السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أمنيتي.. زوجة نكدية!

أمنيتي.. زوجة نكدية!
28 أغسطس 2014 20:05
للمرة الأولى في حياتي أصدق فعلاً «أن مصائب قوم عند قوم فوائد»، فقد كانت سعادتي لا توصف وأنا أراها متشحة بالسواد، وقد عادت إلى بيت أسرتها أرملة لم تتجاوز الخامسة والعشرين من عمرها بعد، رغم أن مصابها أليم وجرحها غائر وحزنها شديد، وتستحق كل أنواع المساندة والمواساة، فإنني كنت على النقيض من ذلك تماماً، سعيداً لم تسع الدنيا فرحتي، قلبي يرفرف ويكاد يطير فرحاً، ولابد أن أوضح الحقيقة فلست سعيداً بما هي فيه ولا لأنها تمر بمصاب أليم، ولكن سر سعادتي أنها عادت بعدما فقدت الأمل في مجرد رؤيتها مرة أخرى، وكما قال الشاعر: قد يجمع الله الشتيتين بعدما، يظنان كل الظن ألا تلاقيا، كان ظني كذلك أننا لن نلتقي في الحياة مرة أخرى وقد تمسكت بقول ابن زيدون الشاعر الأندلسي للولادة بنت المستكفي: أما في الدنيا إذا عز اللقاء، ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا. حب قديم إلى هنا قد يتوهم من يقرأ السطور الماضية أنني شاعر كبير أو على الأقل دارس متخصص، ولكن لا هذا ولا ذاك، بل على العكس فأنا مهندس ودراستي واهتمامي كله في الرياضيات والحسابات، وعملي جاف بين المباني والطوب والمعمار، ولكن «نسمة» وهذا اسمها كانت جارتي منذ الطفولة ولفتت نظري منذ أن شبت عن الطوق، أتابعها عن بعد ولم يحدث أن تجرأت للحديث معها ولو بكلمة واحدة وفي نفس الوقت لم ألفت نظرها نحوي لأسباب كثيرة جداً، أهمها أنني أحترم حقوق الجيرة والعادات والتقاليد والآداب العامة بمعنى الكلمة، ثم إذا حدث الكلام فلابد أن يكون بسبب، وهذا السبب واحد فقط يجب أن يكون الزواج وهذا طريقه واحد من الباب، ويكون الكلام مع الأب مباشرة، ولأنني حينها كنت ما زلت طالباً فما ينبغي لي أن أفتح هذا الموضوع من الأصل. مشاعري نحوها جعلتني أستمع إلى كل أغاني الحب والغرام، وأحفظ الأشعار، وأتعرف على العاشقين القدامى، الذين خلدت ذكراهم قصص حبهم المعروفة، ومع ذلك أرى أنني أكثر منهم حباً وهياماً، أصبحت مكتبتي الصغيرة مكتظة بدواوين الشعر من كل عصر ومصر، ويخيل إليّ أنها كلها مكتوبة فيها وكأنني أنا الذي كتبها، لذلك كان يوما أسود في حياتي عندما علمت أنها تمت خطوبتها، وتزوجت خلال أشهر قليلة وانتقلت إلى بيت زوجها في مكان لا أعرفه، ولست مهتما بمعرفته، فهذا قد يجعلني مشدوداً إليه، وربما يصيبني الجنون وأتردد عليه لمجرد رؤيتها، لكن كان في حالتي هذه الجهل أفضل من العلم بالمكان، وتحولت اهتماماتي من قصائد الغرام والغزل والوصف، إلى الفراق والهجران والهجر والرحيل والغياب. حادث أليم اضطررت صاغراً لأن استمر في كتمان المعاناة كما كتمت الأحاسيس الأولى من قبل، ولم أترك لأحزاني أن تسيطر على حياتي، ويكفي أن تعيش التجربة داخلي بعدما أصبحت غير قادر على التخلص منها أو نسيانها، وبعد أن أثقلت كاهلي وأرقتني كان لابد أن أتعامل مع الواقع، وأن أتخلى عن الأوهام وأعيش الواقع وأتعامل معه ولو كان صعباً، فالدواء أحيانا يكون مراً، لكنه ضروري من أجل العلاج، لجأت إلى الحسابات والعمل بعد أن انتهيت من دراستي وانغمست في المهام التي كنت أقوم بها في المكتب الهندسي، ومع أنني ليس لديّ وقت للتفكير في أي شيء لكن لم أستطع التخلص من التفكير فيها، أحاول أن أضعها أحياناً في هامش الشعور مدعيا أنها لم يعد لها عندي وجود. لكن ما حدث بعد أربع سنوات كاملة كان بمثابة المعجزة أو الحلم الجميل، لم أصدق أن ذلك يمكن أن يحدث، بعدما كان في حكم المستحيل بالنسبة لي، فقد فقدت زوجها الشاب فجأة في حادث أليم، وعادت إلى بيت أسرتها أرملة صغيرة، يبدو بالطبع في عينيها حزن دفين، وألم ظاهر، وكما قلت سعدت أيما سعادة بعودة الروح إلى، وجاء الأمل المفقود من جديد، ولم يكن الظرف مناسبا على الإطلاق لاغتنام الفرصة والصيد في الماء العكر والتقدم لخطبتها، ولم يكن ذلك ليحدث قبل عام على الأقل حتى يجوز التلميح لتلك الخطوة، والغريب أنها لم تكن مني في البداية، وإنما تقدم غيري كثيرون وكانت النتيجة للجميع واحدة وهي الرفض التام، ليس لأن أياً منهم غير مناسب لها ولكن لأنها ترفض الزواج بعد «المرحوم» وكما بلغني فإنها لن ترضى بعده أي رجل مهما كان، وقد أغلقت هذا الباب نهائياً، ولن تسمح لأحد أن يفتحه. الهدف الكبير أصابني الإحباط وبدأ الأمل الذي جاءني بعد طول صبر وعناء يتبدد مرة أخرى، لكن صدقوني إنني الآن أكون راضياً تمام الرضا لو ظل الوضع على تلك الحال ولم تتزوج، ويكفيني أن أراها كلما سنحت الفرصة والأهم أنها لن تكون لغيري، وبعد أن مر ما يقرب من عامين على عودتها قررت أن أخوض التجربة بنفسي ولا أكتفي بما يريحني نفسيا، ولما لا أتقدم نحو الهدف الكبير والفوز بالزواج منها، وبلا خوف من الفشل والرفض واستمرارها على موقفها، طرقت الباب متقدماً طالباً يدها، وكنت مباشراً في كلامي وقدمت نفسي بالمزيد من التفاصيل عن أحوالي، وطلبوا أن أمنحهم فرصة للرد، وحددوا وقتاً لذلك بأن يكون بعد أسبوع، وبذلك اعتبرت أن هذا رفضاً مقنعاً بطريقة مهذبة، ولم أنتظر واعتبرت أن تلك آخر خطوة وآخر عهدي بها، لكن كنت مخطئاً في التعجل، وبعد عشرة أيام جاءني الرد السعيد السار بالموافقة. توجهت مرة أخرى ولأول مرة يدق قلبي طرباً لا خوفاً، لكن كان هناك هاجس يتردد داخلي بأنني أخشى أن تكون وافقت تحت ضغط أسرتها، فالطبيعي أنهم لن يرضوا لها أن تبقى طوال حياتها وحيدة تجتر الأحزان التي لا طائل منها ولا فائدة، لذلك عندما أتيحت لي الفرصة همست لها بذلك، وكان ردها بل إنها وافقت بمحض إرادتها ولا يمكن لأحد كائناً من كان أن يجبرها على شيء لا تريده، وهذه الكلمات غرست في نفسي الطمأنينة والثقة أيضا وعشت أحلى وأجمل وأسعد أيام حياتي وإن لم يكن يتاح لنا الجلوس معاً كثيراً في أيام الخطوبة، وحتى ما يخصنا من تأثيث منزل الزوجية تركت لي الاختيار على عكس ما تفعل أي عروس، وفي هذه الحالة قد يكون السبب معروفاً بأنها ليست الزيجة الأولى لها، ولأنها أرملة فقد اكتفت بما يتم اختياره لها. برودة الشاعر كانت زوجتي أو محبوبة قلبي التي حلمت بها وعانيت بسببها لسنوات طوال، لوحاً من الثلج بل مصنعاً، وربما لا أكون مبالغاً إذا قلت إن بيتي هو نفسه القطب المتجمد الشمالي، امرأة بلا مشاعر أو تعبير عن أي إحساس، لا تغضب ولا تفرح مهما حدث، تفعل كل شيء مثل «الروبوت» أو ما يسمونه الإنسان الآلي، لا تشاركني أي حوار أو تسألني إن كنت سعيداً أو تعيساً أو مشغولاً أو مهموماً، حبي لها جعلني أغفر لها كل ذلك، حاولت أن أبرر موقفها بأنها لم تعتد على الحياة معي بعد، لكن بكل أسف لم تتغير، وظلت على ما هي عليه، وباءت كل محاولاتي معها بالفشل، وكلما فتحت موضوعا للنقاش أغلقته بهزة من رأسها واكتفت بإيماءة سواء بما يعني نعم أو لا. قررت أن أجرب معها وسائل أخرى بأن أتأخر في العودة من عملي، فلم يحرك ذلك عندها ساكناً، ولا تكلف خاطرها بأن تسألني مجرد سؤال عن سبب تأخري مهما كان حتى لو عدت في الفجر، وكل ذلك جعل الغيظ يتسرب إلى نفسي، وكان لابد من تغيير الخطة أو تعديلها بأن أبيت ليلة أو اكثر خارج المنزل لعل ذلك يحرك فيها حتى خوف الزوجة على زوجها وليس بالضرورة مشاعر الحبيبة الغيور، لأنني تأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أنني كنت أحبها من طرف واحد، لكن هذا لا يبرر لها أن تكون مثل جلمود الصخر في الجمود وعدم الإحساس، فحتى المبيت خارج البيت لم يغير من الأمر شيئا، وهذا جعلني أكثر تأكيدا من أنني لا أمثل في حياتها أي أهمية، وهي في واجباتها الزوجية كلها مثل الخادمة، التي تطهو وتنظف وتغسل الملابس مقابل اجر، وحبي لها يجعلني أتحمل كل ذلك منها، وربما يكون معظم الرجال أو كلهم يريدون زوجة مثلها لا تسأل عن أي تصرف مهما كان، ولكن بكل أمانة هذا ابتلاء عظيم، فاهتمام الزوجة بزوجها وغيرتها عليه هي الملح والبهارات والمقبلات للحياة الزوجية وإذا خلت منها فهي لا تعدو أن تكون عقوبة أو مشكلة تبحث عن حل. ماء ونار لقد كنت أنا وزوجتي ضدان مثل الماء والنار لا يلتقيان، فالماء يطفئ النار والنار تجعل الماء يتبخر فلا يلتقيان وإذا التقيا قضى أحدهما على الآخر، مع أنها لا تريد بي شراً ولا تضمر داخلها ضغينة، لكن لم تكن زوجة حتى نكدية وكثيرة المطالب أو ثرثارة، وتلك هي الصفات التي يشكو منها الأزواج لكن حتى هذه كنت أتمناها فيها وللأسف لم أجدها، وبعد عامين فقط من زواجنا لم يبقَ أمامي إلا الخطة الأخيرة، والتي تتلخص في الانتحار، نعم الانتحار، لكن ليس بالمعنى المتعارف عليه بإزهاق الروح، ولكن باللجوء إلى الزواج الثاني، وتعرفت على فتاة وأخبرتها بظروفي ولم أخف عنها أي معلومة، وتزوجتها وهي تعلم أن الهدف من تلك الزيجة هو فقط أن أغيط زوجتي وأحرك مشاعرها المتجمدة، تخيلوا حتى هذا لم يجعلها تعترض ولا ترفض ولا تشجب أو تحتج ولا تطلب الطلاق كما يمكن أن تتصرف أي أنثى في الدنيا، فكدت أن أصاب بالجنون. سئمت من تمثيل دور الزوج السعيد، طردتها من المنزل لعدة أشهر لعلها تتغير أو يصيبها شيء من الإحساس، لكن بلا فائدة، وعاتبتها من جديد، فقالت يجب أن تقبلني على عيوبي، فأنا مشغولة بما هو أكبر من ذلك، فهمت الآن فقط أنها ما زالت تعيش في الماضي، يالسخرية القدر هذه التي كنت أتمنى منها نظرة أصبحت زاهداً فيها بمحض إرادتي إن لم أكن وصلت إلى درجة كراهيتها، أتمنى لو ظللت محروماً منها وأعيش في وهم حبها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©