السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام الآخر

الإسلام الآخر
29 يوليو 2015 22:58
* غالب بن شيخ: الله لم يشأ استنساخ البشر وإنما شاء تعدّديَّتهم وتنوّعهم * حسن أوريد: روح الأندلس هي التعايش الحضاري بين الأديان * ينبغي على جميع الدول العربية أن توقع على المرسوم الإماراتي * المرسوم الإماراتي صفعة للمتطرفين في بلادنا وفي الغرب ------------ هاشم صالح --------- هذا هو العنوان الجميل للندوة التي أتيح لي حضورها مؤخراً في الرباط العامرة بتاريخ 10 يوليو الفارط - كما يقول إخواننا المغاربة. وقد نظم الندوة صالون الإبداع والفكر في الرباط. وهو الصالون الذي تترأسه وتشرف عليه الأستاذة سعدى ماء العينين. وهي إحدى الشخصيات النسائية اللامعة في المغرب وحفيدة الفقيه العلامة الشهير ماء العينين. كما أنها مسؤولة في منظمة الايسيسكو عن التقارب بين الثقافات. وقد شارك في الندوة الدكتور غالب بن شيخ من جهة، والدكتور حسن أوريد من جهة أخرى. وسيّرها الأستاذ الكاتب خلا السعيدي بكل ألمعية واقتدار. وكرم الصالون في ذات الوقت إحدى الشخصيات الأكاديمية المرموقة والمعروفة على المستوى العالمي: قصدت السيد أندري أزولاي المستشار الخاص للملك محمد السادس. وهو مغربي يهودي عرف بدوره الكبير في التقريب بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة وبالأخص بين اليهود والعرب. ------ جرت الندوة في مؤسسة محمد السادس الواقعة بالقرب من المستشفى الكبير الرائع للشيخ زايد، حكيم العرب.. ما أحوجنا إليه اليوم! ولكن لحسن الحظ فان ابنه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يقتفي أثره ويمشي على خطاه. وأكبر دليل على ذلك تلك القرارات الحكيمة التي اتخذها مؤخرا بصدد محاربة التكفيريين المتطرفين الذين يدعون علانية إلى القتل والذبح على الهوية مما يؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للأمة. سأعود إلى هذه النقطة مطولاً في نهاية هذا الحديث. إسلام التعدّديَّة ابتدأ الدكتور غالب بن شيخ كلامه بلغة عربية فصيحة لا تشوبها شائبة وظننت أنه سيكمل بها. ولكن مراعاة لبعض الحاضرين ممن لا يتقنونها أكمل بالفرنسية. وكان مما قاله: «لقد علمني والدي شيخ جامع باريس الكبير منذ نعومة أظفاري أن الإسلام دين الرحمة والتسامح وهذا صحيح. ولكن بعد ظهور حركات التطرف والتزمت آن لنا أن نعترف بأنه يوجد في تراثنا شيء آخر مضاد لذلك. ليس من العيب أن نعترف بنواقصنا وإنما العيب كل العيب أن نسكت عليها. نعم هناك أناس يفهمون الإسلام بشكل خاطئ ومنحرف. انهم يعتقدون بأنه دين التعصب وتكفير الآخرين واحتقارهم في عقائدهم وكرامتهم الإنسانية. بل والدعوة إلى ذبحهم وانتهاك حرماتهم. هذا شيء موجود للأسف الشديد في تراثنا الانحطاطي ولم نعد نستطيع تجاهله بعد كل الأعمال الوحشية والفظاعات التي ترتكبها داعش بشكل يومي تقريبا». ثم تلا الدكتور غالب بن شيخ عدة آيات تدحض داعش كليا بل وتؤدي إلى تكفيرها فوريا ودون نقاش. وهي آيات التسامح والاعتراف بمشروعية التعددية الدينية والعقائدية. وركز على الآية الكريمة التالية التي تسمي الأشياء بأسمائها: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. هل هناك وضوح اكثر من هذا الوضوح؟ هل هناك تسامح واعتراف بالآخر أكثر من هذا التسامح؟ فالذين آمنوا يعني المسلمين، والذين هادوا اليهود، والنصارى مفهوم، بل وحتى الصابئين عبدة الكواكب يشملهم عفو الله! ولكن هناك شرط واحد ينطبق على الجميع: لا يكفي الإيمان وإنما ينبغي أن يرفق بالعمل الصالح. ذلك أنه من السهل أن تقول: أنا مؤمن، أنا مسلم والحمد لله. وهذا جيد. ولكن ما هي أفعالك في المجتمع؟ هل هي صحيحة أم فاسدة؟ هل تنجو باتجاه الخير أم باتجاه الشر؟ إذا كنت شريرا فاسدا فإن إيمانك لا يساوي قشرة بصلة. هذا ما يقوله لنا القرآن الكريم. وبالتالي فأين داعش وحركات التطرف الأخرى من كل ذلك؟ أنها بعيدة عنه بعد السماء عن الأرض. أنها ببساطة تنقض كلام الله وتخون جوهر القرآن الكريم. وبالتالي فهي الكافرة الضالة المضلة وليس الآخرين. ثم أضاف غالب بن شيخ فكرة أخرى مكملة وهي أن الله لم يشأ استنساخ البشر وإنما شاء تعدديتهم وتنوعهم. ففي ذلك جمال الحضارة البشرية وغناها وسعادتها. والدليل على ذلك الآية الشهيرة: {يا أيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا}..وبالتالي فتعددية الأديان شيء مشروع ولا غبار عليه إطلاقا وينبغي أن نتعايش جميعا مع بعضنا البعض سواء كنا مسلمين أم مسيحيين أم يهودا أم بوذيين الخ. فهذه الآيات القرآنية الكريمة تدل على وحدة الجنس البشري..ثم أضاف فكرة أخرى مستمدة من الفيلسوف الكبير بول ريكور وبالتحديد من كتابه الجميل: (الأنا كآخر). وهي تقول ما معناه: «الآخر ليس فقط الآخر وإنما أنا أيضا. أنا أيضا آخر بالنسبة للآخر. وينبغي أن أستوعب ذلك وأدركه. وإذا ما استوعبته فسوف يخف حقدي حتما على الآخر. لماذا؟ لأني أنا آخر في نظر الآخرين». المثقفون المضلّلون أما الدكتور حسن أوريد، فقد أتحفنا بمداخلة عصماء باللغة العربية لا الفرنسية. وقال لنا بأن ما يعانيه العالم العربي حاليا من تطاحن وصراعات دموية يفرض على المثقفين أن يتحملوا مسؤوليتهم ويلعبوا دورهم. واستشهد بأمين معلوف وكتابه الشهير: (الهويات القاتلة). ودعانا إلى قراءته أو إعادة قراءته مجدداً خاصة على ضوء ما يحدث حاليا من فظائع ومجازر. فهو يضيء لنا الواقع بامتياز. ثم أضاف أوريد فكرة أساسية: وهي أننا لا يمكن أن نفهم جيدا ما يحصل حاليا في العالم العربي أو الإسلامي كله ان لم نقارن بينه وبين ما حصل في أوروبا عندما كانت لا تزال أصولية طائفية متعصبة. كان ذلك إبان القرنين السادس عشر والسابع عشر بل وحتى الثامن عشر. فهي أيضا كانت تذبح بعضها البعض على الهوية وليس نحن فقط. ولم يكن الكاثوليكي يطيق البروتستانتي على الرغم من أنه فرنسي مثله. والسبب هو أن العصبيات الدينية كانت لا تزال حامية جدا. واستشهد حسن أوريد بفولتير الذي تحمل مسؤوليته على عكس المثقفين العرب حاليا أو قسم كبير منهم لكي نكون اكثر إنصافا ودقة. ينبغي الاعتراف بأن كلامه لا ينطبق حقا إلا على الحركيين السياسيين الذين يقدمون أنفسهم كمثقفين بل وحتى كمفكرين أكاديميين! ولكنهم في ذات الوقت لا يعترفون بوجود أي مشكلة دينية أو طائفية في العالم العربي. بل وحتى داعش لا يعتبرونها مشكلة داخلية وإنما صنيعة خارجية! ماذا يمكن أن تقول لهؤلاء؟ لا شيء.لا نقاش معهم ولا خير فيهم. هؤلاء هم أصل المشكلة لا الحل. هؤلاء لا يقدمون ولا يؤخرون حتى ولو بعد سبعين سنة. أو قل انهم يؤخرون كثيرا من مسيرة الشعوب العربية نحو النور والحرية. انهم يضللون شعوبهم ويخدعونها ويكذبون عليها بدلا من مصارحتها بالحقيقة. ماذا تجد لديهم؟ نفس الديماغوجية، نفس الغوغائية، نفس الأدلجة العقيمة منذ الستينات وحتى اليوم. تجد نفس الكلام الخشبي أو المتخشب، نفس الكلام الفارغ المكرور المجترّ. والله كنت أعتقد أننا مللنا من ذلك أو شبعنا على الأقل. أهؤلاء سيحلون المشكل السوري أو العربي؟ على العكس من ذلك كان موقف فولتير زعيم الأنوار الفرنسية. وهذا ما ذكّرنا به حسن أوريد عندما استعرض قضية عائلة كلاس المضطهدة طائفيا من قبل الأغلبية الكاثوليكية التي كانت مشحونة شحنا ضد ألأقلية البروتستانتية. فماذا فعل فولتير الكاثوليكي؟ لقد وقف ضد طائفته التي نشأ في أحضانها وتربى عليها! ولم يكن ذلك بالأمر السهل. بل وقد جازف بنفسه لأن الاخوان المسيحيين آنذاك ما كانوا يقلون جبروتا ورعبا عن الاخوان المسلمين اليوم. نعم لقد انتصر للمضطهدين ضد طائفته الخاصة بالذات. هذا هو المثقف الحقيقي الذي يؤدي إلى تحريك عجلة التاريخ. والآن لم يعد هناك أي أثر للتعصب الطائفي في فرنسا. ولم يعد أي كاثوليكي يحقد على أي بروتستانتي أو العكس. وكل ذلك من ثمار الانوار والتنوير. ثم خلص الدكتور أوريد قائلا هذا الكلام الهام: «ما هي الأندلس؟ هل هي فقط مطبخ وموسيقى وأشعار؟ لا ريب في أن ذلك شيء مهم ويحق لنا أن نخلده ونفتخر به. ولكن ينبغي أن نذهب الى أبعد من ذلك لكي نتوصل الى عصارة الاندلس، الى جوهر الاندلس، الى روح الاندلس. وجوهرها هو التعايش الحضاري الخلاق بين المسلمين والمسيحيين واليهود. جوهرها هو تسامح الحضارة الإسلامية وانفتاحها على الآخر. فلم يبدع نوابغ اليهود والمسيحيين الا في ظلها». وختم حسن أوريد كلامه قائلا: «اذا كان هناك بلد واحد في العالم العربي مرشح للعب نفس الدور الحضاري حاليا فهو المغرب. أليس هو الوريث الأول والأقرب للحضارة الأندلسية؟ من يستطيع أن يناقضه؟». لا للتكفير عندما أعطيت حق الكلام قلت ما فحواه مع إضافات جديدة هنا: لماذا يطرح الإسلام مشكلة اليوم أكثر من بقية الأديان؟ لسبب بسيط هو أنه لم يمر بالمرحلة التنويرية بعد على عكس المسيحية واليهودية في أوروبا. وما دام لم يمر بالمرحلة التنويرية فلا يمكنه أن يعترف بمشروعية التعددية الدينية في المجتمع. ففي رأيه لا يمكن أن يوجد إلا دين واحد صحيح في العالم. بالطبع فهذا الكلام ينطبق على الوهابيين أكثر من سواهم بكثير. فهؤلاء يكفرون علنا كل الأديان الأخرى دون استثناء بل ويدعون الى ذبح أتباعها شرعا كما تفعل داعش وسواها من حركات الظلام. ولكن عموما فان العالم الإسلامي يصعب عليه الاعتراف بصحة أي دين آخر غير الإسلام. بل ويستحيل عليه الاعتراف. لماذا؟ لأن عقلية القرون الوسطى لا تزال مهيمنة على العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه. وستظل مهيمنة ما لم نشهد مرحلة التنوير الكبير كما حصل في أوروبا بدءا من القرن الثامن عشر. فالمسيحيون في أوروبا كانوا أيضا يعتقدون أن دينهم هو وحده الصحيح وأن كل الأديان الأخرى باطلة، محرفة، مزورة، الخ.. التنوير الفلسفي هو الذي أجبر الكنيسة الكاثوليكية على تغيير موقفها والاعتراف بالتعددية الدينية. فطيلة القرون الوسطى كانت تردد الفتوى اللاهوتية الشهيرة التي تقول: خارج الكنيسة الكاثوليكية البابوية الرومانية لا مرضاة عند الله ولا نجاة في الدار الآخرة. بمعنى أنه ليس فقط الدين المسيحي هو وحده الدين الصحيح على وجه الأرض وإنما داخل هذا الدين فان المذهب الكاثوليكي هو وحده الصحيح وما تبقى هرطقات وزندقات. وهذا يعني ليس فقط تكفيرا لكل الأديان الأخرى كالإسلام واليهودية والبوذية وسواها، وإنما أيضا تكفيرا لكل المذاهب المسيحية الأخرى كالمذهب الأرثودكسي وبالأخص المذهب البروتستانتي العدو اللدود للكاثوليكية البابوية. وهذا ما ندعوه بـ لاهوت القرون الوسطى. انه لاهوت تكفيري بالضرورة. وقد كان ذلك مفهوما ضمن ظروف تلك العصور الغابرة ولكنه لم يعد مفهوما ولا مقبولا اليوم. أوروبا الحضارية تجاوزت هذا اللاهوت التكفيري القروسطي بعد المجمع الكنسي الشهير باسم الفاتيكان الثاني 1962-1965.عندئذ تخلى الفاتيكان لأول مرة عن تلك الفتوى اللاهوتية التكفيرية واعترف بمشروعية التعددية الدينية والمذهبية. وعندئذ غير موقفه جذريا من الإسلام. ومعلوم أنه طيلة القرون الوسطى كان موقفه تكفيريا معاديا لنا في المطلق. فماذا قال في تجديده اللاهوتي الجريء وغير المسبوق؟ قال بالحرف الواحد على لسان بابا روما وبقية الشخصيات المسيحية الكبرى المشاركة في ذلك المجمع اللاهوتي التجديدي الكبير: «إن المجمع الكنسي يعتقد أن مشروع النجاة في الدار الآخرة ونيل مرضاة الله يشمل أيضا وبالدرجة الأولى المسلمين وليس فقط المسيحيين. وذلك لأنهم مثلنا يؤمنون بالله الخالق الذي وحده يحكم بين البشر يوم الحساب. كما أنهم يؤمنون بعقيدة إبراهيم الخليل. ولذا فان الكنيسة المسيحية الكاثوليكية البابوية الرومانية تنظر بكل احترام إلى المسلمين الذين يعبدون الله الواحد الأحد الفرد الصمد الجبار المقتدر خالق السماوات والأرض الذي خاطب البشر من خلال أنبيائه».. هل تعتقدون أنه كان سهلاً على كبار شخصيات المسيحية الذين تجاوز عددهم الألفين وخمسمائة من شتى أنحاء العالم أن يشطبوا بجرة قلم على الفتوى الكنسية التكفيرية السابقة التي دامت أكثر من ألف وخمسمائة سنة؟ لقد كانت من ثوابت المسيحية والكنيسة الكاثوليكية ومع ذلك فقد تخلوا عنها تحت ضغط الحداثة الفكرية والسياسية والتطور الهائل للمجتمعات الأوروبية. وهذا ما سيحصل في الإسلام أيضا رغم أنف الوهابيين والإخوان المسلمين وكل ظلاميات الحركات الأخرى. بل إن أخ حسن البنا الشقيق المرحوم جمال البنا هو أول من دعا إلى ذلك بحسب علمي. فقد دعا الى إحداث ثورة لاهوتية داخل الإسلام قائلا: «ينبغي علينا الاعتراف بمشروعية كل الأديان والمذاهب الأخرى، باعتبار انها طرق متعددة للوصول إلى الله وان كنا نفضل بالطبع الطريق الذي يمر عبر القرآن والرسول». مرسوم الإمارات في كل الأحوال ينبغي أن يجتمع كبار علماء الدين الإسلامي وكبار قادة الفكر والرأي العام في العالم العربي ويتخذوا القرار الخطير التالي: لا تكفير بعد اليوم لأحد. الله وحده هو العلام بذات الصدور. وهو وحده الذي يحكم على الجميع يوم القيامة. يضاف إلى ذلك أن كل شخص طيب محب للخير وفاعل له فهو من الناجين أيا تكن عقيدته أو مذهبه. وكل شخص شرير يسفك الدماء بشكل وحشي وبدون حق فهو من الضالين الخاسرين في الدنيا والآخرة حتى ولو كان من ديننا ومذهبنا بل حتى ولو كان أخانا أو ابن عمنا. وهنا أصل إلى القرار الكبير الذي اتخذته الإمارات العربية المتحدة قبل يومين على لسان رئيس الدولة وفاجأت العالم به. ويا لها من مفاجأة سعيدة تجيء في وقتها. بل وأكاد أقول قدمته هدية للعالم. وسوف يساهم حتما في تحسين صورتنا التي تشوهت مؤخرا أكثر مما ينبغي. فقد آن أوان الرد الحازم على الجماعات التكفيرية الداعشية التي شوهت سمعتنا وسمعة ديننا الحنيف في كل أرجاء المعمورة. قرار الإمارات مكون من شقين: شق الدفاع عن الإسلام وبقية الأديان السماوية، وشق مكافحة الإرهابيين الذين اختطفوا الإسلام أو اتخذوه رهينة وقوّلوه ما لم يَقُله. ينبغي التصدي لهم. وقد تصدت لهم الإمارات بكل جرأة ووضوح. وياليت الدول العربية المجاورة تحذو حذوها فورا ودون إبطاء. فهذا هو الموقف الوسطي العقلاني. هذا هو الإسلام الصحيح. هذا هو جوهر الإسلام الحنيف. وهو الذي سينقذ المسلمين من المغطس الكبير الذي وقعوا فيه وما عادوا يعرفون كيف يخرجون منه. الشق الأول من قرار رئيس الدولة يعتبر صفعة للمتطرفين الغربيين الذين عاثوا فسادا في الأرض طيلة السنوات السابقة وتجرأوا بالتهكم والسخرية الكاريكاتورية الشنيعة على الرسول الكريم.وقد سمعت بأن بعضهم تراجعوا عن ذلك وأعلنوا صراحة بأنهم أخطأوا. فلا يحق لهم أن يجرحوا بشكل مجاني مشاعر ملايين المسلمين.و لذا قرروا الكف عن هذا العبث الصبياني.وهذا دليل على أنه في نهاية المطاف لا يصح إلا الصحيح.{فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}. صدق الله العظيم. أنا أسأل هؤلاء المتطرفين الغربيين: هل الإنجيل أو يسوع المسيح مسؤولان عن محاكم التفتيش والحروب الصليبية؟ أبدا لا. نفس الشيء عن الإسلام: هل محمد رسول الله أو القرآن الكريم مسؤولان عن الفظائع الداعشية؟ والجواب نفسه: أبدا لا.وبالتالي فلماذا يقيمون بوساطة صورهم الكاريكاتورية السخيفة مطابقة كاملة وحرفية بين النبي الأكرم وبين بن لادن أو الزرقاوي أو البغدادي؟ بأي حق يفعلون ذلك؟ هل محمد العظيم هو بن لادن؟ ويحهم أفلا يفقهون؟هذا جنون! كنت قد ثرت على ذلك منذ سنوات عندما حضرت مؤتمر روما عام 2012 بدعوة من صديقنا العزيز المستعرب الانجليزي ستيفن أولف. وهو صديق للعرب ويحبهم ويحاول مواكبتهم على طريق الإصلاح والاستنارة. والأروع من ذلك أنه يتقن لغتهم. وأحيانا أنسى أنه انجليزي وأنا أخوض معه في شؤون الفكر العربي وشجونه. ولذلك طالبت مرة بانضمامه إلى الجامعة العربية هذا اذا بقيت هناك جامعة عربية.. وقد تقبل محاجّاتي بكل تفهم ورحابة صدر. ثم نشرت هذا النص تحت عنوان: نعم لنقد الانغلاقات التراثية، لا لشتم الأنبياء! انظر موقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود. من جهة أخرى، فإن بيان الإمارات الهام يشكل صفعة أخرى بل ومدوية لكل قوى التطرف والظلام في جهتنا نحن. من هنا طابعه المتوازن والمحكم البناء. يقول البيان: «جرمت دولة الإمارات العربية المتحدة التمييز الديني والعرقي وإثارة خطاب الكراهية واستخدام الدين لأغراض التكفير بموجب مرسوم أصدره رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بتاريخ 20/07/2015». هذا المرسوم ينبغي أن توقع عليه جميع الدول العربية دون استثناء. فلا يمكن أن يحترمنا العالم من دون ذلك. شيء عن الشيخ غالب بن شيخ ولد في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية عام 1960؟ والسبب هو أن والده الشيخ عباس بن شيخ كان ممثلاً لحكومة جبهة التحرير الوطني آنذاك في المملكة. وهكذا أمضى طفولته الأولى في الأماكن المقدسة متنقلاً بين جدة ومكة المكرمة. حائز شهادة الدكتوراه في علم الفيزياء من جامعة باريس؟ ولكنه فاجأ الجميع عندما تخلى عنها وراح يتخصص في الفلسفة والعلوم الإسلامية. والسبب هو ميوله الدينية العميقة ورغبته في تجديد الإسلام وتحبيب الفرنسيين به. كان أخوه صهيب بن شيخ مفتياً لمدينة مرسيليا ثاني مدن فرنسا بعد باريس؟ من بين كتبه نذكر: العلمانية في نظر الإسلام. وبعد 11 سبتمبر نشر كتابا بعنوان: إذن..ما هو الإسلام؟ الخ.. يقدم برنامجاً ممتعاً عن الإسلام صباح كل أحد على القناة الثانية للتلفزيون الفرنسي. شيء عن أوريد حسن أوريد، من نوابغ المغرب. كان أول ناطق رسمي باسم القصر الملكي بعد تنصيب الملك محمد السادس عام 1999. وقد ظل يمارس هذا المنصب الرفيع حتى عام 2005. ثم عين بعدئذ والياً على مدينة مكناس العريقة. وفي عام 2009 تم تعيينه مؤرخاً للملكة لفترة من الزمن. وهو الآن أستاذ العلوم السياسية في الرباط والمستشار العلمي لمجلة «زمان» الناطقة بالعربية والفرنسية. له مؤلفات عدة نذكر من بينها: الإسلام والغرب والعولمة، مرآة الغرب المنكسرة، الخ. هذا بالإضافة إلى دواوين شعره ورواياته. ذلك أنه كاتب أديب وليس فقط مسؤولًا سياسياً أو مفكراً تنظيرياً. ويعترف له الجميع بالفصاحة والمقدرة في كلتا اللغتين العربية والفرنسية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©