الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أصوات نسائية في ورشة الرواية العربية

أصوات نسائية في ورشة الرواية العربية
3 نوفمبر 2010 21:24
يعتبر المشغل الأدبي إنجازاً مهماً من منجزات الفكر النقدي الذي استطاع أحد أكبر المنظرين والمبدعين العالميين، وهو امبرتو ايكو أن يصطلح عليه بـ”المشغل الإبداعي” بما يوازي انفتاح الكتابة على كافة احتمالات التوجه بما يملي الحوار والنقاش في ذات المشغل. المشغل أو الورشة الفنية تعبير عن الاشتغال المحسوس قبل اكتمال العمل جنساً قائماً بذاته، وعليه يصبح النص الأدبي غير مجنس حتى الانتهاء من أعمال الورشة الإبداعية، إذ لو افترضنا أن عملاً مقترحاً يناقش في ورشة فنية فلا يمكن أن نتصور انزياح العمل باتجاه أن يصبح قصة قصيرة أو رواية أو نصاً مفتوحاً كون آليات الاشتغال أثناء أعمال الورشة لا تزال تضغط باتجاهات مختلفة، إلا أن لحظة التجنيس هي ذاتها لحظة الانتهاء من الكتابة والنقاش والحوار وتقبل آراء الآخرين. هذا في مجمله كما أتصور ما يدور في ورش العمل الأدبية، وربما هناك اشتغالات أخرى عملية ضمن آليات محددة لم نطلع عليها بعد، وبالتالي كان لابد لنا من أن نلتقي بروائيين وقاصين مشاركين في مشغل أدبي وفرته لهم الجائزة العالمية للرواية العربية، تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في المنطقة الغربية، وبتنظيم من مؤسسة الإمارات وهم 7 روائيين بينهم 3 روائيات هن مريم السعدي من الإمارات ورانية مأمون من السودان ولينا هويان الحسن من سوريا ومعهن الروائية المصرية منصورة عز الدين والروائي اللبناني جبور دويهي بوصفهما مرشدين في الورشة. وربما حرصنا هنا أن نقدم المشاركة النسوية العربية في جائزة الرواية العربية باعتبارها علامة مهمة وفارقة في تاريخ الرواية العربية التي صارت فيها المرأة العربية مؤثرة وفاعلة تنسج تاريخها الخاص، وتدافع، بل تؤسس لفكرها وطرائقها في توصيل رؤاها عن الرجل والعالم، وما يحيط بعلاقتها معهما من اشكاليات لا تزال غير قادرة علي الاندثار. في البدء كان لنا أن نطرح سؤالين نعتقد بأهميتهما وهما أولاً: ما إذا كانت هذه الورشة الإبداعية بنسختها الثانية قد شكلت إضافة للكاتبة على مستوى الإبداع، وثانياً هل أثرت ورشة الإبداع هذه في تغيير مسارات النص الإبداعي الذي تنوي الروائية إنجازه وتشكيله، وما مدى آفاق هذا التغيير؟ وضوح الفكرة وحول سؤالنا الأول قالت الروائية الإماراتية مريم السعدي صاحبة المجموعة القصصية “مريم والحظ السعيد”: “من خلال الورشة تعلمت الانفصال عن نصي، التعامل معه كنص أدبي فحسب وان لا تزعجني ملاحظات الآخرين حوله، لا اقصد أنها كانت تزعجني ولكن اقصد أني صرت انتبه له وآخذها بعين الاعتبار لكونها عوامل مساعده لتطوير النص”. وأضافت: “تعلمت من خلال الورشة أن الكتابة حرفة لا يجب أن نجلس مطولا في انتظار هبوط الوحي وهطول الإلهام للقيام بها، إنها بالممارسة تتأتى وتتكون، ومن خلال هذه الورشة عرفت أني أريد أن أكتب بشكل جدي ومكثف واحترافي أكثر. واستفدت من الحجم المعرفي والعمق الثقافي للمشاركين لتطوير قدراتي وقراءاتي في الأدب العربي والعالمي، وفي أجواء الورشة التي التقيت فيها بأشخاص مهمومين بالكتابة وهي شغلهم الشاغل تعلمت منهم كيف تكون الكتابة مشروع حياة وأسلوب حياة وهدف للحياة”. وقالت الروائية السودانية رانية مأمون “إن مشروعي الروائي الجديد كان مجرد فكرة، والآن تشكل وبدأت في التنفيذ، الدورة أفادتني أيضاً في تطوير وتعميق الفكرة والذهاب بها بعيداً”. وأضافت: “أعتقد أن هذه الدورة قد أضافت شيئاً جديداً أهمه صراحة النقد ووضوح الفكرة وكيفية تعلم التكنيك والتلاعب بالزمن والانفتاح على المدارس الكتابية المختلفة، حيث ضمت الندوة كتاباً تجريبيين وغرائبيين وواقعيين، وأن تقدم هذه المدارس في حلقة نقاشية يعتبر إضافة وثراء للمبدع والنص. أما الإضافة للمبدع فهو في اكتشافه طرائق الآخر وأسلوبه والدخول معه في مطبخه الكتابي والتعامل مع النص وهو ما زال طازجا وقابلاً للتشكيل والإضافة والحذف، أما من حيث النص فأجد أن النص عندما يطرح لحظة الولادة نجد الكثير من التقويم أو التوجيه المؤسس على فكرة نظرية سليمة سوف يضيف له إحساساً جمالياً في الشكل على الأقل، أما المضمون فيبقى خاصاً بالمؤلف كونه العارف بفضاءات وعوالم نصه”. أما الروائية السورية لينا هويان الحسن صاحبة “معشوقة الشمس”، و”التفاحة السوداء”، و”التروس القرمزية”، و”بنات نعش”، و”سلطانات الرمل” فقالت: “يمكننا الحديث عن فضاء واسع ومفتوح على كل احتمالات النقاش وتبادل الآراء والأفكار حول تقنيات الكتابة وأساليبها وطرقها، فهنالك نصوص تجريبية وأخرى واقعية بحتة وبعضها غرائبي.. بكل الأحوال أتيحت لنا الفرصة للاطلاع على مشاريع روائية قادمة لأدباء مهمين وواعدين، واستطعنا التعرف عن قرب على دوافع وهواجس الكتابة عند كامل أفراد المجموعة”. مسارات المنتج وحول المنتج ومساراته، وهل أثرت الدورة في تغيير مسارات المشروع الإبداعي الذي ينوي الروائي تشكيله؟ قالت مريم الساعدي: “كانت الملاحظات والتعليقات من قِبل المشرفين والكُتّاب مهمة جدا للإشارة إلى حيث بدا النص مسطحا أو مباشرا أو مشحونا بعبارات مجانية، أو إلى حيث بدا أقل تماسكا أو قفز بدون تمهيد أو مبرر إلى منطقة أبعد مما سبق، إذ حين نكتب لا ننتبه أحيانا لهكذا نقاط ضعف ومن المفيد جدا أن يقرأ النص غيرك”. وأضافت: “تعلمت أن أنتبه للملاحظات والتعليقات في مراحل تطوير النص على مدى أيام الورشة، وهي عملية حتما تحتاج لوقت أطول من ذلك، ولكن مجرد استحداث هذه التجربة حيث تكون الكتابة هي الهمّ الأوحد لكل الموجودين في مكان لا مجال للالتقاء فيه بغيرهم تصير الكتابة هواء نتنفسه ونسعى لتطويره لكي يطورنا بدوره”. ورأت الروائية السودانية رانية مأمون أن “مشاركة الآخرين للكاتب فيما يكتبه أثناء مرحلة الكتابة تفتح في ذهنه أسئلة ومسارات ربما كانت الرؤية قاتمة تجاهها، لذا فالآراء والنقاشات التي تمت إثارتها طوال فترة الورشة أثرت في تشكيل وإعادة تشكيل مشروعي الإبداعي الذي هو قيد الإنجاز الآن”. وأضافت: “سبق أن أنتجت رواية “فلاش أخضر” الصادرة عام 2006 ومجموعة قصصية بعنوان “13 شهراً من إشراق الشمس” 2009، بالإضافة الى أعمال ترجمة ونشرت باللغة الإنجليزية والفرنسية، أما الآن فقدمت فصلاً روائياً في أكثر من 3000 كلمة بعنوان “بنت بري” يتحدث عن شريحة المهمشين في المجتمع السوداني، و”عباس الضال” الذي يعاني من أزمة ذاتية بالانتماء الى قاع المجتمع وتطلعه الى الاندماج في طبقات عليا”. وقالت الروائية السورية لينا هويان الحسن: “قدمت مساحة لنص روائي محتمل مبني على تقاطع زمني بين حكاية شيخ وأمير في البادية السورية يقتتلان بسبب فرس في منتصف القرن العشرين، حيث يستعيد قلمي ذكرى حرب داحس والغبراء ويطرح سؤالا باعتقادي انه راهن وضروري ولابد منه: هل يعيد التاريخ نفسه؟”. النص أولا ومن وجهة نظر أخرى قالت الروائية المصرية منصورة عز الدين صاحبة “وراء الفردوس” التي كانت ضمن القائمة القصيرة لجائزة (البوكر) العربية عام 2010 باعتبارها مشرفة على أعمال الندوة ومشاركة فاعلة في توجيه الحوار: “أعتقد أن محترفات (ورش) الكتابة أكثر أهمية بمراحل من المؤتمرات أو المهرجانات الثقافية ذات الطابع الاستعراضي، لأن الورشة أساساً تركز على النص نفسه وتخرج من خلالها بعدد من النصوص وبالتالي يمكن أن تكون هناك نتيجة ملموسة لها. ويمكننا التناقش حولها اتفاقاً واختلافاً”. وأضافت: “قدم كل كاتب من الكتّاب السبعة الذين شاركوا في الندوة فكرة يرغب في التواصل معها بكتابة نص أدبي طويل أو قصير عنها، ثم حدث نقاش جماعي حول هذه الأفكار ثم انطلقت الكتابة وكانت هناك جلستان للعمل يومياً، صباحاً ومساءً، يقرأ الكاتب نصه وتحدث مناقشات حوله حيث يتم تطوير النص بالحوار والمناقشة”. وتابعت: “ومن الأهمية بمكان أن نشير الى ما قدمه الكتاب السبعة من جهد وإضافات شكلية في أعمالهم بالإضافة الى تلاعبهم بالزمن وفي الأحداث الثقافية حول ذاتها، الملفت حقاً تنوع العوالم والأساليب التي قدمها الكتّاب المشاركون”. فرصة استثنائية ومن جانبه قال الروائي اللبناني جبور دويهي صاحب “مطر حزيران” التي وصلت الى القائمة القصيرة عام 2008 لجائزة (البوكر) العربية، باعتباره مشرفاً على أعمال الندوة: “أعتبر هذه الدورة تجربة فريدة ومشجعة للكتابة الروائية العربية وفرصة استثنائية للقاء والتبادل بين كتاب من مختلف البلدان العربية يصغون لبعضهم ويقدمون النقد البناء، يحتضنون نصوص بعضهم ويسعون الى تطويرها وفق منظور جمالي حديث يصل أحياناً مع البعض الى حد التجريب ويتجاور - وهنا المفارقة الجميلة - أحياناً مع نصوص تستوحي التقليد بشكل من الأشكال”. وأصاف: “أجد أن ما قدمه الكتّاب السبعة في هذه الندوة تجسيدا لأفكار وحساسيات وأساليب تشي بتنوع المسارب والعوالم. فالعوالم تبدأ بعرب بادية الشام وتنتهي بقصة غرائبية خلفيتها قارية مروراً بالمجتمع السفلي، المهمش في مدينة سودانية، واليمن في صعوبة يومياته والثقافة الذكورية الطاغية في بعض النواحي، وحوار داخلي إماراتي شفيف رقيق”. وبحسب الدويهي فقد ضمت الورشة الابداعية 7 روائيين هم الفلسطيني أكرم مسلم المقيم في رام الله “الذي كان يروي حكاية متشعبة بؤرتها الدلالية نظارة تسلمها جدة إلى حفيدها، لتكون ذريعة تتناسل عبرها محكيات صغرى تترجم قضايا الهوية وا?نوجاد العصي في ظل إرغامات الاحتلال”، والمصري طارق إمام “الذي يكتب عن ضريح تسيجه أجواء غرائبية ومافوق طبيعية تنوس بين المقدس والمدنس، مستندا إلى تقنيات حداثية مناطها ا?يهام والافتراض وخلق الزمن الثالث”، والسودانية رانيا مأمون التي “تنزل بمسبارها لتستغور عالم القاع وا?طفال المشردين والمتخلى عنهم في مدينة كبيرة من خلال حكاية اقتفائية يرويها صحفي ينطلق في رحلة بحث عن طفل ضال”، والمغربي أنيس الرافعي الذي “يجرب إبداع طريقة ذات منظور ثلاثي ومرآوي للحديث عن موضوعة الموت من خلال المصائر المتحولة لشخصية واحدة، متسلحا في هذا السعي بوعي سردي نظري متطور ولغة نثرية منسابة”، واليمني وجدي ا?هدل الذي “يدخل عبر “باب المنجل” ليصطاد حكاية انتقادية تستعيد واقعة اغتصاب معروفة، ومن خلالها يقدم المسكوت عنه في عالم تختلط فيه السياسة بالعشائرية، وا?ماراتية مريم الساعدي التي “تقدم حالات متعددة ا?صوات والمناخات لذات نسوية ساردة مصابة بحراب الخواء الروحي في ظل مجتمع مغلق لايني عن مواجهة رغباتها بشتى المثبطات والحواجز، بيد أنها ذات ذكية شيمتها وعي نقدي حاد يتيح لها فتح كوة شاسعة في جدار هذا الخواء والسخرية منه”، والسورية لينا هويان الحسن التي “تحفر في ضفاف التاريخ المنسي لفئة البدو، وتعيد تشييد حكاية شبيهة بحكاية “حرب البسوس” من خلال مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي توظفها كحلية فنية وسناد بصري لتصييغ النص”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©