مياه الصرف الصحي حل واعد لمشكلة الجفاف

يمثل الجفاف المشكلة رقم واحد التي ستواجه العالم خلال العقود المقبلة· ومع تزايد وتيرة النشاط الاقتصادي، واتساع رقعة المدن والحضر، والانفجار السكاني، سوف تعجز المصادر الطبيعية للمياه عن تغطية حاجات الاستهلاك اليومي للبشر· ويرى خبراء أميركيون ينشغلون بدراسة هذه الظاهرة المعقدة أن الحل الأمثل لنقص الموارد المائية يكمن في معالجة مياه الصرف الصحي· وينبثق هذا الحكم من مبدأ معروف ينص على أن (الحاجة أم الاختراع)؛ فقد عانت ولاية أطلانتا الأميركية العام الماضي من ثاني أسوأ موجة جفاف في تاريخها أدرجت في المرتبة (دي4)، وهي الأعلى والأشد خطورة في مقياس حكومي معتمد رسمياً مما اقتضى ذلك ضرورة البحث عن حل عملي لهذه المشكلة· وفي الغرب الأميركي، أصبحت المشاكل المرتبطة بالجفاف تزداد تعقيداً عاماً بعد آخر· وفي ولاية أريزونا مثلاً، يزداد عدد السكان بمعدل 3,5% سنوياً منذ عام 1990؛ وهو أعلى بنحو أربع مرات من معدل تزايد عدد السكان في الولايات المتحدة كلها؛ فيما يعاني نهر كولورادو الذي يعدّ المصدر الأساسي للمياه التي تستهلكها أريزونا، من شحّ متزايد في مياهه· وأصبح معدل ما يصبّه من المياه في بحيرة (باول) أقل من 25% من المعدل المعتاد· ويقترح العلماء فكرة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي كواحدة من أهم الحلول الممكنة لمواجهة هذه الأزمة المستعصية؛ ويبحثون الآن في مختبراتهم عن طريقة بديلة عن معالجة هذه المياه بالكلور السائل، الذي يستخدم كقاتل قوي للجراثيم والطفيليات الضارّة· وتساهم جامعة إلينوي بتمويل برنامج للبحوث يشترك فيه خبراء من عدة جامعات أخرى· ويدور البحث عن إمكان استخدام مركب جديد لمعالجة المياه يدعى (أوكسينترات التيتانيوم) الذي يتفاعل مع الضوء الأبيض ليتحول إلى مادة قاتلة لأنواع الجراثيم المختلفة· ولا يزال الكلور السائل يحظى بتقدير الباحثين بسبب النتائج الباهرة التي أسفر عنها استخدامه لمعالجة المياه الملوّثة· وبين بداية القرن العشرين وعام ،1940 هبط معدل الوفيات في العالم بنسبة 40%· ويعزى السبب الرئيس لهذا الإنجاز لإضافة المواد الكيميائية المعقمة إلى مصادر المياه الملوثة· إلا أن هناك بعض المحاذير والأضرار التي ينطوي عليها استخدام الكلور، والتي اكتشفها العلماء مؤخراً؛ من أهمها أن الكلور يتفاعل مع بعض المركبات العضوية لتشكيل مركبات ثانوية ضارّة مثل مادة الكلوروفورم السامة· وفيما تؤدي عملية (الكلورة) إلى قتل الغالبية العظمى من الجراثيم السابحة في المياه الملوثة بما فيها الفيروسات، إلا أنها لا تقضي على جراثيم قاتلة أخرى كأبواغ الجمرة الخبيثة وبعض الطفيليات التي قتلت أكثر من 100 ضحية مرة واحدة في مدينة ميلووكي بولاية ويسكونسن الأميركية عام ·1993 ويشرح تقرير نشره موقع مجلة (بوبيولار ميكانيكس) طريقة عمل مادة (أوكسينترات التيتانيوم) فيشير إلى أنها تتفاعل مع الضوء الأبيض للشمس أو المصابيح العادية لتتحول إلى مادة شديدة القدرة على قتل كل أنواع الجراثيم بما فيها الجمرة الخبيثة· ولا يشكل القضاء التام على الجراثيم والفيروسات إلا إحدى الخطوات الأساسية والمهمة لإعادة تدوير مياه الصرف الصحي· ومن النواحي الكيميائية التحليلية، لا يتبقى بعد ذلك إلا عملية تخليص الماء من المواد والأملاح والمركبات العضوية المختلفة حتى يتحول إلى ماء صالح للاستهلاك· وهذه العملية أصبحت شائعة جداً في محطات المعالجة التي تنتشر في مدن عالمية كثيرة· نقلاً عن بوبيولار ميكانيكس