الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأرض والسماء وبينهما الإنسان

الأرض والسماء وبينهما الإنسان
3 نوفمبر 2010 21:17
أيام قليلة بقيت على إعلان القائمة الطويلة من جائزة “البوكر” العربية في نسختها الرابعة، القائمة التي ينبغي أن تضم 16 رواية من بين 123 تم ترشيحها من 17 بلداً: سوريا، الأردن، العراق، لبنان، فلسطين، السعودية، الجزائر، اليمن، المغرب، تونس، الإمارات العربية، الكويت، ليبيا، السودان، قطر، وللمرة الأولى من أفغانستان. في معرض الشارقة الدولي للكتاب الكثير من الروايات التي جرى ترشيحها للجائزة، وقد لفت انتباهنا في جناح المؤسسة العربية للدراسات والنشر إبراز لثلاث روايات، وبالتساؤل عن هذا الأمر كانت الإجابة إنها مرشحة لهذه الجائزة. والروايات الثلاث هي: “وحدها شجرة الرمان” للروائي العراقي سنان أنطون، والثانية هي “الجريمة، الفن، وقاموس بغداد” للعراقي علي بدر، والثالثة هي “أبناء السماء” للأردني يحيى القيسي. وهنا وقفة سريعة مع كل من هذه الروايات الثلاث. «فلاش باك» عراقي في البداية نتوقف مع رواية سِنان أنطون التي تتناول الحال العراقية اليوم، مع “فلاش باك” على الماضي الممتد إلى مرحلة صدام حسين، وهي رواية تقدم سيرة شاب يضطر أن يرث عن والده مهنة تغسيل الموتى، والمؤلف- كما يرى بعض نقاد الرواية- يعتمد في كتابة نصه الروائي الجديد المزج بين بنيتين في آنٍ معاً، وهما البنية الكابوسية التي استهلّ فيها النص، وتخللت في متنه كلما دعت الحاجة إلى ذلك حتى بلغت الفصول الكابوسية ثلاثة عشر فصلاً. والبنية الواقعية التي احتلت مساحة واسعة بلغت (42) فصلاً. غير أن اللافت للنظر في هذه الفصول هو سورياليتها وغرابة جوها الفنتازي الذي لا ينأى كثيراً عن المناخ الكابوسي الذي يهيمن على الرواية برمتها. ويسود في النص واقع العراق اليومي الذي تدور فيه الأحداث منذ سقوط النظام السابق وحتى سنة إصدار هذه الرواية، وهو واقع كابوسي بامتياز ينطوي على كثير من الغرابة والوحشية والجنون، لذلك فإن تماهي البنيتين الكابوسية والواقعية جاء استجابة لواقع الحال الغرائبي الذي عاشه العراقيون، سواء خلال تلك السنوات التي أعقبت احتلال العراق أو السنوات الخمس والثلاثين السابقة التي جثم فيها النظام الشمولي على صدور العراقيين، وكانت سنوات جحيمية هي الأخرى ألحقت الضرر بشرائح واسعة من المجتمع العراقي متعدد الأعراق والأطياف والديانات. ومن أجواء الرواية نقرأ “لا يكتفي الموت مني في اليقظة، ويصر على أن يلاحقني حتى في منامي. ألا يكفي أنني أكدّ طوال النهار معتنياً بضيوفه الأبديين وبتحضيرهم للنوم في أحضانه؟ هل يعاقبني لأنني ظننت أنني كنت قادرًا على الهرب من براثنه؟ لو كان أبي حياً لسخر مني ومن أفكاري وما كان سيسميه دلعاً لا يليق بالرجال. ألم يغمض هو عقوداً طويلة في مهنته يوماً بعد يوم دون أن يشتكي مرة من الموت؟ ولكن الموت في تلك السنين كان مقلاً وخفراً بالمقارنة مع موت هذه الأيام الذي أدمن علينا حتى كأن هوساً قد أصابه. لكن قد يكون البشر ـ والرجال بالذات طبعاً ـ هم الذين أدمنوه حتى تسنى لهم أن ينادموه بلا رقيب ليل نهار، أكاد أسمع الموت يقول: أنا أنا، لم أتغير أبداً. لست إلا ساعي بريد. إذا كان الموت ساعي بريد فأنا واحد من الذين يتسلمون طوابع الموت ويجففها ويعطرها متمتماً بما لا يؤمن به تماماً ثم يلفها بعناية بالأبيض كي تصل بسلام إلى قارئها الأخير: القبر”. وسنان أنطون روائي وشاعر عراقي، ولد في بغداد، عام 1967، أصدر مجموعتين شعريتين، ورواية “إعجام” التي ترجمت إلى الإنجليزية والألمانية والنرويجية والإيطالية والبرتغالية، وهذه روايته الثانية. عوالم مخفية الرواية الثانية التي ترشحها المؤسسة العربية للدراسات والنشر هي “أبناء السماء” للكاتب الأردني يحيى القيسي، وهي الرواية الثانية له بعد “باب الحيرة” 2006، وبعد مجموعتين قصصيتين هما “رغبات مشروخة” 1997، و”الولوج في الزمن الماء” 1990. تخوضُ شخصيات رواية “أبناء السماء” رحلتها الخاصة، بحثاً عن تفسير للظواهر الخارقة في هذا الكون، والعوالم المخفية التي تؤثّر بنا دون أن نراها، وذلك من خلال إعادة النظر بالمسلمات التاريخية التي توارثناها، وتوظيف مختلف لمنجزات العلوم الحديثة، وقراءة مغايرة للنصوص الدينية، وتنتمي هذه الشخصيات إلى جنسيات عديدة من بينها: الأردنية، والروسية، والمصرية، والبريطانية، والسورية والفلسطينية، حيث تتحرك في أماكن كثيرة باحثة عن بارقة أمل تبعث على الطمأنينة والإيمان. تحضر في هذه الرواية، الجريئة في موضوعاتها وطروحاتها الروحية، المعارف الصوفية، والحكايات الشعبية، والحفريات الأثرية، والنظريات العلمية، لكي تقود بعض هذه الشخصيات الملحدة أو التي لا تعترف بالديانات إلى الإيمان، وبعضها الآخر إلى تخيل اكتشاف حضارات متطورة في هذا الكون الشاسع تقوم بالتواصل معها والذهاب إلى جنتها المشتهاة، وكلّ ذلك ضمن حكاية مشوقة، تأخذ من الصورة السينمائية جمالياتها، مع توظيف متعدد للتقنيات السردية، وتبدأ هذه الرواية أحداثها المفترضة منذ شتاء العام 1987 وتنتهي في خريف 2001. قاموس بغداد الرواية الثالثة في قائمة المؤسسة العربية للدراسات والنشر هي الرواية العاشرة للروائي العراقي علي بدر التي تحمل عنوان “الجريمة، الفن، وقاموس بغداد” (تقع بـ400 صفحة من القطع المتوسط)، وهي رواية تتحدث عن المدارس الفلسفية والأسرارية في بغداد في العصر العباسي، حيث تبدأ أحداث الرواية في القرن السادس الهجري، مع وصول الرسالة الثالثة والخمسين المفقودة من رسائل أخوان الصفا على ظهر السفينة مراد مرسومة بريشة الرسام يحيى الواسطي، فينشب نزاع بين رؤساء الطائفة الخواجية. وبعد وشاية تصل إلى القضاة، يحكم الوزير العباسي بالموت على رئيس الطائفة عماد الدين بن أبي ريحانة النقاش، وهو أحد أعضاء مثلث الحكمة الذي يتربع على رئاسة الطائفة مع الخواجة عباس والخواجة سنان، غير أن الخواجة عباس يتهم الخواجة سنان بهذه الوشاية فيرسل أحد أعضاء الطائفة ومن المشهورين بالولاء له وهو الخواجة نصر الدين لاغتيال الخواجة سنان، وفي طريقه إلى تنفيذ هذه “الجريمة” يستعيد الخواجة نصر الدين قصة الطائفة الخواجية، وهي طائفة سرية نشأت في السنوات الأخيرة من العصر العباسي، تؤمن بالفن والحكمة الأزلية وتستوحي أفكارها من السلسلة الذهبية للفيثاغوريين الإسلاميين مثل الفارابي وجابر بن حيان وثابت بن قرة، وتعتمد في نظامها على قاموس بغداد، وهو كتاب سري موضوع في صندوقِ من السفرجل المزخّرف بالذهب والفضّة، تعده هذه الطائفة أعظم تركة في الحكمة والفن، لاحتوائه على أسرار بغداد وقصة بنائها. تستعيد هذه الرواية قصة المدارس والحركات السرية في بغداد العباسية، مكتوبة بأسلوب يحاكي فن المنمنمات والزخرفة العربية الإسلامية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©