قراءات لقصائد حمد بوشهاب المجهولة

ابراهيم الملا (الشارقة) نظم مركز الشارقة للشعر الشعبي التابع لدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، مساء أمس الأول في مقره بمنطقة شرقان أمسية استعادية وحميمية لقصائد الشاعر الإماراتي الراحل حمد خليفة بوشهاب، الأمسية حملت عنوان «لمسة وفاء»، وحضرها لفيف من الشعراء والإعلاميين، وشارك بها كل من الشعراء راشد شرار مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي، وراشد غانم العصري، وسيف حمد الشامسي والذين عاصروا تجربة حمد بوشهاب وعاينوها عن قرب منذ البدايات وحتى قبيل رحيل الشاعر الكبير في شهر اغسطس من العام 2002. تطرقت الأمسية أيضا للجهد التوثيقي والمنابع الفكرية والثقافية التي ساهمت في سطوع اسم حمد بوشهاب كإحدى القامات الأدبية الراكزة والمؤثرة في مسيرة الشعر الإماراتي بشقيه الفصيح والشعبي، دون إهمال العمل الأرشيفي والبحثي الجاد والدقيق لبوشهاب في رصده وتوثيقه وتحقيقه لقصائد شعراء محليين كبار وملهمين أمثال الماجدي بن ظاهر، وراشد الخضر، وربيع بن ياقوت، وسلطان بن علي العويس، وغيرهم. واستهل راشد شرار الأمسية بالحديث عن الجهود التوثيقية الملموسة التي بذلها بوشهاب، والعلامات الشعرية الفارقة التي أسس لها مبكرا وقبل قيام دولة الاتحاد لخلق انتباهات واعية تجاه الشعر الشعبي والفصيح باعتبار أن الشعر يمثل ذاكرة حيوية تنطلق منها خصوصية المكان وجمالياته وتنوعه، باتجاه الآخر البعيد، والمتلهف لمعرفة جذور ومنابع وتفاصيل البيئة الإماراتية بمكوناتها الثقافية والتاريخية والاجتماعية المختلفة. وقال شرار إن بوشهاب ربط الشعر الشعبي بالأنساب والقبائل والمناطق الجغرافية في الدولة، وطبع في شعره وفي بحوثه الأدبية ملامح فاتنة ومدهشة حول البحر والصحراء وفضاءات المكان وتحولات المجتمع عندما كانت الأدوات الإعلامية والتوثيقية شبه معدومة، فكان بوشهاب حينها ـ كما أوضح شرار ـ يقوم ولوحده بجهد مؤسسي متكامل ومستند على غيرة ثقافية وبحث دؤوب وتضحيات شخصية ورحلات وأسفار في مناطق الدولة المختلفة كي يلاحق التفاصيل الشعرية والحياتية للشعراء الذين وثق إبداعاتهم في كتبه والتي باتت ـ كما قال ـ مرجعا مهما لكل الشعراء والباحثين والأكاديميين المهتمين بشؤون وفضاءات الشعر المحلي. وقرأ بعدها شرار نموذجا من الشعر الشعبي الوجداني عند بوشهاب في قصيدة بعنوان: «يحفظك مولاك» يقول في مطلعها: كل حرف وكل بيت وكل قصيدة/ وونّة ونّيتها لجل عينك إنته حديث القلب وإنته نشيده/ وإنته أوتاره لي ترنّم بطرواك وإنته قديم الحب وإنته جديده/ وإنت الوحيد اللي بالأعماق سكناك أغار من كل لي يصافحك بيده/ وأغار من ينظر بعينه محيّاك بدوره أشار الشاعر راشد غانم العصري إلى أن حمد بوشهاب كان بمثابة الأخ الأكبر والصديق المتجاوب والمعلّم الحاضر دائما في الجلسات المسائية في ستينيات القرن الماضي على سواحل عجمان، حيث كانت هذه الجلسات الحميمية ـ كما أوضح العصري ـ حافلة بالنقاشات والقراءات وتداول شؤون الأدب والشعر والمجتمع والحركات القومية الناهضة في البلدان العربية وقتها، وقرأ العصري بعض القصائد المجهولة لحمد بوشهاب والتي لم يسبق نشرها في دواوين مطبوعة، ومنها القصيدة التي يقول في مطلعها: قيّست بين الصدّ والبين/ ولقيت أعظم فرق مضنون وتلومني ناس ميانين/ خديّ ما بالحال يدرون قلت اسكتوا عني يا خالين/ تبغون بالفرقا بتسعون عن عيب خلّي جلّت العين/ لي يفعله المزيون مزيون أما الشاعر سيف حمد الشامسي فأوضح في نهاية الأمسية أن الشاعر حمد بوشهاب ورغم اقتصار تعليمه الأساسي على (الكتاتيب) أو المدارس الفطرية التقليدية، إلا أنه استطاع من خلال ذكائه وذاكرته القوية أن يخترق الآفاق المعرفية للشعر والتاريخ بجهد ذاتي وإصرار كبير وفضول داخلي وتذوق خاص للشعر الشعبي والفصيح، وقال الشامسي إن بوشهاب سبق عصره ولم يعوض أحد مكانه إلى الآن قياسا بشح وضمور المعلومات في زمنه، مقارنة بالتطور التقني والأرشيفي الهائل في هذا العصر. وقرأ الشامسي مجموعة من القصائد الذي حفظها أثناء جلساته المتعددة مع الشاعر والتي لم توثق حتى الآن، ومنها قصيدة بعنوان: «فقد خلّي» يقول فيها بوشهاب: من فقد خلّي قلبي احترّ/ والجاش تلبقبه سواعير فرقاك مب بالهون يا الغرّ/ على حمد لكن تقدير أمرٍ من الباري مقدّر/ قلبي وبصبر به تصبّير على حكم الأيام بصبر/ عسنّه عاجبت الصبر خير وفي نهاية الأمسية قام راشد شرار مدير مركز الشارقة للشعر الشعبي بتوزيع شهادات التقدير على الضيفين المشاركين تثمينا لجهودهما في الحفاظ على الميراث الشعري الغني والمتنوع لشاعر الإمارات الكبير حمد خليفة بوشهاب، والتي ما زالت آثاره الشعرية ومساهماته النقدية والأدبية بحاجة للتصنيف والبحث وإعادة نشر المنسي والمجهول منها، وخصوصا تلك المتعلقة بكتاباته المبكرة وقصائده المحفوظة في صدور أصدقائه المقربين منه والمجايلين لتجربته الغزيرة والحافلة بالتحديات.