الحديث حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، في كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين، ومجانبة قرناء السوء. من نعم الله سبحانه وتعالى على الناس أن أوجدهم في هذه الحياة ليتعارفوا وليتواصلوا، كما في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»، «سورة الحجرات: الآية 13». فالإنسان في هذه الحياة لا بُدَّ له من مخالطة الآخرين، فهو لا يستطيع أن يعيش في عزلة عن غيره، كما قال الشاعر: الناسُ للناسِ مِن بَدْوٍ وحاضِرَةٍ بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ فضل الأصدقاء ومن المعلوم أن الإنسان اجتماعي بطبعه، لا يستغني عن غيره، فهو بحاجة إلى أصدقاء يلتقي بهم ويأنس بمجالستهم، ومن هنا جاءت الأحاديث النبوية الشريفة التي تبين فضل الأصدقاء وتحث على حُسْن اختيارهم، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم-: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ»، (أخرجه الترمذي). وقوله - صلى الله عليه وسلم-: «لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ»، (أخرجه أحمد). وقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: «سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ، . . . وذكر منها: «وَرَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ»، (أخرجه البخاري). إن الصداقة بين الناس علاقة اجتماعية تتجاوب مع الفطرة ومع طبيعة الإنسان، لذلك يجب على الإنسان أن يُحْسن اختيار صديقه، كما قال الشاعر: عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ فَكُلُّ قَرِينٍ بِالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي فالمرء يُعرف بقرينه، والصديق الحقّ هو الذي يقف مع صديقه عند الضيق، كما قال الشاعر: فَمَا أَكْثَرَ الإِخْوَانَ حِينَ تَعُدُّهُمْ وَلَكِنَّهُمْ فِي النَّائِبَاتِ قَلِيلُ فالجليس الصالح هو الذي ترتاح إليه نفسك، ويطمئن به فؤادك، وتنعم بمجالسته، وتسعد بصحبته، وقد شبهه رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ببائع العطور، الذي ينفحك بعطره، ويغمرك بنشره، فإما أن يهديك، وإما أن تجد عنده ريحاً طيبة، فأنت معه في ربح دائم، ونشوة غامرة. أما جليس السوء، فليس هناك أبلغ من تشبيهه بالحدَّاد، الذي ينفخ بكيره، فأنت معه في خسارة دائمة، فإن لم يحرقك بناره، أحرقك بشراره، فصحبته همٌ دائم، وحزنٌ لازم، ولله در القائل: فلا تصحبْ أخا الجهلِ وإيَّاك وإياهُ فكم من جاهلٍ أردى حليماً حين آخاهُ يُقَاس المرءُ بالمرءِ إذا ما المرءُ مَاشَاهُ يوم يعضُّ الظالم على يديه من المعلوم أن الصاحب ساحب كما يقولون، فالصديق يأخذ بيد صديقه إلى السعادة والخير في الدنيا والآخرة، إذا كانت صداقتهما خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى، لذلك أمر الله سبحانه وتعالى بضرورة صحبة المتقين وملازمتهم والحرص عليهم، كما في قوله تعالى: «وَاصْبرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ»، «سورة الكهف: الآية 28». كما أنه يورد صديقه موارد الهلاك، إذا كانت صداقتهما قائمة على المعاصي والفجور، حيث أمرنا الله سبحانه وتعالى بالإعراض عن الفجار والفسقة والحذر منهم، كما في قوله تعالى: «فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا»، «سورة النجم: الآية 29»، لذلك كان الحث على وجوب مجالسة الصالحين وأهل الخير والبر، والنهي عن مجالسة أهل الشر والفجور والفسوق. سببُ نزول الآية السابقة: رُوي أن «عقبة بن أبي معيط»، وكان صديقاً لأُبيّ بن خلف صنع وليمة، فدعا إليها قريشاً ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فلما قُدّم الطعام، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أني رسول الله، ففعل، فأكل رسول الله من طعامه، فلما بلغ «أُبَيُّ بن خلف» ذلك، قال لصديقه عقبة: صبأت، قال: لا، ولكن دخل عليَّ رجل عظيم فأبى أن يأكل طعامي حتى أشهد له بالرسالة، فقال له أُبَيّ : وجهي من وجهك حرام إن رأيتَ محمدًا حتى تبزق في وجهه وتطأ على عنقه وتقول كيت وكيت، ففعل عدوُّ الله ما أمره به خليله، فأنزل الله (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ. . )، «صفوة التفاسير للصابوني 2/359». جاء في كتاب صفوة التفاسير للصابوني في تفسير الآيات السابقة: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) أي واذكر يوم يندم ويتحسر الظالم على نفسه لما فَرَّط في جنب الله، وعضُّ اليدين كنايةٌ عن الندم والحسرة، والمراد بالظالم» عُقبة بن أبي معيط «كما في سبب النزول، وهي تعمُّ كل ظالم، قال ابن كثير: يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلك سبيلاً غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم، وعضَّ على يديه حسرةً وأسفاً، وسواءٌ كان نزولها في «عقبة بن أبي معيط» أو غيره من الأشقياء فإنها عامةٌ في كل ظالم، (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً)، أي يقول الظالم يا ليتني اتبعتُ الرسول فاتخذت معه طريقاً إلى الهدى ينجيني من العذاب، (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً)، أي يا هلاكي وحسرتي، يا ليتني لم أصاحب فلاناً واجعله صديقاً لي، ولفظ (فلان) كناية عن الشخص الذي أضلَّه وهو «أبيّ بن خلف»، قال القرطبي: وكنى عنه ولم يصرّح باسمه ليتناول جميع من فعل مثل فعله، (لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي)، أي لقد أضلني عن الهدى والإيمان بعد أن اهتديت وآمنت، ثم قال تعالى: «وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً»، أي يُضله وَيُغويه ثم يتبرأ منه وقت البلاء، فلا ينقذه ولا ينصره، «صفوة التفاسير للصابوني2/361». بهذا آخيتك ذكرت كتب السيرة والتاريخ أن عقبة بن عامر ركب إلى مسلمة بن مُخَلَّد، فقال له: أتذكر يوم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ عَلِمَ مِنْ أَخِيهِ سَيِّئَةً فَسَتَرَهَا، سَتَرَه اللَّهُ بهَا منَ النارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، (أخرجه أحمد)، قال نعم، قال : فلهذا آخيتك. إن هؤلاء الرجال المؤمنين من الرعيل الأول قد تربوا التربية الصادقة، حيث إنهم تخرجوا من مدرسة النبوة التي أسسها محمد - صلى الله عليه وسلم-، فتخلقوا بأخلاقه وتأدبوا بآدابه، فهم ينصحون ولا يفضحون، لأن المؤمن مرآة أخيه المؤمن، فالتناصح بين الأصدقاء والزملاء يكون بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة والقدوة الصالحة، كما جاء في الحديث الشريف عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: «الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ: يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ»، (أخرجه أبو داود)، وجزى الله إمامنا الشافعي عنا خيراً في قوله: تَعَهَّدني النصيحةَ في انفرادٍ وجنِّبني النصيحةَ في الجماعة فإنَّ النُّصْحَ بينَ الناسِ نوعٌ من التوبيخ لا أَرْضَى استماعَه هذه هي تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، لو سار المسلمون على هديها، لعاشوا عيشة طيبة، وَلَسَلِمُوا من مشاكل الحياة، فحريٌ بنا أن نعود إلي كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم-، لنحافظ على وحدة مجتمعنا وسلامته من الشرور والأحقاد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©